ساد وهمٌ شائع على مدار التاريخ الإسلامي ،وحتى يومنا هذا، أنّ التشيع هو حركة انشقاقية عن الأرثوذكسية الإسلامية،(ونعني بالارتوذكسية العقيدة المستقيمة)، وهذا يضعه عند البعض ضمن الملل والنحل الضّآلة ، أو أهل البدع والزيغ، الذين لا يمكن ردّهم إلى جادة الصواب إلاّ بنبذهم واضطهادهم بالحدّ الأدنى ،أو باستئصال شافتهم بالحدّ الأقصى.

ثم ما لبثت أن تركت مسألة الإمامة الشائكة جروحها العميقة في جسم الأمّة المنشطرة شطرين يصعب صهرُهُما، وهاهي الأيام تثبت أنّ نار هذا الخلاف بين الأغلبية السُّنية والأقلية الشيعية يمكن أن تضطرم حالما يتوفّر لها من يُذكيها، وهذا ما حصل نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحالي مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران. وساد رأيٌ شائع هذه الأيام أنّ التشيع يكاد أن يرتبط بالتشيع الإيراني بوشائج متينة،لا سبيل للخلاص منها، وأنّ إيران الثورة الإسلامية هي التي تقود مسار الطائفة الشيعية في ارجاء العالم الإسلامي، وتتحكم بتوجهاته منذ ايام الشاه إسماعيل الصفوي الذي فرض المذهب الجعفري في إيران حتى يومنا هذا، وأدخل فيه شعائر وطقوس لم يعرفها التشيع في مساره المتعرج.

للأسف الشديد، ينساقُ اليوم في العالم العربي قيادات الطائفة الشيعية وراء هذا الوهم ،المؤدي إلى منزلقات خطرة، فقد ابتعدوا جدا عن مقاصد التشيع الذي انبثق كحركة معارضة لحكم معاوية بن أبي سفيان،الذي أطلق بعد استلامه الحكم حملة تحقيرية للإمام علي بن أبي طالب، وكوفاءٍ لذكرى علي في أوساط النفر القليل من أقرب صحابته السابقين.

ولم يقتصر اسم "الشيعة" على أنصار عليٍ في حياته ، فقد جرت العادة أن يجري الكلام عن شيعة عثمان، أو شيعة معاوية حتى، أمّا وقد استشهد الإمام علي واستولى معاوية على الخلافة ، فإنّ المفهوم اقتصر بعد ذلك على الكوفيين الذين ظلوا أوفياء لذكرى علي، مُحتجّين ومستنكرين على سيل اللعنات التي انصبّت على إسمه، وهكذا نشأ في أربعينيات القرن الأول الهجري حزب الشيعة السياسي الديني، وهو سياسي أكثر مما هو ديني، ومع موجات القمع الأموي وسيل الشهداء، وفي مقدمهم الحسين بن علي،سينشأ تشيع عربي كوفي، سينهج طريقه الخاص طوال العصر الأموي، وسيظل أقلية، ورغم الاتجاه الروحي ،بعيدا عن الحكم ومآسيه عند أبناء الحسين وأحفاده، فقد انفجرت من حين لآخر ثورات تشنّجية مآلها دائما الفشل، وها نحن اليوم، ما أشبه يومنا بالبارحة ،نشهد حركة شيعية مسلّحة، باشكال وتموضعات مختلفة، وبدعم وتوجه إيراني،لا أُفُق مفتوحا أمامها ، من الناحيتين الدينية والسياسية، وهذه المغامرات غير المحمودة العواقب، لن تعود على التشيع العربي سوى الخسائر المجانية، وشبح المجازر المذهبية، أمّا حسابات إيران فهي حسابات دولة إقليمية ذات مصالح جيوبوليتكية، مرتبطة برهانات المعنى وإرادات القوة والهيمنة والتوسع، وهي منقطعة بالطبع عن حسابات العالم العربي والإسلامي، ومن ضمنهم طبعا شيعة علي بن أبي طالب.