رحبت السعودية بالانسحاب الروسي من سوريا معتبرة أنه إيجابي جداً، وأملت أن يسهم ذلك في تسريع وتيرة العملية السياسية وتحقيق الانتقال السياسي في البلاد التي مزقتها الحرب. وكانت التطورات السورية وخصوصاً ضرورة الحفاظ على الهدنة، مدار بحث أمس في اتصال هاتفي بين وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف، في وقت برز عاملان قد يؤثران سلباً في مفاوضات جنيف التي بدأت الاثنين الماضي، أحدهما محاولة العرقلة التي قام بها رئيس وفد النظام بشار الجعفري برفضه الاجتماع مع وفد المعارضة ومطالبته كبير المفاوضين محمد علوش بالاعتذار عن تصريح له «وحلاقة لحيته»؛ ثانيهما إعلان الأكراد نيتهم إقامة إقليم فدرالي في شمال سوريا، أعلنت الولايات المتحدة رفضها له سلفاً.

في الرياض وخلال مؤتمر صحافي مع رئيس البرلمان العراقي سليم النجيفي، ردّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على سؤال بشأن الانسحاب الروسي من سوريا قائلاً إن «الانسحاب الجزئي للقوات الروسية من سوريا خطوة إيجابية«، وأضاف أنه يأمل «أن يسهم هذا الانسحاب في تسريع وتيرة العملية السياسية التي تستند إلى إعلان جنيف1، وأن يجبر نظام الأسد على تقديم التنازلات اللازمة لتحقيق الانتقال السياسي«، وتابع «نحن نشجع جميع الأطراف في سوريا على الاعتراف بالواقع والتحرك باتجاه عملية سياسية حقيقية لبلوغ الانتقال السياسي الذي ينشده الجميع في سوريا بشكل سريع وسلس«.

وبشأن ما يتردد من تكهنات عن صفقة تتعلق بالسياسة النفطية للمملكة والسياسة الخارجية لروسيا، نفى الجبير ذلك مؤكداً أن «السياسات النفطية شفافة ومحكومة باعتبارات السوق، ويتم تحديد الأسعار وفقاً للعرض والطلب«، وأشار إلى أن «هناك زيادة على الطلب على الصعيد العالمي، بينما هناك انخفاض طفيف في المخزونات ونعتقد أن لهذا تأثيراً إيجابياً على أسعار النفط».

وفي موسكو قالت وزارة الخارجية الروسية إن لافروف ونظيره الأميركي بحثا خلال اتصال هاتفي أمس الحاجة لتعاون أوثق في اتفاق وقف الأعمال القتالية المطبق في سوريا. وأضافت الوزارة أن لافروف وكيري أكدا أيضاً خلال الاتصال على أن كيري سيزور روسيا الأسبوع المقبل.

وقالت الخارجية الاميركية إن كيري تحدث مع لافروف وأكد الحاجة إلى تحقيق تقدم نحو انتقال سياسي في سوريا، وإنه أبلغه أن من المهم الحفاظ على وقف العمليات القتالية والحاجة إلى توسيع المساعدة الإنسانية للسوريين.

وبشأن الانسحاب من سوريا، نقلت وكالة «إنترفاكس« الروسية للأنباء عن متحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية قولها إن سحب الجزء الرئيسي من القوات الروسية في سوريا لن يُضعف بشار الأسد. وذكرت المتحدثة ماريا زاخاروفا أن سوريا ستكون الموضوع الرئيسي لزيارة كيري الى موسكو الأسبوع المقبل.

وفي سياق متصل، قال رئيس وفد النظام السوري إلى مفاوضات جنيف بشار الجعفري إن انسحاب القوات الروسية من سوريا لم يكن مفاجأة، وإنه كان قراراً مشتركاً اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأسد.

الجعفري، وفي عرقلة لمبادرة المعارضة الإيجابية أول من أمس، رفض اقتراح الهيئة العليا للمفاوضات بالدخول في مفاوضات مباشرة، على أساس أنه «لا يحق لأحد احتكار تمثيل المعارضة«!. كما وصف مفاوض المعارضة السورية محمد علوش بأنه إرهابي وقال إن «الجماعة الإرهابية» التي ينتمي إليها والتي تسيطر على مساحات كبيرة محاصرة قرب دمشق مسؤولة عن مقتل العديد من الأبرياء. وقال إن النظام لن يدخل في محادثات مباشرة مع «هذا الإرهابي» على وجه الخصوص وإنه لن تجرى محادثات مباشرة حتى يتقدم باعتذار ويحلق لحيته على حد قوله.

كما رفض الحديث عن نموذج اتحادي في سوريا على غرار الخطوة التي أعلن عنها أكراد سوريا بإعلان نظام فدرالي في شمال سوريا الخاضع لسيطرتهم. وربما هذا هو الشيء الوحيد الذي يتفق فيه مع المعارضة التي سبق لها أن رفضت التوجه الكردي الانفصالي.

