يبدو أن الحكومة السلامية لم تتمكن حتى اليوم من وضع حد للأزمة الديبلوماسية التي اشتعلت بين لبنان دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية. الادانة اللبنانية الرسمية التي وصفتها المملكة بغير الواضحة للإعتداء الذي تعرضت له سفارتها وقنصليتها في طهران، أشعلت فتيل الازمة الديبلوماسية، وأشعلت معها المخاوف حيال تدهور العلاقات الاقتصادية والمالية بين الطرفين.

تثير الاجراءات التصعيدية للدول الخليجية مخاوف لدى عدد من اللبنانين نتيجة المخاطر التي قد تسببها على الاستقرار المالي والاقتصادي في لبنان، بالاضافة الى التداعيات المحتملة لتأزم العلاقات مع اللبنانيين المقيمين والعاملين في دول مجلس التعاون. فبحسب الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني يمكن للإجراءات الخليجية ان تؤدي الى سحب دول الخليج ودائعها من مصرف لبنان، وتقدر بحوالى 900 مليون دولار فقط، ما يعني ان سحبها لن يكون له أي تأثير على الاستقرار النقدي، كما أن مصرف لبنان يمتلك كافة الادوات والاحتياطات الضخمة بالعملات الاجنبية والتي تتخطى 38 مليار دولار. وبالاضافة الى هذا الامر، يتمتع لبنان بقطاع مصرفي قوي يملك سيولة مرتفعة بالعملات الاجنبية تقارب 40% من إجمالي الودائع. وبحسب الارقام، يبلغ إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية سجل نهاية العام الماضي 152 مليار دولار، 20% منها أي 31 مليار دولار ودائع لغير المقيمين منها 15 مليار دولار تعود لعرب وخليجيين، فيما حصة الخليجيين لوحدهم تراوح بين 3 و 4 مليارات دولار فقط.

السياحة لن تتأثر كثيراً...
المسار السياحي في لبنان تغيّر منذ العام 2010 بعد الإحجام الخليجي عن زيارة لبنان، فبدأ من ذلك الحين التركيز على السياح الاردنيين والعراقيين والمصريين. وبالفعل، منذ 2010 تراجع عدد السياح السعوديين من 191 ألفاً عام 2010 إلى 47831 في العام 2015، فيما احتل السياح العراقيون المرتبة الأولى العام الماضي مع ما يقارب 578191 سائحاً، ثم الأردنيون 77960 سائحاً، ثم المصريون الذين بلغ عددهم 75524 سائحاً. وبحسب وزني، تراجعت السياحة الخليجية بحوالي 60% في السنوات الماضية من حوالى 380 الف سائح خليجي في العام 2010 الى أقل من 140 ألفاً سائحاً في العام 2015 بسبب التوترات السياسية والامنية الداخلية واقفال المعابر البرية اضافة الى حظر دول الخليج رعاياها من المجيء الى لبنان. ويضيف: "تمثل السياحة الخليجية أقل من 9% من اجمالي السياح في 2015 ووصلت حصة السعوديين الى 3,4% من العدد الاجمالي مقابل نحو 18% في 2010 ما يدل على قدرة استيعاب القطاع السياحي لتأثيرات الحظر المفروض من الخليج.

العلاقات التجارية
يبلغ حجم التبادل التجاري بين لبنان ودول الخليج ملياري دولار موزعة بين تصدير إلى الخليج بقيمة 920 مليون دولار من أصل 3,3 مليار دولار إجمالي التصدير مع استيراد الخليج ما قيمته 1,1 مليار دولار من لبنان. يأتي القطاع الزراعي والصناعات التحويلية على رأس القطاعات التي تُصدّر منتجاتها إلى الخليج بقيمة تصل الى ما يقارب 550 مليون دولار سنوياً، أي ان السوق الخليجية تستقطب نحو 27,88% من الصادرات اللبنانية الصناعية والزراعية. أي وقف للتبادل التجاري قد يؤدي الى أزمة في هذين القطاعين اللذين يمثلان ما يقارب 10% من الناتج المحلّي الإجمالي اللبناني أي ما قيمته أكثر من 5 مليار دولار بحسب الخبير الإقتصادي والاستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة الذي يؤكد أيضاً أن القطاع الزراعي الذي يُشكل 8% من الناتج المحلّي الإجمالي سيخسر أكثر من 75% من صادراته الزراعية في حال تدهور هذه العلاقات التجارية.

