أعلنت العاصمة الإيرانية طهران تمردها، ورفعت بطاقتها الحمراء بوجه السلطة وأدواتها، واستغلت انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة، كفرصة من أجل إقصاء من حاول في السنوات العشر الأخيرة مصادرة قرارها، فلم تمنح مرشحي «الباسدران» الحرس الثوري وباقي الجماعات الراديكالية، إلا مقعدًا يتيمًا في ذيل قائمة الفائزين في مقاعد مجلس الخبراء الـ16 المخصصة لها، حيث يدور كثير من الشكوك حول عملية تزوير، مكنت رجل الدين الراديكالي المقرب من المرشد والحرس الثوري الرئيس الحالي لمجلس صيانة الدستور الشيخ أحمد جنتي من الوصول إلى مجلس الخبراء، فيما كانت نتائج انتخابات مجلس الشورى أكثر قسوة على الحرس الثوري، حيث اكتسحت قائمة «الأمل» التي تجمع التيارين الإصلاحي والمعتدل المدعومة من الثلاثي «رفسنجاني - خاتمي - روحاني» كل المقاعد الثلاثين المخصصة لطهران في مجلس الشورى، حيث مني رئيس مجلس الشورى الأسبق، وأحد أبرز وجوه التيار الراديكالي «حداد عادل» بهزيمة مدوية بحلوله بالمرتبة الـ31، وهي نتيجة تؤهله فقط للعودة إلى بيت المرشد، حيث تربطه علاقة مصاهرة بالسيد مجتبى نجل مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي.

بحال صحت المعلومات عن تدخل مراكز القوة لصالح جنتي، إلا أن تدخلها لم يستطع تغطية الفضيحة من حيث الفارق في عدد الأصوات، فقد حصل جنتي على قرابة مليون صوت، ليكون الفرق بينه وبين أول الفائزين الرئيس الأسبق للجمهورية هاشمي رفسنجاني أكثر من مليون ومائة ألف صوت، وهي نتيجة تكفي رفسنجاني وحلفاءه للرد على جنتي ومن يقف خلفه بأن قراره سنة 2009 بعدم أهلية رفسنجاني للترشح لرئاسة الجمهورية، وقراراته الأخيرة بعدم أهلية أكثر من 3000 مرشح إصلاحي، والفضيحة المدوية لمجلس صيانة الدستور الذي يرأسه جنتي كونه حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، السيد حسن الخميني غير مؤهل للترشح لمجلس الخبراء، قد سقطت أمام هذا الفارق الهائل في عدد الأصوات الذي حصل عليه التيار الإصلاحي في انتخابات المجلسين مقابل التيار المحافظ، وبأن الشرعية الشعبية التي راهن عليها رفسنجاني تغلبت على ديكتاتورية النظام.

ردود فعل أهالي طهران التي ظهرت في الانتخابات، جاءت نتيجة لتراكمات القمع وخنق الحريات والتعبير عن الرأي التي مورست بوجه شابات وشباب المدينة، الذين لم ينسوا ما تعرضوا له سنة 2009 على يد عناصر الحرس الثوري وقوات الباسيج، والذي لا يختلف عما تعرض له آباؤهم قبل عدة عقود على يد السافاك وقوات الحرس الملكي، حيث أدى لجوء الحرس الثوري إلى الاستخدام المفرط للعنف ضد مظاهرات الحركة الخضراء، وسقوط عدد من القتلى برصاص الأمن، وسجن كثير من نشطاء الحركة، إلى القضاء على ما تبقى من شعبية كان يتمتع بها الحرس لدى أهالي العاصمة، الذين انتظروا الفرصة من أجل معاقبته على فعلته والتمرد على سلطته والانتقام منه، وذلك عبر صناديق الاقتراع التي مكنتهم من استبعاد رموز النظام، المدعومين من الحرس، من مواقع السلطة وتجريدهم من الغطاء الشعبي، في مرحلة انتقالية يواجه فيها الحرس ضغوطًا داخلية وخارجية تستهدف الحد من سلطاته، مما يزيد إرباكه وتناقض مواقفه، فيما تستمر التحذيرات له من مغبة استخدام العنف مجددًا، تجنبًا لانفجار الأوضاع الداخلية، بسبب الانقسام العمودي، واتساع الهوة بين أغلبية الشعب الإيراني والنظام، الذي بات يمثل سلطة الأقلية.

نتائج انتخابات طهران القاسية على مؤيدي المتشددين، دفعت قيادات في الحرس إلى تهديد أهالي العاصمة بالرد على ما اعتبروه «طعنًا بالظهر، تحت غطاء ما يسمى الديمقراطية» ما أدى بحسب قولهم إلى «نحر الملتزمين بخط حزب الله، بموسى رأي الأغلبية غير المتبصرة»، ملمحين إلى أن الفتنة الكبرى آتية.

تلعب طهران دورًا مؤثرًا في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الإيراني وتحولاته، وغالبًا ما تحدد كتلة نواب العاصمة الاتجاهات السياسية لمجلس الشورى، فطهران التي يبلغ عدد سكانها قرابة 10 ملايين نسمة، وتسيطر على 60 في المائة من الصناعات الإيرانية الكبرى ودورة الاقتصاد الوطني، ما يمكنها من القيام بدور أساسي في صناعة القرار الإيراني، لذلك تتجه الأنظار إليها عند كل مفصل تاريخي، وعلى الرغم من أنها تقع تحت أخطر فالق زلزالي، فإنها تخفي فوقها أيضًا ما يمكن عده زلزالاً سياسيًا، ترتفع درجاته وفقًا للمقياس الذي يحدده الشعب الإيراني والمصالح الوطنية، التي باتت تتناقض كليًا مع مصالح الباسدران.