تطرح في الأوساط السياسية في هذه المرحلة تساؤلات كثيرة حول ما سيؤول إليه مستقبل العلاقات بين لبنان والدول العربية، ولا سيّما الخليجية منها، في ضوء المواجهة السياسية الدائرة بين المملكة العربية السعودية وحزب الله الذي صُنّف «تنظيماً إرهابياً» خليجياً وعربياً، على رغم تحفّظ ومعارضة بعض الدوَل. فقد تطوّرت هذه المواجهة لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي وصولاً إلى جامعة الدول العربية التي تبنّت في اجتماعها على مستوى وزراء الخارجية العرب في القاهرة أخيراً التصنيفَ السعودي ـ الخليجي لحزب الله بأنه «منظمة إرهابية»، وهناك خشية لدى البعض من أن يُطرح هذ ا التصنيف في مؤتمر القمّة العربية العادية السنوية المقرّر في موريتانيا في تمّوز المقبل.

ويَخشى سياسيّون من تصاعد هذه المواجهة أكثر فأكثر مع استمرار تدحرج الإجراءات السعودية والخليجية عموماً في شأن «الحزب» وتالياً لبنان، إذ كانت هذه الإجراءات بدأت بوقفِ هبة المليارات الأربع من الدولارات المقرّرة للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، واستمرّت بحظرِ سفر الرعايا إلى لبنان، وجديدُها كان القرار الأخير بمعاقبة أو إبعاد كلّ مقيم في الخليج يؤيّد حزب الله أو يقدّم الدعم له، في خطوةٍ تبعَث على الخوف من إبعاد كثير من اللبنانيين العاملين في مختلف دوَل الخليج.

وفي ظلّ هذه الأجواء يتحرّك رئيس مجلس النواب نبيه برّي بهدوء، ساعياً إلى إنهاء هذه الأزمة، لِما لديه من صداقات وعلاقات عربية، خصوصاً أنّ الدوَل العربية، والخليجية تحديداً، مؤمنة به رجلَ حوار ووفاق، وقد اختبرَته في محطات كثيرة منذ سنين طويلة.

فبرّي يتميّز بحِرصه التاريخي على العروبة والعلاقة مع العرب، وهذا الحِرص هو جزء من ثقافته وإيمانه، وقد كرّسه في علاقاته التاريخية مع الرئيس الراحل حافظ الأسد والعاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز خصوصاً والقيادة السعودية عموماً، وكذلك مع القيادة المصرية بكلّ مسمّياتها، ومارس ولا يزال البعدَ العربي في كلّ المؤتمرات البرلمانية التي يترَأسها أو يشارك فيها، وهذا ما يَعتبره جزءاً من رسالته،

وكذلك يعتبر أنّ الجناح العربي للبنان لا يقلّ أهمّيةً عن جناح الوحدة الوطنية اللبنانية، ولكن بمقدار ما أنّ العروبة مهمّة بالنسبة إليه، والتي لا يمكن اختصارها بالخليج العربي فقط، فإنّه حريص جداً على المقاومة التي يَعتبر نفسَه «أمّ الصبي» في تأسيسها وإطلاقها، وإنّ الآخرين التحقوا بها بعدما شكّل هو المدماك الأساسي لها، وهذه المقاومة كعنوان والتي يمثّلها حزب الله الآن تشكّل الردع الذي تمارسه ضد إسرائيل ومنظومة الأمان التي تحمي الداخل.

ولذلك لا يقبل برّي أن تكون هذه المقاومة موضعَ نقاش أو تشكيك أو التباس، وإنّ المطلوب في هذه اللحظة أن لا يكون هذان العنصران، أي الردع والأمان، متناقضين أو متضادَّين.

ويرى هؤلاء السياسيون أنّ نيّات برّي الطيّبة ومساعيَه الحميدة ينبغي أن يقابلها المعنيّون في الخارج بتجاوب، ولكنّ اللحظة الراهنة لا تشي حتى الآن إلّا بأنّ سَيل التصعيد الجارف ما زال هو الحَكَم والفيصل. إلّا أنّ برّي لا يستطيع إلّا الاستمرار في ثوابته من جهة وفي مساعيه الحميدة من جهة ثانية.

ويقول برّي في هذا السياق «إنّ لبنان كان ولا يزال في موقع الوسط بين العرب وفي كلّ علاقاته العربية والدولية، و»الوسط» هنا ليس على الطريقة اللبنانية، وإنّما بمعنى أنّه لا يستطيع أن يخرج من ذاته لأنه ذو تركيبة فريدة بين الدول العربية وغير العربية، وكذلك لا يستطيع أن يخرج من واقعه العربي ومن هويته العربية ومن قضايا العرب، وفي الوقت نفسه لا يستطيع أن يخرج من صداقاته وعلاقاته مع الدول الأخرى»، ملمّحاً بذلك إلى إيران.

ويضيف «أنّ لبنان لا يستطيع أن يخرج من المقاومة التي هي عنوانه الدائم في مواجهة إسرائيل، وهو بهذه المقاومة شكّلَ خطّ الدفاع عن العرب في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة».

ويؤكّد برّي أنّه مثلما هو مطلوب من لبنان أن لا يخرج من عروبته ومن الإجماع العربي، وهو ما خرجَ عن هذا الإجماع يوماً، فإنّ على العرب أن يتفهّموا أيضاً أنّ هذا اللبنان لا يمكنه أن يخرج عن علاقاته مع الدول الأخرى، فمثلما هناك مصالح متبادلة بينه وبين العرب، لديه أيضاً مصالح متبادلة مع تلك الدول.

ويَعتبر برّي أنّ المطلوب من لبنان خطاب هادئ ومتوازن حيال العرب، والمطلوب من العرب أن لا يُحمّلوه وِزر أيّ خلاف بينهم وبين أيّ مكوِّن سياسي لبناني يختلفون معه داخل لبنان أو خارجه، وأنّ عليهم أن يفصلوا خلافَهم مع هذا المكوّن وبين لبنان كوطن له مصالح لديهم، ولديهم مصالح فيه.

على أنّ برّي يشدّد دوماً على أهمّية وحيوية حصول حوار سعودي ـ إيراني، لاقتناعه الشديد بأنّ مِن شأنه أن يحقّق الحَلحلة المطلوبة لكلّ الأزمات في المنطقة، ويستشهد، للدلالة على أهمّية هذا الأمر، بالحوار الجاري هذه الأيام بين السعودية والحوثيين في اليمن، والذي لا تشارك فيه حكومة عبد ربّه منصور هادي التي تتقاتل والحوثيين في اليمن.