الاستثمارات بين لبنان والخليج
تشير أرقام غرفة التجارة والصناعة في بيروت الى ان قيمة التدفقات الاستثمارية السعودية المتراكمة في لبنان في الفترة ما بين الأعوام 1985 و2009 بلغت نحو 4 مليارات و819 مليون دولار نسبتها 39% من إجمالي الاستثمارات العربية في لبنان. وتشكل هذه الاستثمارات بشكل عام نحو 92,7% من اجمالي الاستثمارات العربية في لبنان، فيما يُقدر مجموع الاستثمارات التراكمية لدول التعاون في لبنان بنحو 11,4 مليار دولار، والحصة الاكبر من هذه الاستثمارات مصدرها السعودية مع ما يقارب 5 مليارات دولار، تليها الامارات مع 2,9 مليارات دولار، ثم الكويت 2,8 مليارات دولار. أما رئيس مجموعة الحكير التجارية رجل الأعمال عبد المحسن الحكير فكان كشف نهاية العام 2013 ان الاستثمارات السعودية في لبنان تقدّر بنحو 5,33 مليار دولار موزعة على نحو 2600 مستثمر سعودي، وقدر الاستثمارات اللبنانية في السعودية بـ 1,33 مليار دولار، ولاحظ ايضا ان قيمة المشاريع المشتركة بين البلدين تقدر بأكثر من 106,6 مليارات دولار، فيما يملك أكثر من 100 ألف سعودي مساكن لهم في لبنان. وتشير ارقام غرفة بيروت الى ان الاستثمارات اللبنانية في دول مجلس التعاون الخليجي بلغت نحو 4,7 مليارات دولار، منها 2,4 مليارات دولار في السعودية، و1,5 مليار دولار في الامارات، ونحو 680 مليون دولار في دولة الكويت.
بدوره يقدر وزني الاستثمارات الخليجية في لبنان بنحو 15 مليار دولار 75% منها موجه نحو القطاعين السياحي والعقاري، منها حوالي 6 مليار دولار للسعودية و3,3 مليار دولار للامارات، ويضيف: "تراجعت الاستثمارات الاجنبية المباشرة في لبنان من 4,9 مليار دولار في 2010 الى حوالي 2.7 مليار دولار في 2015، بسبب تفاقم الاوضاع السياسية والامنية الداخلية وتداعيات الازمة السورية، وطال هذا التراجع استثمارات الشركات الخليجية التي انخفضت حصتها من اجمالي الاستثمارات الاجنبية الى اقل من 28% في 2014 مقابل 57% للشركات الاوروبية".

التحويلات ركيزة أساسية
العلاقة مع السعودية والخليج بشكل عام هي علاقة حيوية ويجب ان يخاف لبنان عليها، بحسب عجاقة، الذي يعتبر أن الخسارة السنوية قد تطال تحاويل المغتربين اللبنانيين في دول الخليج والتي سجلت بحسب أرقام البنك الدولي للعام 2014 والتي يستند اليها عجاقة نحو الملياري دولار. هذا الرقم يُشكّل نحو 25% من مجمل التحويلات الأجنبية إلى لبنان وبالتالي فإن الخسارة الإجمالية السنوية ستصل إلى 3 مليار دولار كخسارة مباشرة. ويضيف: "أما الخسائر غير المباشرة فتتمثل بالخسائر التي قد تطال القطاعين الصناعي والزراعي إضافة إلى الإستثمارات اللبنانية في الخليج والتي تبقى إحصاءاتها غير دقيقة بحكم وجود الشراكة الإلزامية بين اللبنانيين ومُستثمرين من دول الخليج". بالفعل يعمل حاليا نحو 500 الف لبناني في دول مجلس التعاون الخليجي ما يقارب 300 الف منهم في السعودية والامارات. ويُعتبر هؤلاء اللبنانييون داعما مهما للاقتصاد اللبناني من خلال تحويلاتهم التي تساهم الى حد كبير في تنشيط حركة الاستثمار والاستهلاك ودعم ميزان المدفوعات. وفي العام 2015 بلغت قيمة تحويلات المغتربين اللبنانيين إلى لبنان حوالى 7,5 مليارات دولار في 2015، فيما تشكل السعودية حوالي 15% من مُجمل هذه التحويلات أيّ مليار و125 مليون بحسب الارقام التي يقدمها عجاقة مستندا الى البنك الدولي.، ويتابع:" لا خوف على الليرة اللبنانية واحتمال اهتزاها في حال سُحبت الودائع الخليجية من لبنان".
أرقام الدكتور وزني تختلف مع أرقام عجاقة، حيث يشير الى أن الدول الخليجية تعتبر المصدر الرئيسي لتحويلات المغتربين، اذ تقارب 58% من اجمالي التحويلات بما يعادل 4,5 مليار دولار في العام 2015، 23% منها من الامارات، 16,5% من السعودية، 8,3% من قطر، 7,8% من الكويت، معتبرا ان أي تراجع لهذه التحويلات سينعكس سلباً على نمو القطاع المصرفي اللبناني وعلى مداخيل العائلات وعلى النمو الاقتصادي بشكل عام.