موضوعان بارزان استأثرا بالاهتمام والمتابعة أمس: الأوّل تمثّلَ بملف العلاقات المتوتّرة بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي عموماً، وبينه وبين المملكة العربية السعودية خصوصاً، وذلك عشية اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة اليوم، وجديد هذا الملف تكرارُ دول مجلس التعاون الخليجي اعتبار حزب الله «منظمة إرهابية»، وفرضُ وزراء الإعلام في دول المجلس عقوباتٍ إعلامية على «الحزب»، حيث قرّروا اتّخاذ كافة الإجراءات القانونية لمنعِ التعامل مع أيّ قنوات محسوبة عليه. أمّا الملف الثاني فتمثّلَ بأزمة النفايات التي فرضَت نفسَها على طاولة الحوار الوطني في جلسته السادسة عشرة. وقد شدّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي على «اعتبار هذه القضية وطنية»، داعياً إلى «الإسراع في معالجة هذا الملف». فيما أكّد نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر أنّ «موضوع النفايات لم يُبحث سوى بشكل عرَضي، ولم يكن بنداً رئيساً، وسيعالج في مجلس الوزراء خلال اليومين المقبلين». وقال: «إنّ هذا الملفّ هو من اختصاص السلطة التنفيذية، وليس من اختصاص هيئة الحوار الوطني». وأشار إلى أنّ المتحاورين شدّدوا على تفعيل عمل الحكومة وكذلك عمل المجلس النيابي». وقد تركّز البحث في الحوار الذي يَعقد جلسته المقبلة في 30 آذار، على «أهمّية تفعيل عمل المؤسسات الرسمية، ولا سيّما منها مجلسي النواب والوزراء وقانون الانتخاب الذي أرجئ البحث فيه إلى أن تَرفع اللجنة النيابية المعنية تقريرَها إلى رئيس المجلس». وتناولَ النقاش أيضاً الاستحقاق الرئاسي. تستمرّ تداعيات الإجراءات السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي في التفاعل، وقد حضرت علاقات لبنان مع دول المجلس في اجتماع عُقد مساء امس في السراي الحكومي بدعوة من رئيس الحكومة تمام سلام وحضرَه سفراء مجلس التعاون: السعودي علي عواض عسيري، والاماراتي محمد سعيد الشامسي والكويتي عبد العال القناعي ، والقطري علي بن حمد المري والعُماني أحمد بن بركات آل ابراهيم.

وأكد السفير الكويتي أنّ الوفد لمسَ من سلام «الحرص الأكيد على أطيب العلاقات مع دول الخليج وعلى تدعيمها وتعزيزها دائماً وتشديده على إزالة أي لبسٍ أو شوائب قد تعوق تقدّم هذه العلاقات».

وأشار الى انّ سلام حمّلهم «رسالة واضحة الى دوَلنا سننقلها بكلّ أمانة وصدق الى قادتنا متمنّين لهذه العلاقة دوامَ التقدم والازدهار والرقيّ، ومؤكدين في الوقت نفسه حرصَ دول الخليج قاطبةً على أمن لبنان واستقراره دولةً ومؤسسات، وعلى استمرارنا في تعزيز هذه العلاقة».

وردّاً على سؤال هل تناولَ الحديث موضوع اللبنانيين العاملين في دول الخليج الذين تُتّخَذ إجراءات في حقّهم، وهل إنّ سلام طلبَ التخفيف من هذه الإجراءات؟ أجاب القناعي: «لقد تكلّم دولة الرئيس عموماً عن مصالح لبنان واللبنانيين ومصالح دول الخليج والخليجيين، سواءٌ اللبنانيين في دول الخليج أو الخليجيين في لبنان، وأكّد حرصَه على مصلحة الجميع بلا استثناء، وأعتقد أنّ كل مواطن شريف، سواءٌ أكان لبنانياً أو خليجياً سيَلقى المعاملة الطيّبة لدى الجانبين، وهم أوّلاً وأخيراً أشقّاء ولا أعتقد أنّ هذه العلاقة ستتأثر بأيّ شيء».

