قلل محللون خليجيون من أهمية الزيارة التي ينوي الرئيس الأميركي باراك أوباما القيام بها إلى المملكة العربية السعودية في أبريل القادم، لافتين إلى أن الرياض تعد الأشهر المتبقية في حكم أوباما لمغادرة البيت الأبيض، وتعول على إعادة مسار العلاقات من جديد مع واشنطن في ظل ثوابت التحالف الاستراتيجي بين البلدين.

وأعلن البيت الأبيض الأربعاء في بيان أن أوباما سيزور السعودية في 21 أبريل القادم حيث سيشارك في قمة تعقدها دول مجلس التعاون الخليجي.

وتساءل المحللون عن سر زيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض وعزمه لقاء القادة الخليجيين في حين أن ولايته الرئاسية الثانية باتت في أشهرها الأخيرة، وفشل طيلة ثماني سنوات في تدعيم الشراكة الاستراتيجية مع شركائه الخليجيين، معتبرين أن هذه الزيارة التي ستكون متبوعة بزيارات أخرى لبريطانيا وألمانيا ستمثل نهاية لحقبة دبلوماسية أميركية عرجاء.

وكان ينتظر من الرئيس أوباما أن يمثل الاستثناء الإيجابي في العلاقة بالعالم الإسلامي، لكنه كان استثناء سلبيا وبشكل غير متوقع بعد أن قضى على مكانة أميركية استثنائية في المنطقة استمرت لأكثر من نصف قرن، حيث سيتلقى الرسالة الأخيرة في سنوات حكمه من السعودية.

وتتوقع أوساط نافذة في الرياض أن يُسمع المسؤولون السعوديون أوباما رسالة واضحة تعبر عن استيائهم من موقفه المتساهل مع إيران والإصرار على توقيع الاتفاق النووي معها رغم تحذيرات حلفائه الخليجيين من أن هذا الاتفاق لن يوقف السياسة العدوانية لطهران، وعلى العكس فهو سيشجعها على المضي في إثارة الأزمات في المنطقة.

ولم يمض كثير من الوقت ليختبر الرئيس الأميركي صواب الموقف السعودي، وذلك حين أجرى الحرس الثوري الإيراني سلسلة من التجارب لإطلاق صواريخ باليستية منذ أيام قوبلت بموجة قلق عالمية، وعدها الأميركيون خرقا للاتفاق النووي.

وستلقي التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي التي نشرتها مجلة ذي أتلنتيك بظلالها على زيارته إلى السعودية التي وجه لها اتهامات قاسية، وشكك في كونها حليفا استراتيجيا لبلاده.

وفيما اتهم أوباما السعودية بأنها ترسل الأموال والأئمة والمدرّسين إلى إندونيسيا، وتقيم دورات لتدريس الرؤية المتطرفة للإسلام، فإنه لم يشر، ولو بالتلميح، إلى استثمارات إيرانية كبرى بغاية الاستقطاب المذهبي سرا وعلنا في المنطقة، وأنها تصنع شبكات معقدة وصعبة التفكيك يمكن أن تنقلب في أي لحظة ضد المصالح الغربية.

واعتبر المحلل السياسي السعودي عبدالمجيد الجلال أن العلاقة السعودية الأميركية تمر بأزمة ثقة غير مسبوقة كانت واضحة في حديث أوباما لمجلة ذي أتلانتيك الأسبوعية، واتهاماته للسعودية بتأجيج الصراع الطائفي في المنطقة ونشر التطرف الديني، وأنَّها لا تعمل بما فيه الكفاية لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط!

وقال الجلال في تصريح لـ”العرب” إنَّ مثل “هذه التصريحات ستكون محل نقاش مع السعوديين، إلى جانب الملفين السوري واليمني، وقضايا أخرى، وإن كان الملف السوري سيكون الأكثر أهمية، إذ يُشكل هو الآخر أحد أبرز الخلافات بين الجانبين، الناتج عن أزمة الثقة هذه”.

وتوقع المحلل السعودي أن يحاول الجانبان التغلب على مصاعب هذه العلاقة التي وصفها أوباما بالمعقدة، ولكن الجلال قدّر أنَّ القيادة السعودية تدرك أنَّ بوصلة المصالح الأميركية لم تعد في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وأنَّها متجهة صوب الصين وشرق آسيا والمحيط الهادئ، وحتى أميركا الجنوبية.

واعتبر أن هذا التحول الجيو- سياسي غير مسبوق في العلاقة بين الدولتين، وبشكل أوسع بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين والعرب، وتدرك السعودية بأنَّ عليها الأخذ بزمام المبادرة لحماية مصالحها دون الحليف الأميركي، وربما بتحالفات إقليمية ودولية خارج الدائرة الأميركية.

ولم يكتف المسؤولون الخليجيون بعدم رضاهم عن التغيير في الاستراتيجية الأميركية، ومروا إلى خطوات عملية لحماية مصالحهم كان أبرزها التدخل في اليمن في 28 مارس 2015 لقطع الطريق أمام محاولة إيرانية للسيطرة على اليمن وتطويق دول الخليج.

ومضى الخليجيون إلى خطوة أخرى أكثر إزعاجا للأميركيين، وهي تنويع الشركاء الاقتصاديين والعسكريين، وبدأوا بالفعل في التفاهم على صفقات كبرى مع روسيا والصين وفرنسا، وهو أمر لم تقبل به الشركات الأميركية التي مارست ضغوطا على إدارة أوباما لمراجعة سياساتها.

ويكاد يجمع مراقبون ودبلوماسيون بارزون على أن أوباما قضى على مكانة أميركية استثنائية في المنطقة استمرت لأكثر من نصف قرن، وأثبت أنه لا رجل حرب ولا رجل سلام.

واعتبر مارتن إنديك، المبعوث الخاص للسلام في إدارة أوباما بين عامي 2013 و2014، في مقال بنيويورك تايمز أنّ الرئيس الحالي أنهى قرابة خمسة عقود من دور أميركا بوصفها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط.

 

صحيفة العرب