رصد اقتصاديون أميركيون انخفاضاً حاداً في حجوزات الأميركيين السياحية في أوروبا هذا الصيف، إثر تفجيرات بروكسيل والبيان الذي أصدرته وزارة الخارجية للأميركيين وحذرتهم فيه من "الأخطار المحتملة للسفر إلى عموم أوروبا".

وجاء في بيان الخارجية الأميركية، أن "المجموعات الإرهابية تواصل تخطيط هجمات في المستقبل القريب في عموم أوروبا، واستهداف أحداث رياضية ومناطق سياحية، ومطاعم ووسائل مواصلات". وتستمر صلاحية التحذير الحكومي الأميركي للمواطنين حتى نهاية الربيع أي حتى 20 حزيران المقبل.

وهذا التحذير الأميركي، هو الثاني في السنوات العشرين الأخيرة. وكانت الخارجية أصدرت تحذيرها الأول في تشرين الأول 2010. وجاء في البيان أن على الأميركيين "توخي الحذر في الأماكن العامة أو أثناء استخدامهم وسائل النقل العامة، وتفادي الأماكن المزدحمة".

وتأتي التحذيرات الأميركية، في وقت تستعد فرنسا لاستضافة كأس أمم أوروبا لكرة القدم بين العاشر من حزيران والعاشر من تموز بمشاركة ١٦ دولة، مع ما يعني ذلك من تجمعات للمشجعين داخل الملاعب وخارجها، وفي الحانات والساحات العامة أثناء الاحتفالات.

ومن شأن تباطؤ السياحة، أن يؤثر سلباً في اقتصاد الاتحاد الأوروبي، الذي بلغ النمو فيه 1.9 في المئة العام الماضي، مع معدل بطالة بلغ 10.3 في المئة. وكان الأوروبيون يطمحون إلى تحقيق موارد كبيرة من السياحة هذا الصيف، خصوصاً في ضوء تراجع قيمة اليورو أمام الدولار، وهو ما يشجع الأميركيين على زيارة القارة العجوز.

وليست أوروبا وحدها التي تعتمد اقتصادياً وفي شكل متزايد على قطاع السياحة، إذ تظهر دراسات أعدها "المجلس العالمي للسياحة والسفر"، أن "هذا القطاع بلغ 7.2 تريليون دولار عام 2015، أي ما يوزاي 9.8 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي". وتظهر الدراسات أن السياحة "توظف ٢٨٤ مليون شخص حول العالم، أي أن واحداً من كل ١١ عاملاً على الكوكب يعمل في السياحة".

وتشير دراسات المجلس إلى أن قطاع السياحة نما العام الماضي وللسنة السادسة على التوالي، بنسبة 3.1 في المئة"، متوقعة نمواً نسبته 3.3 في المئة هذه السنة، على ان يستمر هذا المنحى في الارتفاع ليصل الى 4 في المئة خلال السنوات المقبلة، ليفوق معدل النمو السنوي للاقتصاد العالمي.

وتظهر بيانات المسافرين أن السياح الأميركيين "كانوا الأكثر إنفاقاً عام ٢٠١٥ وأنفقوا 189.7 بليون دولار"، ما يعني أن بيان تحذير الخارجية من سفرهم إلى أوروبا سيحرم الأوروبيين جزءاً كبيراً من أكثر السياح إنفاقاً في العالم.

وأفادت دراسات "المجلس العالمي للسياحة والسفر"، بأن خمس دول بين أكثر عشر دول «ساهمت السياحة في نمو ناتجها المحلي هي دول أوروبية، وهي ألمانيا التي جنى قطاعها السياحي 130.7 بليون دولار عام ٢٠١٥، لتحلّ في المركز الثالث بعد الولايات المتحدة والصين، ثم بريطانيا التي حقق قطاعها السياحي 103.7 بليون دولار محتلة المرتبة الخامسة بعد اليابان الرابعة، تلتها فرنسا بـ 89.2 بليون، وجاءت إيطاليا وإسبانيا في المركزين الثامن والتاسع بعدما كسب قطاعاهما السياحي 76.3 بليون دولار و68.8 بليون على التوالي.

على صعيد الوظائف، حلّت ألمانيا في المركز السادس عالمياً، اذ ساهم قطاعها السياحي في توظيف ٣ ملايين و١١ ألف ألماني، فيما حلت بريطانيا في المركز العاشر عالمياً، إذ أظهرت الأرقام أن نحو 1.8 مليون بريطاني عملوا في قطاع السياحة العام الماضي.

وهكذا، أثارت الهجمات الإرهابية في باريس وبروكسيل قلق حكومات العالم، منها الأميركية، التي أصدرت تحذيرات لمواطنيها من مغبة السفر إلى منطقة الاتحاد الأوروبي، ما يؤذي الدول الأوروبية وهي صاحبة اكبر قطاعات سياحية في العالم، على رغم أن نسبة القطاع السياحي بالنسبة إلى الناتج المحلي الأوروبي لا تزال منخفضة بسبب ضخامة الناتج الأوروبي عموماً.

كما يمكن أن تؤدي الإجراءات الأمنية الأوروبية إلى مزيد من التراجع لقطاع أوروبا السياحي، بعدما طرح بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي احتمال إعادة إقفال الحدود في ما بينها، ما يحدّ من عدد السياح المتنقّلين داخل دول الاتحاد.

كما وعدت حكومات أوروبية بتشديد شروط تأشيرات الدخول إليها تحسباً من تسلل ارهابيين إلى أراضيها، ما يؤثر سلباً في حال تطبيقه، في عدد السياح الوافدين إلى أوروبا سنوياً.

تفاقم كل التداعيات الاقتصادية السلبية للهجمات الإرهابية في الداخل الأوروبي المشكلة، وتدفع الأوروبيين إلى تسريع كيفية التعامل معها، من قبيل زيادة التنسيق بين أجهزتها الأمنية وتوحيد البروتوكولات بينها بهدف ضبط الحدود، وفي الوقت ذاته الإبقاء عليها مشرعة أمام أكبر عدد من السياح ممَّن يمكنهم الاستمرار في الإنفاق، الذي يمول عدداً كبيراً من الوظائف الأوروبية، ويساهم في جزء لا بأس به من النمو الاقتصادي السنوي لهذه الدول.

(رويترز)