باسيل وبون

إلى ذلك، عرض وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل مع السفير الفرنسي إيمانويل بون لعلاقة لبنان مع دول الخليج واتّهامها «حزب الله» بالإرهاب، وتسليح الجيش اللبناني وتمسّك فرنسا بمساعدة لبنان في هذا الإطار وسعيها للحفاظ على الهدوء والاستقرار فيه منعاً لأيّ توتّر. وتطرّقَ اللقاء الى ملف الاستحقاق الرئاسي.

مجلس التعاون

وكان مجلس التعاون الخليجي قد اجتمع في الرياض أمس على مستوى وزراء الخارجية برئاسة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وشاركَ في الاجتماع وزيرا خارجية الأردن والمغرب. وأكّد البيان الختامي للاجتماع على القرار الصادر عن الدورة الـ 33 لمجلس وزراء الداخلية العرب مطلعَ آذار الجاري في تونس، الذي «قرّر اعتبار «حزب الله» حزباً إرهابيا».

وعزا «اعتبار «حزب الله» التابع لنظام الوليّ الفقيه في إيران، منظمة إرهابية، لِما يقوم به من أعمال خطرة لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية».

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد اعتبرَت ما سَمّته «ميليشيات» حزب الله أنّها «إرهابية من جرّاء استمرار الأعمال العدائية التي تقوم بها عناصر تلك الميلشيات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف في انتهاك صارخ لسيادة» دول عربية.

وأعلن وزراء الخارجية «رفضَهم التامّ للتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة»، مؤكّدين «إدانتَهم الشديدة للاعتداءات» على مقرّ سفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد.

وطلبوا من إيران «الالتزام التامّ بالأسس والمبادئ والمرتكزات الأساسية المبنية على مبدأ حسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية، وعدم استخدام القوّة أو التهديد بها».

الجبير

وقال الجبير بعد الاجتماع «إنّ جميع الدول تطالب باستقلال لبنان، سواءٌ في وجود هبة سعودية أو من دونها»، وشدّد على «وحدة لبنان وعروبته، والأمن والاستقرار فيه»، كما أكّد قائلاً: «المزعج أنّ هناك ميليشيا مصنّفة منظمة إرهابية باتت تسيطر على القرار في لبنان، وجعلته يصوّت في الجامعة العربية ومنظّمةِ الدول الإسلامية ضدّ انتهاك إيران لحرمة السفارة السعودية في طهران».

وإذ اعتبَر أنّ «إطلاق المحكمة العسكرية لميشال سماحة ليس مؤشراً إيجابياً على استقلال الجيش اللبناني عن نفوذ «حزب الله»، أوضَح أنه «لهذه الأسباب اتُّخِذ القرار السعودي بإيقاف الهبة الممنوحة للجيش ولقوى الأمن وتحويلها إلى السعودية»، مكرّراً وصفَ «حزب الله» بأنه «منظّمة إرهابية».

وأشار إلى أنّ «دول مجلس التعاون الخليجي ستتّخذ إجراءات لمنع «حزب الله» من أيّ استفادة من قدراتها».
وعن الإجراءات الإضافية المتوقّع اتخاذها بعد تصنيف الحزب» منظمة «إرهابية»، لفتَ الجبير إلى أنّ «مِن الخطوات الأوّلية تلك التي بدأ وزراء الإعلام يتّخذونها عبر العمل على وقف بثّ البرامج التلفزيونية، وتوزيع الصُحف التي لها علاقة بـ«حزب الله».

وعن إمكان وجود وساطة لتحسين العلاقات مع إيران، قال: «لا ضرورة للوساطة، فلتغيّر إيران سياساتها العدوانية ضدّنا، ونفتح بعدها صفحةً جديدة معها على أساس حسن الجوار».

العقوبات الإعلامية

وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ التدبير الذي اتّخَذه وزراء الإعلام في دول مجلس التعاون ضد حزب الله سيشمل في أولى مراحله المحطات التلفزيونية اللبنانية والعربية الموالية للحزب وأيران، وغالبيتُها تبثّ من بيروت التي شهدت في السنوات الأخيرة التي رافقت بداية أزمة اليمن تأسيسَ أكثر من سبع شركات فضائية تبثّ من الضاحية الجنوبية ومِن استوديوهات خاصة، ومنها ما هو تابع لتلفزيون المنار أيضاً.

