لكي تدرك كم أن حزب الله سلطة في لبنان عليك أن تشاهد نشرات الأخبار على القنوات التلفزيونية اللبنانية، وأن تُدقق في لغة الخبر المُصاغ في غرف التحرير في هذه القنوات عندما يتعلق الخبر بحزب الله.


دعك من تلفزيون المستقبل وأخباره، ذاك أن المواجهة المذهبية المفتوحة بين السنّة والشيعة في المنطقة تؤمّن للمستقبل غطاءً في المواجهة الإعلامية، علماً أن هذا الغطاء لم يُسعفه حين احتل الحزب مبنى المحطة في منطقة السبيرز وأحرق مبناها الآخر في الروشة.


عليك أن تراقب أخبار الـ"أل بي سي" والـ"نيو تي في" وأيضاً الـ"أم تي في". ستدرك حتماً أن خبر حزب الله في نشرات أخبار هذه المحطات محكوم باعتبارات تحريرية لا يخضع لها خبر أي عن الجماعات والأحزاب اللبنانية الأخرى.


"أل بي سي" مثلاً حسمت خيارها في المواجهة الأخيرة بين حزب الله والسعودية إلى جانب الحزب، وهي إذ فعلت ذلك في نشرة أخبارها، ضمّنت البرامج الكوميدية السياسية (دمى قراطية مثلاً) فقرات تكشف على نحو فادح كم أن حساب الحزب أثقل على لغة القناة وطوّعها، وكم أن الاقتراب النقدي منه ينطوي على بعد اعتذاري وتبريري.


"نيو تي في" بدورها ليست بعيدة عن موقع "أل بي سي" من خبر حزب الله. الخبر عنه حَذِرُ اللغة، والانتقاد يأتي دائماً مصحوباً بانتقاد موازٍ لخصوم الحزب، وغالباً ما تشحن لغة انتقاد خصوم الحزب بمستويات أعلى من الشدة، بحيث "يسامحنا الحزب على فعلتنا، ذاك أننا انتقدناه في سياق شتم خصومه".


لكن ليست نشرات الأخبار الكاشف الوحيد لحقيقة أن حزب الله، ولا أحد غيره، هو السلطة في لبنان. السياسيون حين تلتقيهم، سواء كانوا من حلفاء الحزب أم من خصومه، يشيرون إليه بصفته السلطة التي ترسل إشارات تتحول أفعالاً، وبصفته من تنتظم حوله علاقاتهم الزبائنية التي لطالما نسجوها حول السلطة الفعلية.


الموظفون في القطاع العام التقطوا مؤشر السلطة هذا، اذ يبدو أن الحزب قرر أن يتمدد أفقياً بعد أن كانت سلطته عامودية، وها هو اليوم شريك أكبر في التعيينات وفي وظائف الفئة الأولى، ناهيك عن أنه شريك في المرفأ والمطار والمعابر الحدودية.


والحال أن الحزب ليس شريكاً بصفته قوة أهلية على ما هي حال نبيه بري أو وليد جنبلاط أو سعد الحريري، إنما شريك بصفته الأمنية والعسكرية، ولهذا يصعب تناول شراكته بالانتقاد. فهو في المرفأ لتأمين حاجات "المقاومة"، وهو في المطار لمنع أي "اختراق"، وعلى الحدود لصد "التكفيريين"، وهذه كلها ليست مهاماً أهلية يُمكن الإشارة إليها في تقرير إخباري أو تحقيق صحافي، وهي اذا ما اشتركت بمهمة أهلية من نوع تهريب السلع عبر المطار أو المرفأ أو الحدود، فهذا ما لا يمكن أن يكون صحيحاً، فهل يصح فساد في مقاومة؟

 

 

 

المصدر: ناو