إنجاز إضافي حققته طاولة الحوار، تمثل بترحيل موضوع النفايات عن الجلسة.
بسحر ساحر بدا موضوع النفايات وكأنه لم يكن، رغم أنه أسر الجلسات السابقة كلها وتحكّم بمجرياتها. أُخرج الموضوع من طاولة الحوار، وأعطيت الأولوية مجددا لجدول الاعمال الحواري.
ومع العودة الى جدول الاعمال، عاد المتحاورون الى المربع الرئاسي، مع إقرار واضح بالعجز عن بلوغ توافق، لا على هذا المرشح أو ذاك، ولا على انعقاد الجلسة ولا على النصاب.
أفصح الكلام المتبادل عن انقسام واضح بين القوى السياسية حول المرشحين المطروحين ميشال عون وسليمان فرنجية، وعدم قدرة على عقد جلسة لانتخاب أي منهما، من جهة أولى. كما أفصح، من جهة ثانية، عما يختلج في القلوب المليانة على جبهتين:
الأولى، بين «حزب الله» و «14 اذار»، وقد تجلى ذلك بالنكوزات المتبادلة التي اتهم بعضها «حزب الله « بتعطيل انتخابات الرئاسة، فجاء الرد عليها بأن من يعطلها هو الفريق نفسه الذي يعطل البلد منذ العام 2005 ويعطل وثيقة الوفاق الوطني ويصادر الصلاحيات.
والثانية، «النكوزات» بين «التيار الوطني الحر» و «تيار المردة»، والتي كادت تصل إلى حد ضرب العصي، حيث جاءت مداخلة النائب سليمان فرنجية لتطلق السهام المباشرة في اتجاه الرابية وتواجه الإصرار على مصادرة التمثيل وحصره بالزعيم البرتقالي، بالقول: «نحن ايضا لنا تمثيلنا، قبلكم، معكم وبعدكم.. وما حصل في التسعين سببه ما قام به حزبكم».
لكن أخطر ما أفصح عنه النقاش الرئاسي، هو محاولة بعض متحمسي «14 آذار» جرّ القوى السياسية الى كمين النصف زائدا واحدا، كنصاب انعقاد للجلسة وعقد جلسة رئاسية سريعة بثلاثة مرشحين. وسرعان ما علقت تلك المحاولة في فخ الرئيس نبيه بري الذي أحبطها بحزم: «نصاب الانعقاد ثلثان.. ولن يستطيع أحد أن يدفعني الى مخالفة الدستور».
أما في جدول الاعمال الحواري، فلم يعط النقاش الحواري أملا في العودة الى حياة مجلسية طبيعية، وعلق بند تفعيل المجلس النيابي في المزايدات. وقد رُحّل الامر الى الجلسة المقبلة.. ليتشاور كل طرف مع نفسه.
كانت لافتة للانتباه تلك الملاحظة الى ساقها الرئيس بري في ختام الجلسة حينما أكد للمتحاورين أن تفعيل المجلس ضرورة لا بد منها، خاصة أننا اقتربنا من بداية العقد العادي الأول للمجلس في 22 آذار الجاري. ذريعة عدم جواز انعقاد المجلس للتشريع في غياب رئيس الجمهورية ليست مقنعة لبري، فما يخشى منه في حال استمرار التعطيل المجلسي هو أن ما يسري على المجلس، قد يسري على الحكومة، وهنا يصبح البلد أمام فراغ رئاسي وتعطيل مجلسي.. وحكومي أيضا.. وعندها كيف سيتم الخروج من هذا المأزق؟

كانت الجلسة الحوارية قد انعقدت، ظهر امس، في عين التينة، واستهلها الرئيس نبيه بري بمداخلة قال فيها: اتفقنا في الجلسة السابقة على التقيّد بجدول الأعمال، المتضمن قانون الانتخابات وتفعيل المجلس النيابي. في الموضوع الاول وضعت اللجنة تقريرا يتضمن مواقف الفرقاء، ونحن نريد موقفا موحدا. أريد أن أؤجل هذا الأمر بانتظار التقرير، لكي تحددوا ماذا تريدون. أما حول تفعيل المجلس النيابي، وهو المؤسسة الأم، ولولا الجلسة الوحيدة التي عقدناها في 2015، لكان الوضع المالي في غير مكان. كان الأميركيون يعتبروننا نتساهل مع الإرهاب. أذكر أننا منذ 11 سنة نحن بلا موازنة ولو كانت الموازنة العامة موجودة لكان جزء كبير من مشكلاتنا غير موجود. في المجلس هناك مطبخ، ولكن ليس هناك وليمة، اللجان النيابية تعمل ولكن ليس هناك هيئة عامة، لذلك أؤكد أنه يجب أن يعود المجلس النيابي الى العمل بكل فاعلية.
