تميزت الإطلالة الأخيرة للسيد حسن نصرالله على قناة الميادين، وربما للمرة الأولى منذ زمن بعيد، بالهدوء والروية ،حيث أنّها خلت من الانفعالات الصاخبة التي كانت ترافق عادة خطابات ه لجمهور منفعل وهائج، وهذا على الرغم من المفارقات التي طبعت المقابلة من أولها وحتى آخرها، ويُستحسن التركيز على مفارقتين اثنتين لأهميتهما في مسار خطابات السيد وسياسة حزب الله وسلوكه في لبنان والمنطقة العربية:

أولاً: بدا أنّ المقابلة مُعدّة إعداداً جيدا لحرف ما وصلت إليه أحوال حزب الله و"مقاومته" مع العالم العربي من تدهور، فقد أصرّ مُعدُّ المقابلة ومن بداية الحديث على تظهير حدث ما عدواني قريب ومرتقب من العدو الإسرائيلي، يستهدف لبنان والحزب تحديدا، إلاّ أنّ السيد لفت إلى أنّ الأمر مستبعد في اللحظة الراهنة، إلاّ أنّ بن جدو الحّ على تناول الموضوع، فاستفاض السيد، بأنّ الأمر مستبعد لأنّ الإسرائيليين ليسوا أغبياء (كحالة العرب المحيطين بنا) ، والدليل على ذلك أنهم لم يخرجوا للحرب حتى الآن، ولبنان ينعم بهدوء تام منذ العام ألفين وحتى يومنا هذا، باستثناء أيام حرب تموز. والمفارقة أنّه إذا كانت إسرائيل لا تعدّ العدّة لعدوان جديد ،لانتفاء حاجته وجدواه، فضلا عن كلفته العالية، فما كانت فائدة هذا الشرح الطويل عن قدرات المقاومة الفائقة في دكّ مواقع العدو الصناعية والكيماوية وحتى النووية منها؟ وهل معالجة موضوع شائك وحساس كالحرب الكيماوية يتم عبر شاشات الفضاء؟

وإذا كان المقصود شد العصب الطائفي، أكثر مما هو مقصود تخويف العدو وتحذيره، ودبّ الرعب في أوصاله، لأنّه ذكي، ويحسب كل شاردة وواردة، لكان حرياً بالسيد أن يشرح لنا ، وبشكل وافٍ، كيف سيواجه العدو الذكي وهو منغمس في حروب طاحنة مع أعداء وهميين في محيطه العربي، من سوريا إلى العراق فاليمن،باعترافه، وحسنا فعل بعدم التدخل في البحرين،إذن شحذ الهمة لمواجهة أطماع إسرائيل، تكون بتوفير الطاقات الذاتية، وشدّ عصب الدولة،التي هي عماد الجيش والشعب والمقاومة كما يحلو لهم تكرار ذلك.

الاستعداد لمواجهة مغتصب أرض فلسطين والمتحفز دائما للعدوان على محيطه، يبدأ بالانسحاب من محور مقاومة وممانعة يخوض اليوم معارك وهمية ودراسة الثمن لتثبيت نظام في سوريا، لم يكن يوما مقاوما أو ممانعا، وهذا يقودنا إلى المفارقة التالية.

ثانياً:أصرّ السيد على نفي أية شبهة طائفية أو مذهبية أو عرقية عن سلوك حزب الله منذ نشأته حتى الآن، وأنّ إيديولوجية الحزب وعلاقاته مبنية على أساس الحسابات السياسية المنزّهة عن كل غرض طائفي أو ديني حتى، وهذا جيد، لا بل جيد جدا، فإذا كانت سياسة الحزب ترسمها التحالفات، والمصالح الوطنية والقومية، فهذا ما نتمنّاه، وما يجب أن يكون عليه الأمر، وهذا ما يجب أن يسلكه أي حزب يتعاطى الشأن العام والشأن السياسي، فالاعتبارات السياسية هي معيار نجاح أي حزب أو فشله، لا اعتبارات الولاء والامتثال الاعمى،فمصالح إيران مثلا لا تتوافق دائما مع مصالح اللبنانيين ودولتهم وأحزابهم ومكوناتهم، وإذا كانت السياسة هي التي تحكم ،لا الولاءات من أي نوع كانت، فالسياسة تقتضي أولا من سماحتكم وسماحة قيادتكم، أن تبدأوا بنسج علاقات سوية ومتصالحة مع محيطكم، والابتعاد ما أمكن ذلك عن الصراعات المحتدمة. ووفق المصالح السياسية لا فرق جوهري بين حاكم طهران وحاكم السعودية، فإذا استجاب السعودي لمصالح وطنكم وشعبكم، فما مبرّر العداء؟

وأنتم كما ذكرتم أمس، مجرد حزب، وهذا تواضع مستجدّ ومستحب، فليس مطلوبا منكم إرشاد السعوديين إلى "مظالم حكامهم" كلما استعرّ الخلاف بين الدولة الإسلامية والمملكة السعودية، فأنتم حزب،ولن يغير شيئا في مسار الصراع اليمني، كما أنّه ليس من واجبكم نصرة رئيس خرج في وجهه نصف شعبه على الأقل، واعترفتم سماحتكم بالأمس، أنكم حزب لا يُستشار ولا يُقرّر،فقد اجتمعت الدول(حسب تعبيركم)، روسيا وإيران وسوريا لرسم معالم التدخل الحربي الروسي، وقد كررت ذلك مرتين يا سماحة السيد،لم تكن في موقع القرار، إنّما ،أُطلعنا على هذا وذلك، لعلّ أفضل مافي هذه المقابلة مسحة التواضع، نحن حزب ولسنا دولة، يبقى من الآن وصاعدا أن ترسموا خارطة طريق لتنفيذ هكذا توجه، لا أن تبقى مواقف ينا قض بعضها بعضا، أو ينسخها بالكامل، فتقدم ،للأسف، مادة شهية ودسمة لبرنامج ساخر على قناة المستقبل.