وستشمل العقوبات شركات إنتاج نفّذت برامج تتصل بعمل «حزب الله» ووثائقيات عن الحرب اللبنانية ـ الاسرائيلية، وهي شركات إنتاج وتسويق معروفة كانت تسوّق إنتاجها عبر الفضائيات العربية ومحطات محلّية في آن.

وثمّة حديث عن لائحة بالإعلاميين المتعاطفين مع حزب الله والنظام السوري وإيران، وستشمل مختلف وسائل الإعلام. وستطاول عمليات الإبعاد بعضَهم من العاملين في بعض الفضائيات العربية على رغم الاتصالات الجارية لحصر العقوبات بالشركات.

ضغوط أميركية

في هذا الوقت، أوردَت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية تقريراً ذكرَت فيه أنّ إدارة الرئيس باراك أوباما تضغط على السعودية لكي لا تتّخذ مزيداً من الخطوات لمعاقبة لبنان اقتصادياً، انتقاماً من الدور السياسي المتزايد لـ»حزب الله» في لبنان المدعوم من إيران، بحسب مسؤولين أميركيين وعرب.

وقالت الصحيفة إنّ «النزاع حول لبنان أحدث شرخاً ظاهراً في السياسة الخارجية بين واشنطن والرياض الحليفتين منذ عشرات السنين، خصوصاً في ما يتعلق بالدور الإقليمي لإيران ووكلائها». وأكّدت «أنّ مسؤولين وديبلوماسيين أميركيين كباراً، من بينهم وزير الخارجية جون كيري، حذّروا سرّاً السعودية ودول خليجية أخرى من المبالغة في ردّ الفعل كونه يهدّد بزعزعة استقرار الاقتصاد اللبناني عموماً».

وبحسَب مسؤول أميركي مطّلع على الاتصالات مع السعودية، فإنّ واشنطن تَعتقد أنّ «الإجراءات متهوّرة وتخاطر بذهاب قيادة لبنان بمقدار كبير إلى أيدي إيران»، مضيفاً: «يبدو أنّ ردّ الفعل مبالَغ فيه بمقدار كبير».

ونَقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وعرب، أنّ الحكومة الفرنسية بقيادة الرئيس فرنسوا هولاند، أثارت المخاوف ذاتها حول لبنان في الاجتماعات الأخيرة مع الحكومة السعودية. واعترف مسؤولون عرب سرّاً بوجود «خلافات استراتيجية مع الولايات المتحدة في لبنان»، لكنّ السعودية قالت إنّ «مِن الصعب أن يستمر تمويل الحكومة اللبنانية المختلّة التي يسيطر عليها «حزب الله» وحلفاؤه السياسيون».

الحزب

بدوره، قال وزير الصناعة حسين الحاج حسن متوجهاً إلى مؤتمر وزراء الخارجية العرب المقبل في القاهرة، والذي قد تُطرح فيه قضية وضع «حزب الله» على لائحة الإرهاب: «إنّ وضعَكم «حزب الله» على لائحة الإرهاب هو وسام شرفٍ على صدورنا، لأنّ تلك الدول لطالما تآمرَت على كل مقاوم في هذه المنطقة وفي هذا العالم».

من جهته، وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت السعودية ستطرح أمام الجامعة العربية اليوم قضية اعتبار الحزب منظمة إرهابية، رفضَ رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد استباق الامور،»لكن يمكن ان نتوقع كلّ شيء».

وتعليقاً على بيان كتلة «المستقبل» أمس الاوّل، والذي اعتبَر أنّ كلام الحزب «يعكس حالة من التوتّر»، قال رعد: «لا نريد ان نطيل البحث حول هذا الموضوع، لكن يكفي خزيّاً من وصَف «حزب الله» بأنه منظمة ارهابية أنّ الترحيب الوحيد في العالم لهذا الوصف كان من الكيان الإسرائيلي».