ـ سامي الجميل: أريد أن أتحدث بموضوع جدول الجلسة، لم ننهِ موضوع الرئاسة. الحوارات السابقة كانت محددة بمواضيع وزمن. الآن نتحول الى مؤسسة دائمة نناقش النفايات والمجلس النيابي الذي نعتبره بغياب الرئيس لا يستطيع القيام بمهامه التشريعية. لقد كانت نيتنا أن نلتقي لتسهيل انتخاب رئيس، أما أن نجتمع كل ثلاثة أسابيع لمناقشة كل شيء فهذا غير مقبول.
هناك فريق مقرر أن يعطل الانتخابات، والى متى، لا ندري. نحن نأتي الى هنا والبلد أمامنا ينهار. أشعر بأن مشاركتي هنا غطاء للغلط.
ـ بري: مع موافقتي على ضرورة انتخاب رئيس، أما لجهة الامور الاخرى فأنا حريص مثلي مثلك. بالنسبة الى الحوار أنا دعوت وفق جدول اعمال: رئاسة، وتفعيل الحكومة والمجلس النيابي، قانون الانتخابات، اللامركزية الادارية، ودعم الجيش. ما لا يدرك كله لا يترك جُلُّه. هذه الهيئة ليست هيئة قرارات، هيئة توصيات وتوافق، هيئة جمع لا طرح، وأي فرد يعترض لا نأخذ قرارا.
ـ بطرس حرب: اذا سألت أي مواطن عن همومه يقول الزبالة وانهيار البلد. ما يقوله الشيخ سامي معه حق فيه. العقدة في الرئاسة لا تعفينا من البحث عن حلول.
موضوع النفايات لا يجوز ان يستمر، الدولة تنهار، أنا أخشى ان الحوار ماشي وان البلد ماشي ان يشكل غطاء لاستمرار التعطيل. لقد صرنا طبقة مكروهة في البلد. هناك تعطيل متعمد لانتخاب رئيس. هناك شخص لا بد من وصوله، وفي سبيل ذلك تتعطل الانتخابات. لو حصل هذا في السابق لما انتخب أي رئيس. أنا لا أستطيع أن أبقى شاهد زور.
ـ بري: ماذا تقترح؟
ـ حرب: ان ننزل بعد شهر الى مجلس النواب لانتخاب أي كان.
ـ بري: أعطني حلا ومخرجا. هل تشكل لجنة تجول خلال شهر على المعنيين؟
ـ الجميل لبري: أنت الوحيد القادر على عملها، اللجنة لن تنجح.
ـ حرب: نفوضك باسمنا ان تقوم بهذا الامر. واقتراحي هو التالي: اعتمد نصاب الثلثين بالاستناد الى الدستور. نحن أجرينا الدورة الاولى، أي ان الدورة الثانية تعتمد الاغلبية المطلقة. نعتمد هذه القاعدة على أساس القياس. إما أن نتفاهم خلال شهر وإما نلجأ الى هذا الحل.
ـ بري: نصاب الثلثين مطلوب في كل الدورات، فلا ينتظر أحد مني أن أخالف الدستور. نعم نصاب النجاح في الدورة الثانية الأغلبية لكن النصاب الدائم للجلسات الرئاسية هو الثلثان.
ـ حرب: أنا لست موافقا.
الجميل:.. وأنا ايضا.
