بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية بين النظام السوري والمعارضة بمختلف عناصرها، يبدو أن روسيا قرّرت حسم الموضوع عسكرياً لصالح النظام، فالحرب الأهلية التي استمرت نيفاً وخمس سنوات، مع أكثر من ستة ملايين سوري لاجئ خارج سورية، وملايين النازحين خارج مدنهم وقراهم، إضافة إلى الدمار السائد في مدنٍ سوريةٍ كثيرة، ناهيك عن أكثر من ثلاثمئة ألف قتيل من السكان، كما الدمار في الأملاك والبنى التحتية والمؤسسات، مثل المدارس والمستشفيات وغيرها. كل هذا تضاف إليه المنظمات الإرهابية العديدة. 
مكّن الموقف الأميركي المتردّد بشأن سورية النظام أن يكون حاسماً في إجراءاته، وأن يستأثر بالمبادرات العسكرية التي قام بها، فقد بدأت أحداث سورية عندما قامت مجموعات من الشعب السوري بالمطالبة السلمية بإصلاحاتٍ، لها علاقة بالحرية وحقوق الإنسان، فما كان من النظام إلا أن جابه المظاهرات السلمية بالقوة العسكرية، ويعلم الجميع ما أدى إليه هذا الموقف المتصلب من المطالب الشعبية المحقة من ظهور منظمات إرهابية متطرفة، سيطرت على قسم من الأراضي السورية. 
ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنه، بعد التدخل الحاسم للقوات الروسية وبعد إعلان عن وقف إطلاق النار، عادت المظاهرات السلمية إلى الساحة، للإعلان بوضوح أن المطالب غير عنفية، وتتعلق، أولاً وآخراً، بحقوق الإنسان وحريات المواطنين. 
ولن تكون مفاوضات جنيف بين النظام وفصائل المعارضة، برعاية روسية أميركية، سهلة. ولكن، ما يعطي الأمل القوي نسبياً بأن هذا المسار قد يؤدي إلى السلام في سورية هو ما يصدر عن الراعيين، الروسي والأميركي، من تصريحاتٍ إيجابيةٍ، ومن بوادر تشير إلى تصميم مشترك منهما، لوضع حد لهذه الأزمة، وبصورة خاصة لوقف تقدّم التطرف الإرهابي الذي فاق كل التوقعات، وتجاوز كل الحدود. 
علاقة روسيا بسورية ليست جديدة، فهي قائمة منذ أيام الاتحاد السوفييتي والرئيس حافظ الأسد، حيث كان الاتحاد السوفييتي يزود سورية بالأسلحة، وبكل أنواع الدعم الساسي والعسكري. وانطلاقاً من هذا التحالف القديم والقوي، شاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يظهر للأصدقاء والأعداء أن بلاده لا تتخلى عن حلفائها، كما أنه واع لمصالح دولته، حيث ليس لدى روسيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط سوى قاعدة بحرية واحدة في مدينة طرطوس السورية، وقد أمّن الآن قاعدة جوية في منطقة اللاذقية. ومن هذا المنطلق، أصبح لروسيا الآن موطئ قدم ثابتاً في الشرق الأوسط، إذ أتاح التردد الأميركي لروسيا فرصة تعزيز موقعها، ليس في سورية فحسب، بل إلى حد ما في الشرق الأوسط. 
أما الغيوم التي تخيم على مؤتمر جنيف، فهي ما أعلنه الأكراد بالبدء في إنشاء كيانٍ فيدرالي في المنطقة التي يسيطرون عليها في سورية، ما قد يؤدي إلى رغبة مناطق أخرى بأن تحذو حذو الأكراد. هذا مع العلم أن الدولة الفيدرالية لا تعني بالضرورة تقسيم البلد، بل ربما قد تعزز المسؤولية القومية، بإعطاء المناطق مسؤولية إدارة شؤونها المحلية. وذلك كله تحت سلطة دولة وحكومة واحدة، على غرار ما يجري في دول، مثل كندا وغيرها. 
في الختام، هنالك قناعة بأن لا حلّ للأزمة السورية إلا بالوسائل السياسية. وعليه، فإن مفاوضات جنيف تشكل المسار الأنجع لإيجاد الحلول السلمية لهذه الأزمة المستعصية التي نأمل أن تجد حلها في المستقبل القريب، من خلال صحوة الأطراف السورية على اختلافها، باتجاه العثور على صيغةٍ تؤدي إلى وقف النزف وأسبابه. وبالتالي، إعادة بناء المؤسسات لضخ الحياة في أجهزة الدولة وحياة المجتمع السوري، بما يمكّن من استئناف ورشة الإعمار والبناء.