يمكن أن يقال الكثير عن الاداء السياسي للمسيحيين في لبنان.

يمكن بسهولة ايجاد عشرات الاسباب لانتقاد أحزابهم وسياسييهم وأساليب كنائسهم في مقاربة الشأن العام. نضبت لديهم أية مبادرات وطنية جامعة. استسلموا، في وعيهم او لاوعيهم الجماعي، الى انتهاء فكرة لبنان وتجربته.

انكفأوا، في الفكر قبل الجغرافيا، الى حدود أمان جبل لبنان، وبعض «الجزر» في الاطراف.

  بعد ذلك يصبح تفصيلا الحديث عن انعكاس كل ذلك على سلوكياتهم، وان كان يمكن اختصارها بمشهد بسيط. فقد كان الحزبان البارزان لدى المسيحيين، اي «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحر»، مدعومين من الكنيسة، مستعدين للتظاهر والاعتصام من أجل استبدال موظف مسيحي بآخر مسلم، في حين ان سنتين من شغور منصب رئاسة الجمهورية لم يدفع احدا الى التظاهر.

  أهمية انتخاب رئيس ليست فقط في «تفصيل» كونه الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، بل في التأكيد على مجموعة ثوابت أولها احترام الدستور والقوانين، وانتظام تداول السلطة. يعني ذلك ببساطة الاقرار بوجود دولة ووطن. وهذا مما يُفترض أنه بديهيات القناعات المسيحية.

  ومع ذلك، ورغم تزعزع كل البنى الفكرية التي اقاموا عليها «العمارة اللبنانية»، ورغم ضبابية «الرؤية» والممارسة في اداء السياسيين المسيحيين، لا بد من الاقرار بأن النبض لم يتوقف بعد في هذه البيئة.   فمعارك الانتخابات البلدية تجري على ارضها. وعلى ارضها يمكن أن تحمل نتائج الانتخابات النيايبة بعض المفاجآت.

وفي هذه البيئة تواصل بعض حلقات الفكر من الشباب والمخضرمين التلاقي، ولو للجدل والمناقشة. ولا تزال الاديار توسّع مكتباتها. ولا تزال مراكز الابحاث والدراسات فيها تجتهد وتبحث، وان قلّ عدد الرواد. أما نقاط النقاش والبحث فتتراوح بين اكثر الافكار تطرفا ونقيضها الاكثر حداثة وانفتاحا.  

ويتواصل في هذه الاوساط، ظهور احزاب صغيرة كما الهيئات والجمعيات التي تعنى بقضايا عامة. كما يُسجّل وجود مقار لمعظم الاحزاب في ما يعرف بالمناطق المسيحية، التي تختلف في تكوينها، مع المزاج العام لهذه المناطق، وهو ما ليس بديهيا في بلد كلبنان.

  لكن هل يمكن ترجمة هذه الحيوية في مشروع سياسي يعيد بعضا من المعنى للبلد وللسياسة فيه؟  

يجيب أحد الاساقفة الموارنة على هذا السؤال بالتأسف قائلا «رغم الحيوية الظاهرة في الاوساط المسيحية، الا أن أي مشروع وطني يحتاج الى كل مكونات الوطن.

لقد استفزت الاسبقية المسيحية، في ما مضى، على كل المستويات التعليمية والفكرية والسياسية، جميع الطوائف للانخراط في هذه المجالات. بالتالي كان الصراع العقائدي والفكري والثقافي، قبل الاجتماعي والسياسي، مصدرا اساسيا لبلورة الفكرة اللبنانية وتجربتها الفريدة، رغم كل الملاحظات عليها.

واذا كنا قد تعلمنا شيئا من كل ما مرّ علينا من تحديّات وصعوبات، فهو أنه لا يمكن لفريق وحده، مهما بلغ حجم قدراته او أعداده او توهم قوته، أن ينهض بلبنان من دون شركائه في المواطنية. قيمة هذا البلد وفرادته هما بانخراط جميع ابنائه في ضخ خصوصياتهم وجوامعهم المشتركة على مساحته. وكل ما سوى ذلك مصيره الفشل المحتوم».  

يشير الأسقف إلى أنه «اذا كان لنا من تمنّ اليوم ليوضع على طاولة النقاش الوطني من دون حساسيات أو احكام مسبقة، فهو ما ورد في المجمع البطريركي عام 2006 والذي دعونا فيه يومها الى قيام الدولة المدنية لانها وحدها تكفل تمتين العيش المشترك على شروط الدولة الجامعة وليس على شروط جماعة طائفية».  

 (السفير)