ـ فؤاد السنيورة: أضم صوتي الى الشيخ بطرس والشيخ سامي. في الجلسة الاخيرة لانتخاب الرئيس حضر 72 نائبا. أنا من القائلين إن بإمكاننا أن نعقد جلسات للمجلس في ظل الشغور، لكن لا يصح ان يصبح هناك استمراء وان يسيّر البعض البلد على ساعته. هذا الموضوع يحتاج الى حسم، نريد ان نأخذ مهلة شهر، او 15 يوما، او غدا، لكن لا نستطيع ان نترك الامور غير محسومة. نحن نرى ماذا يدور من حولنا، البلد مكشوف.
ـ بري: كلنا يعرف القصة ويحوم حولها، رئيس المجلس يحدد جلسات، اذا حصل توافق، وأنا أقرّب الموعد. تحدثوا مباشرة، الموضوع بين مرشحين او ثلاثة. فليحصل توافق. أما رئيس المجلس فمثله مثلكم.
ـ السنيورة: إما نصاب الثلثين، وإلا فلنلجأ الى النصف زائدا واحدا.
ـ بري: هذا غير ممكن وغير دستوري.
ـ السنيورة: أنت وجدت فتوى لموضوع (ميشال) سليمان.
ـ بري: هذا الموضوع مختلف جدا، وقد لجأت فيه الى دستوريين.
ـ اسعد حردان: نحن في ازمة.. وما أسمعه هو إسقاط لمفهوم التوافق عن الرئاسة. طاولة الحوار ليست مكانا لتسجيل النقاط بل لايجاد الحلول.
ـ طلال ارسلان: اخطر ما أسمعه هو تغيير موضوع النصاب، وهذا ينسف اسس الدستور. هناك انقسام عمودي بالرؤية والاستراتيجية لم يسبق له مثيل في تاريخ لبنان. ومن نعم الله على البلد هو وجود نبيه بري في البلد، فعلى مدى 11 سنة كنت دائما «الطفاية».
السنيورة نقلا عن مكاري: اذا كنت هيك.. فلننتخبك رئيسا للجمهورية.
بري (ممازحا وقاطعا هذا الحديث): فشرت.. وليحذف كلامك من المحضر.
وهنا قال أحد المشاركين (السنيورة أو حرب) «من يعطل انتخابات الرئيس موجود على الطاولة»، فرد النائب محمد رعد قائلا: هناك فريق على هذه الطاولة معطل البلد منذ العام 2005، معطل انتخابات الرئيس، معطل وثيقة الوفاق الوطني، أخذ صلاحيات الرئيس وعطل المؤسسات.
ـ الجميل: المرشحان ينتميان الى فريق واحد، وارتضى فرقاء «14 آذار» ان يمشوا بأحد مرشحي «8 اذار»، فكيف يكون هناك انقسام عمودي وغياب للتوافق؟
حول الميثاقية الطائفية يجب ان يمثل الرئيس طائفته، يعني ان المرشحين تتوفر فيهما الميثاقية الطائفية لأنهما من القيادات في طائفتهما ولديهما دعم من كل الجهات. مشكلتنا هي حسابات سياسية ضيّقة عند طرف واحد. «برافو» السيد حسن نجح في دفع الطرف الآخر الى تبني حليفه، هل يجوز ان نوقف البلد لأن «حزب الله» محتار من يختار؟
ـ رعد (مقاطعا): خليك بالعموميات ولا تسمِ، لأنك «عم تغلّط».
وأكمل رعد: نحن نناقش تفعيل المجلس النيابي، ثم ذهبتم الى نقطة اخرى. ان تفعيل المجلس قد يفعِّل المعالجات. هل تريدون بوضوح تفعيل المجلس النيابي ام لا، حددوا هذا الموقف لكي نعرف من يعطل المجلس.
ـ حرب: لماذا علي أن أفعّل المجلس النيابي في الوقت الذي لا أبذل جهدا لانتخاب رئيس.. لا مش ماشي الحال، انا مع تفعيل المجلس ولكن في غياب الرئاسة لا.
ـ بري: لم تسمع كلمة مفيدة قالها الحاج محمد بأن النزول الى المجلس قد يساعد على حلحلة الامور العالقة.