ورداً على أسئلة عن تقارير تقول إن أكراد سوريا يستعدون لإعلان نظام اتحادي في شمال سوريا قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر إن واشنطن لن تعترف بأي منطقة شبه مستقلة أو ذات حكم ذاتي في سوريا.

وأضاف «كنا واضحين للغاية بشأن إيماننا بسلامة ووحدة الأراضي السورية ونعتقد أن إنشاء مثل هذه المناطق للحكم شبه الذاتي الآن.. سيكون بصراحة تهديداً لذلك.» وعند الإلحاح في سؤاله عما إذا كانت الولايات المتحدة يمكنها أن تقبل نظاماً اتحادياً في سوريا إذا كان ذلك اختيار الشعب السوري نفسه أجاب المتحدث «نعم».

وسئل تونر عما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع القبول بأن تتمخض الحرب عن بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا فقال «موقفنا بشأن الأسد لم يتغير. نعتقد أنه ينبغي أن يرحل«. لكن المتحدث أشار إلى أن الولايات المتحدة مستعدة للمشاركة في جهود ديبلوماسية لإنهاء الحرب حتى مع بقاء مصير الأسد غير محسوم.

وفي هذا السياق، قال المرصد السوري إنه علم «من عدة مصادر موثوقة أنه تم تأجيل الإعلان عن الفيدرالية في الشمال السوري (من الأمس إلى اليوم)، وأكدت المصادر للمرصد أن التأجيل تم لأسباب لوجستية، بالإضافة إلى مطالبة المكونين السرياني والعربي بتطمينات حول أن هذه الفيدرالية لن تنفصل عن سوريا، كما يتم الاتفاق حول تسمية الفيدرالية، ما بين إقليم الشمال السوري أو روج آفا«.

وكان عُقد أمس اجتماع ضم أكثر من 200 شخصية وممثل عن مناطق الإدارة الذاتية الديموقراطية الثلاث: عفرين، والجزيرة وكوباني، وممثلين عن مكونات المنطقة، في منطقة رميلان الحدودية، التي تضم مقر الحاكمية المشتركة لمقاطعة الجزيرة، كتحضير لإعلان فيدرالية في الشمال السوري.

وفي ما يتعلق بمحادثات جنيف، أصدرت مجموعة نشطاء سياسيين سوريين تدعمهم موسكو ورقة تحدد موقفها من عملية الانتقال في سوريا كررت فيها ضرورة الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ودعت للتغيير والمصالحة الوطنية.

وتدعو الوثيقة التي نشرتها المجموعة التي يقودها قدري جميل، إلى بدء عملية لإجراء التغيير الديموقراطي والجذري والعميق والشامل في مختلف المجالات.

ولم يؤيد نشطاء آخرون في الوفد ينتمون لمجموعة مقرها القاهرة، هذه الوثيقة التي قدمت لمبعوث الأمم المتحدة بشأن سوريا ستيفان دي ميستورا.

وكان دي ميستورا التقى للمرة الأولى منذ انطلاق المفاوضات حول سوريا وفداً ثانياً من المعارضة السورية القريبة من موسكو، كان في عداده نائب رئيس الوزراء السوري سابقاً قدري جميل والمتحدث السابق باسم الخارجية السورية جهاد مقدسي.

وقال جميل للصحافيين قبل بدء الاجتماع «سنكون مستشارين للشعب السوري فقط (...) نحن مبدئياً غير مندمجين (مع الوفد المعارض) لكننا لسنا ضد الدمج إذا كان وفد الرياض ليس ضد ذلك بناء على الأسس التي اقترحناها مع عدد متساو وصلاحيات متساوية».

وكان دي ميستورا ألمح الى إمكانية توسيع قائمة المشاركين في المفاوضات تباعاً بقوله «سيتم تحديث محاورينا باستمرار».

وفي سياق آخر، اعلنت الخارجية الاميركية ان كيري لم يتخذ قرارا بعد في شأن تصنيف المجازر التي ارتكبها تنظيم «داعش» ضد المسيحيين في سوريا والعراق بـ«الابادة»، على الرغم من انتهاء مهلة حددها له الكونغرس لذلك.

وحدد النواب الأميركيون مهلة تنتهي الخميس لوزارة الخارجية لتأكيد ما إذا كانت الحكومة الأميركية تعتبر الاضطهاد العنيف للأقليات الدينية جريمة ضد الإنسانية.

لكن كيري ما زال في طور جمع الأدلة ولا يمكنه الرد في الوقت المحدد، بحسب ما أوضح المتحدث باسم الخارجية مارك تونر. ومن شأن هذا الإعلان ان يثير غضب الأعضاء في الكونغرس.

وقال تونر «نظرا لكمية الوثائق التي يجب تحليلها، لا يمكنه اتخاذ قرار قبل انتهاء المهلة التي حددها الكونغرس».