ليس أسوأ من جريمة بروكسل إلا ردّة فعل المجتمعات الإسلامية الباهتة ، حتى يبدو كأنّ الإنسان غير المسلم لا قيمة له بالنسبة للمسلمين  ، بل و كأنّ سمعة الإسلام ليست ذات أهمية لديهم ؛ هذا إذا تناسينا المنطق الإنساني في مقاربة الموضوع !  يكفي أن يُطلق أحد الغربيين رأياً يُعارض فيه بعض طقوس المسلمين أو أفكارهم أو ممارساتهم  لتنهال الأصوات المنددة من أعلى المواقع و أحطها ... من كل حدب و صوب , حتى تخال أن دين الله في خطر محدق !! ناهيك عن المسيرات التي تخرج في عدد من بلاد المسلمين ، و التي قد تترافق مع أعمال شغب ... لكن أن يحصل اعتداء سافر على مواطنين أبرياء فهذا ما لا يحتاج لأكثر من بعض الاستنكارات الخجولة و المحدودة .

مع جريمة بروكسل آن أن  نعي أن المسؤولية لا تنحصر بمن خطط و نفذ فحسب ، بل تشمل كل البيئة الإسلامية ، كل بحسبه ، مع العلم بأن السكوت يجعل صاحبه شريكاً في الجرم تطبيقاً للحديث : ( الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم ) .

التفجير لم يُضعف الغرب ، بل لم يناله بسوء حتى - رغم استشهاد بعض ضحاياه الأبرياء - ؛ بل أصاب مجتمعنا الإسلامي ، و فجّر عقول شباب المسلمين ، و سيجعلهم أكثر بعداً عن الإسلام . و الرسول ص يحدد المسلم بأنه الذي ( سلِمَ الناسُ من يده و لسانه ) ؛ و لكن اليوم أصبح العكس هو الصحيح .

حريٌ بعلماء الإسلام و قادته و أصحاب الفاعلية و القرار في مجتمعاته  على اختلاف اهتماماتهم - أن يعمموا ثقافة خطاب الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم : "  يا أيّها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة " و عليه ، و مع حزني الشديد على الضحايا الذين يرتفعون شهداء على أيدي من يدعي الإسلام ، و لكن لا يمكنني إلا أن أحزن على الضحية الواقعية ، و هو المجتمع الإسلامي ، الذي يغيب فيه صوت الدين و العقل ، لتعلو فيه الغرائز و العصبيات و الاهتمام بالقشور و الطقوس دون الروح ...

و أخيراً ، تبقى المسؤولية الأساسيّة لإعادة النظر بمفهوم الجهاد ، و بتحديد موقف الإسلام من غير المسلمين ، و تبيين حدود حرية الإيمان بل و عدمه أيضاً. .. مع العلم أن مستقبل البشرية يتّجه لإيجاد فسحة كبيرة للحرية المطلقة للمعتقد ، و لمزيد من نشر السلام ... ؛ على أمل أن يعي المسلمون مستجدات وقتنا الراهن , المقبل على تطور كبير في نمط المعيشة و الذهنية العامة للشعوب ؛ ما سيجعل المسلمين أمام مخاطر وجودية حقيقية .

  بقلم  الشيخ محمد علي الحاج العاملي 

مدير حوزة الإمام السجاد العلمية - بيروت