ليست المرّة الأولى التي يَخطف فيها القيادي الموقوف جمال دفتر دار الأنظار في المحكمة العسكرية بدخوله على كرسي متحرّك. إلّا أنّه في كلّ مرّة يُجيب عن الاستجواب، يُذهل الحاضرين بأجوبته المباشرة والتي تتّسم بتسمية الأشياء بأسمائها، «نفتخر بأنّنا جهاديون». وما زاد جلسة الأمس تشويقاً مثول المتّهم نعيم عبّاس أمام المحكمة، الذي غالباً ما شكّل حضوره حالاً بحد ذاتها. غصّ جدول أعمال المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم ومعاونة القاضي محمد درباس والقاضي فادي عقيقي النائب العام المفوض لدى المحكمة، بأكثر من 95 دعوى، تنوّعت بين التِماس رشوة، تزوير، الاحتيال على مواطنين، والانضمام إلى تنظيم إرهابي.

كانت الجلسة رقم 87 الأبرزَ بين نظيراتها، نظراً إلى حجم أسماء المتّهمين الـ 16، بينهم موقوفون ومطلوبون بتهمة الانتماء إلى «كتائب عبد الله عزام» و«ألوية زياد الجرّاح» وتنظيم «القاعدة» وتجنيد أشخاص وتدريبهم على تفخيخ سيارات وعبوات ناسفة وإدخال صواريخ إلى لبنان وتزوير هويات لبنانية وسوريّة وفلسطينية واستعمالها.

فأمس استكمل إبراهيم الاستجوابات، منادياً بدايةً جمال دفتر دار ونعيم عباس معاً.

رغم غياب وكيلة عباس، وحِرصاً على عدم التأجيل، تمَّ تعيين محامٍ لاستكمال الجلسة. بلِباس كحليّ خاص بموقوفي الريحانية و«قلّوسة» سوداء، وقفَ نعيم عبّاس، مصغياً لأجوبة دفتر دار، وموزّعاً ابتساماته بين الفَينة والأخرى على الحاضرين بنظرات معبّرة. أمّا دفتردار، رغم وضعِه الصحّي بدا منسجماً مع ذاته، رغم الشَلل الذي يعانيه بعد إصابته في معارك القصير، كذلك بدا مرتاحاً في أجوبته.

من دون ملل

إنطلق إبراهيم من علاقة دفتردار بعبّاس، «أين أوّل لقاء؟». فأطلقَ الأخير العنان لذاكرته مذ كان في العراق يقاتل ضد القوات الأميركية عام 2008، وعرفَ من خلال إحدى الصُحف أنّه مطلوب للقضاء، حينها لم يكن يعرف عباس.

وغادرَ إلى سوريا عن طريق مهرب إلى مدينة جرمانا حيث تواصَل مع شخص اسمُه «خليل» عبر البريد الإلكتروني، وطلبَ منه الوصول إلى جامع خالد بن الوليد والاتّصال من سنترال مقابل له بأحد الأشخاص، الذي تولّى بنفسه نَقله إلى داخل مخيّم عين الحلوة حيث أقام عند نعيم عبّاس في شباط الـ 2008. فتوجّه إبراهيم لعباس: «مزبوط هذا الكلام؟». عباس: نعم مزبوط.

وتابع إبراهيم مستفسراً من دفتر دار عن خطورة المراسلات التي اطّلعَ عليها بين قائد «كتائب عبد الله عزام» السعودي ماجد الماجد ومسؤول العلاقات الخارجية في كتائب عبد الله عزام صالح القرعاوي، وتحديداً الإعداد لاستهداف اليونيفل، «فنفى دفتردار أن تكون غاية الماجد استهدافَ قوات «اليونيفيل» والجيش اللبناني، إنّما فقط اليهود، وقرار القاعدة كان؛ ليس الوقت المناسب لضرب اليونيفل».

وسأله إبراهيم، سبقَ وعدّدتَ أسماء، منها توفيق طه، مسؤول تنفيذي ماذا يَعني؟ فأوضَح دفتر دار أنّ طه مسؤول عن ضرب القوّات الإسرائيلية في الجنوب. أمّا قرعاوي فهو المسؤول عن العلاقات الخارجية والتواصل بين الموجودين في لبنان والخارج».

فسأله إبراهيم: هل أنت المستشار الإعلامي لماجد الماجد؟ فأوضح: «مِش هيك، إستفاد منّي ماجد بمعرفتي عن لبنان وبأمور سياسية». فاستوضح إبراهيم: «شو الفَرق بينك وبين عباس؟». فردّ دفتر دار، ماجد ما بيَعرف عبّاس، فقاطعَه إبراهيم: «شو عرَّفك؟ فردَّ دفتر دار، «إسألو».

وتابَع إبراهيم يسأله: مَن هو محمد جمعة وما كان دوره؟ فردّ دفتر دار: «كنتُ أراه عند نعيم، بالفترة الأولى كان صديقه». فقاطعَه خليل: «نعيم سبقَ وقال قديماً إنّك ضربتَ صواريخ من الجنوب على إسرائيل. فردّ دفتر دار: «كنتُ موقّف إطلاق صواريخ». وفي معرض الاستجواب، لفتَ دفتر دار إلى أنّ دور بلال كايد اقتصَر على مساعدة الماجد ببرامج الحاسوب والترجمة له من الإنكليزية لضلوعه بها».