ـ جبران باسيل: هناك من يسعى الى تبسيط المشكلة لأن هناك من يسعى الى تعطيل الميثاق منذ العام 2005، وهناك من يعطل الوصول الى قانون انتخابي عادل. الشرعية الشعبية في مكان والشرعية الدستورية في مكان آخر. لا تجوز المقارنة بين ما قبل 1990 وما بعدها. بعد التسعين يجب ان تتمثل الطوائف في مواقع التمثيل. أضاف: بعد شهرين هناك انتخابات بلدية فلنضع صندوقة اخرى ليس فيها كلفة اضافية لمعرفة ماذا يريد الناس، الفكرة الاساسية ان نرجع لارادة الناس بموضوع الرئاسة.
حول جدول الاعمال والحوار، جيد اننا اذا تمكنا من التوافق على شيء نعكسه في الخارج. امر آخر غدا هناك استحقاق خارجي اضافي (اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب) اريد ان استشير برأيكم.
ـ بري: هذا الموضوع عند رئيس الحكومة. اذا موافق.. «اوكي».
ـ باسيل: هناك بند دائم اسمه دعم لبنان، وبند مؤجل حول انتخابات امين عام جامعة الدول العربية، المهم الا تحصل اية مفاجآت مثل موضوع تصنيف «حزب الله» وموضوع النأي بالنفس. يهمني ان يكون هناك توافق.
ـ تمام سلام: لا أرى ان هذه الطاولة هي المكان لمتابعة هذا الموضوع مع حرصي على وحدة البلد.
ـ فريد مكاري: لم أفهم الميثاقية عند جبران، وكأن مرشحهم اكثر ميثاقية من الآخرين.
ـ رعد: «ما حدا حكي هيك».
ـ باسيل: انا لم اقل ذلك .
ـ مكاري: الاستطلاعات التي نشرت، تعكس غير ما تقولون، وما نسمعه غير مقنع. هل انتم قابلون بالقانون الانتخابي الحالي وعلى استعداد لإجراء الانتخابات النيابية على مراحل كما الانتخابات البلدية؟
ـ سليمان فرنجية (موجها كلامه الى باسيل): ما اوصلنا الى التسعين هو ما قام به حزبك السياسي وقتها. من التسعين الى 2005، هل لم نكن نمثّل؟ نحن الآن على طاولة الحوار، نحن كنا نمثّل قبلك ومعك وبعدك. أتمنى ان تفهم هذا الامر. لا يصح القول ان كل المسيحيين الموجودين من الطائف الى 2005 لا يمثلون، لقد «عملتم» اتفاقا مع «القوات اللبنانية»، الله يهنيكم فيه.. لكن هذا لا يعني ان الآخرين لا يمثلون. اتمنى ان تجري الانتخابات البلدية لكي تروا ان كل الناس ليسوا معكم. ثم ان الشركة الاحصائية التي تستندون اليها هي ذاتها التي اجرت احصاء سابقا لها واظهرت ان اميل لحود يمثل اكثر من خمسين في المئة من اللبنانيين.
ـ باسيل: لماذا لا يطرح موضوع اللامركزية الادارية؟
ـ بري: لأن هناك جدول اعمال بالتالي، لم نصل الى هذا الموضوع. أنهينا تفعيل الحكومة والجنسية لكن موضوع تفعيل المجلس لا يزال عالقا، ولا يجوز ان يبقى عالقا.
ـ باسيل: أصر على طرح اللامركزية.
ـ السنيورة: الاولوية لانتخاب رئيس، وهذا يحلحل.
ـ بري: أنا أريد ان أتمسك بأن يعمل المجلس في كل الحالات.
ـ السنيورة: رغم ان ذلك غير دستوري، لكن نريد ان نجد طريقة للحل.
ـ بري: بل هو دستوري والا فإن ما ينطبق على المجلس النيابي، ينطبق على الحكومة. واذا لم يطرح هذا الموضوع فلترفع الجلسة لكي يراجع كل واحد نفسه.. على ان تعقد الجلسة المقبلة يوم الاربعاء في الثلاثين من الشهر الجاري. والموضوع المطروح هو تفعيل مجلس النواب.