ملفّ النفايات

على صعيد كارثة النفايات، فقد سلكت هذه الأزمة الحلّ مع بروز مؤشرات عدة، أبرزها صرفُ رئيس الحكومة النظرَ عن استقالته بعدما تلقّى جرعات دعم قوية من كواليس طاولة الحوار، ومن الرئيس سعد الحريري ومختلف القوى السياسية التي أبلغَته صراحةً تمسّكها باستمرار الحكومة والتعاون حتى الرَمق الأخير بغية حلّ هذه الأزمة.

هذا في السياسة، أمّا عملياً فقد خطا الملف خطوات متقدّمة مع الاتفاق شِبه النهائي على مطمرين هما برج حمّود للمعالجة، والناعمة لرفع النفايات المتراكمة، ويجري البحث حالياً في حلول لنفايات الشوف وعاليه عبر استقدام معامل فرز ومعالجة سريعاً وبحلّ آخر بديل لمطمر «الكوستابرافا» الذي رفضَه النائب طلال أرسلان وفاعليات المنطقة.

وعلمت «الجمهورية» أنّه تخلّل اجتماع اللجنة الوزارية لإدارة النفايات الصلبة اتّصال بإرسلان وأُبلِغ عن البدائل الثلاثة التي تقترحها اللجنة، فأوفد الوزير السابق مروان خير الدين إلى السراي الحكومي للاطّلاع عليها ثمّ تمَّ التواصل مباشرةً معه، فوافقَ على بديل وهو إقامة مطمر في منطقة بعيدة من الأحياء السكنية في الشويفات بمساحة 50 ألف متر مربّع وتراعى فيه الشروط الصحية والبيئية. ووَعد أرسلان بدرس الأمر مع فاعليات المنطقة، وأبلغ الجواب اليوم الى اللجنة التي ستعقد عصراً اجتماعاً نهائياً وحاسماً.

وكشفَت مصادر اللجنة لـ«الجمهورية» أنّ قراراً اتُّخِذ على أعلى المستويات بوضع حدّ نهائي لأزمة النفايات في أسرع وقت ممكن، بحيث تنفّذه الحكومة «بقوّة دفع رباعية حتى ولو اضطرّ الامر إلى استخدام القوّة».

الحريري في السراي

وكان الحريري استبقَ اجتماع اللجنة بزيارة سلام متمنّياً أن يكون هناك انفراج في هذا الملف، «لأنّ اللبنانيين يستحقّون أن تكون شوارعهم خالية من النفايات».

وأوضَح أنّه اتّصل بكل القوى، وقال: «أعرف أنّ موضوع النفايات هو الشغل الشاغل للرئيس سلام ولجميع اللبنانيين، ومما لا شكّ فيه أنّ كل القوى السياسية تعمل على هذا الموضوع، ووليد بيك كان له دور كبير فيه، ونحن نحيّيه على شجاعته، وأيضاً نحيّي كل القوى السياسية الأخرى».

قليموس

وفي الملف المسيحي، يَعقد النقيب أنطوان قليموس مؤتمراً صحافياً اليوم لإطلاق برنامج لائحة «التجذّر والنهوض» لانتخابات الرابطة المارونية، وسط امتعاض تيار «المردة» من عدم ضمّ العميد ابراهيم جبور إلى لائحته.

وفي هذا الإطار، أكّد قليموس لـ»الجمهوريّة» أنّ «إسم جبّور لم يُطرَح في الأساس ليتمّ استبعاده، وكلّ الحديث عن اتصالات ربع الساعة الأخير لضمّه إلى لائحتنا غير صحيح، فلائحة «التجذّر والنهوض» نهائيّة ولا تغييرَ في الأسماء».

ونفى «أيَّ استهداف لتيار «المردة» من خلال تركيبة لائحتنا، وكلّ الكلام عن أنّ «القوّات اللبنانيّة» و«التيار الوطني الحرّ» ضغطا لاستبعاد جبّور من أجل تطويق تيار «المردة» وإضعافه مسيحيّاً وإبعاده عن الرابطة لا أساس له من الصحّة، فهُما لم يضَعا شروطاً أو «فيتو» على أيّ اسم».
وأوضَح أن «لا خلاف مع النائب سليمان فرنجية، وسأزوره في أيّ وقت، وأكنّ له كلّ احترام، ونحن على علاقة ممتازة وطيّبة مع جميع القيادات».