تضارُب ضارِب...

بدا الانسجام تامّاً في سياق أجوبة دفتر دار ونظرات نعيم عبّاس، كمن «يُطيّب» للآخر، إلى حين استفسار العميد عن خضوعه لدورات تصنيع متفجّرات على يد توفيق طه ومشاركة أبو عبدالله وأبو عباس، فنفى دفتر دار الأمر، مؤكّداً «أنّ الدروس كانت دينية».

إلّا أنّ نظرات عباس الهازئة لم تمرّ مرورَ الكرام على العميد إبراهيم الحاضر الناضر لتلقّفِ أيّ حركة أو نظرة، فقاطعَ دفتردار متوجّهاً لعباس: «شو يا نعيم دورة شو؟». فردّ عباس كتلميذ نجيب: «دورة لتصنيع المتفجّرات». فاستدرك دفتردار أنّه كان موجوداً لأنّ ما مِن غرفة ثانية.

واستفسَر إبراهيم من دفتر دار: «بتقول إنّك من مؤيّدي توجيه ضربات لليونيفل لإجبارها على الرحيل ومحاربة حزب الله إعلاميّاً، إقتصادياً»، فردّ دفتر دار: أقول على الملأ هذا كذب وافتراء، «مو صحيح»، وأنا عشت في الضاحية».

وتابع إبراهيم: «ماذا عن علاقتك بمحمد العجوز؟ هل تلقّى دروساً دينية معك؟ ولماذا أعطيتَه لقبَ «أبو تراب»؟ فأوضَح دفتر دار أنّ محمد العجوز صديقه منذ العام 1996، وارتبَط لفترة بشقيقته، وقد لقّبه بأبو تراب تسميةً للإمام علي.

«أبو تراب»

ونادى إبراهيم أبو تراب، وهو شابّ متوسط القامة، شعرُه طويل، يرتدي كنزةً نيلية وسروال جينز أزرق، من سكان حارة حريك سابقاً، ويعمل في تمديد شبكة الانترنت.

وسط تركيز الحاضرين وإصغاءٍ لم تشهَد له القاعة مثيلاً، استرسَل أبو تراب في الحديث عن علاقته بدفتر دار وعائلته، علاقة بَدت أكثرَ من وطيدة رغم انفصاله عن زوجته (شقيقة دفتر دار) بعد عامين. فكان أبو تراب ودفتر دار يتلقّيان الدروس الدينية معاً، «كنّا من جماعة مفهوم السلفي الصالح». فاستفسَر خليل ما إذا تلك الدروس كانت معتمدة في دار الفتوى، فنفى أبو تراب ذلك. وأخبَر كيف زاره دفتر دار في منزله بعد عودته من العراق ظنّاً منه أنّه يزور منزل شقيقته، وقطنَ عنده لأسبوعين، قبل أن ينتقل إلى مخيّم عين الحلوة.

فسأله ابراهيم «ألم يكن خائفاً من «حزب الله» أو الجيش اللبناني، ولهذا السبب قد غادر الضاحية الجنوبية؟». فردّ دفتر دار «لم أكن خائفاً لا من الجيش ولا من «حزب الله» بل فقط هربتُ إلى عين الحلوة لأنّني وجدت اسمي في إحدى الصُحف اللبنانية وكنتُ متّهماً بالانتماء إلى جماعة إرهابية سَلفية، لو بدّي خاف ما بنزَل عالضاحية»، مستطرداً «أسئلتك «تقيلة» حضرة القاضي»، فضحكَ إبراهيم.

وكرّر أبو تراب مراراً أنّ والدة دفتر دار «كانت تتّصل به في كلّ مرّة وتطلب منه مساندتَها، على اعتبار أنه بمثابة ابنِها»، فكان يَصطحبها لزيارة ابنها في المخيّم ويذهب أحياناً بمفرده.

فعلّق خليل مستغرباً، «كِنت تِسأل عن دفتر دار وتزورو أكتر من عيلتو، نحو 6 مرّات»، فعاد أبو تراب مكرّراً «العدّية»، أنا مِتل إبن العيلة...». وبعد إصابة دفتر دار بقذيفة هاون في القصير ونقلِه إلى مستشفى كامد اللوز، توجّه أبو تراب ووالدةُ دفتردار لزيارته في المستشفى، حيث سألها بماذا أنادي دفتر دار؟، فردّت الوالدة محمد أو حسين.

زيارات أبو تراب المتكرّرة واستفسارُه عن الاسم البديل لدفتر دار، لم تمرّ مرورَ الكرام على إبراهيم، فسأله، ما إذا «حاول دفتر دار استمالتَه وإقناعَه بالفكر الجهادي، مستغرباً في الوقت عينه هذه الثقة به وإبقائه في جلساتهم لو لم يكن يشاطرهم الفكر ذاته». فردّ أبو تراب: «كان ينصحني بأن أحافظ على صِلاتي وألّا أسال بما ليس لي علاقة به».

بعد نحو ساعة من الاستجواب، أرجئت الجلسة إلى 18 تمّوز المقبل للمتابعة.