لا يبدي حزب الله اللبناني أي نية أو استعداد لتهدئة الأجواء مع المملكة العربية السعودية، رغم إدراكه للتداعيات السلبية لهذا السلوك على لبنان.

وتواصل قيادات الحزب إظهار عدائها للرياض في كل إطلالة لها، بالتوازي مع تحريك أنصارهم في مشهد استفزازي للشارع السني، بهدف إحداث فتنة طائفية تكون مدخلا للسيطرة على لبنان كليا.

وزعم نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله نبيل قاووق أن “كل ما تريده السعودية الآن هو أن يتم السكوت عن جرائمها في اليمن والبحرين والعراق وسوريا وعن كل محاولاتها ابتزاز الموقف اللبناني”.

وأكد قاووق “أن الحملات الإعلامية والسياسية والنفسية التي تنظمها السعودية لن تستطيع أن تغير مثقال ذرة من قرار حزب الله بالتدخل في سوريا لمواجهة التكفيريين، أو في استمرار التنديد بالسياسات السعودية الظالمة في اليمن والبحرين والعراق وسوريا، وليقولوا ما يقولون، وليفعلوا ما يفعلون”.

واتخذت المملكة العربية السعودية خلال الأيام الماضية جملة من الإجراءات بحق لبنان، ردا على هجمات الحزب المستمرة عليها، وعلى مواقف الخارجية اللبنانية التي تماهت في عدة محطات مع مواقف إيران.

وأقدمت الرياض على إلغاء هبتي الأربعة مليار دولار المخصصتين للجيش وقوى الأمن اللبناني، كما حذرت مواطنيها من السفر إلى لبنان، وطالبت بعودة الموجودين هناك.

ووضعت عددا من الأشخاص والشركات ضمن القائمة السوداء لدعمها حزب الله.

وساندت معظم دول مجلس التعاون الخليجي الخطوات السعودية، حيث قامت الإمارات العربية المتحدة بتخفيض بعثتها الدبلوماسية في لبنان كما حذرت رعاياها من التوجه إلى هذا البلد، وهو نفس الإجراء الذي اتخذته كل من قطر والكويت والبحرين.

 

ومن شأن جزء من هذه الإجراءات المتوقع أن تتوسع خلال الفترة المقبلة، أن ينعكس سلبا على الاقتصاد اللبناني المنهك بطبعه، ولكن يبدو أن ذلك لا يلاقي اهتماما من قبل حزب الله، بل على العكس فربما يعتبر ذلك فرصة لتعزيز تحكمه في المشهد اللبناني بما يراعي مصالح داعمته إيران.

ولم تكن الدول الخليجية لتتخذ تلك الإجراءات العقابية لولا إدراكها بأن بوصلة لبنان باتت متجهة نحو إيران التي تملك أجندة توسعية في المنطقة العربية، وهو ما بدا واضحا في العراق وسوريا واليمن.

وتلوم الرياض النخبة السياسية اللبنانية عجزها عن الوقوف بوجه مشروع حزب الله الذي تمكن عمليا من اختطاف القرار اللبناني، وحتى مناشدات هذه القوى له بفك “لسانه” عن المملكة لم تفلح، لا بل أنه أبدى استعدادا لتجاوز جميع الخطوط الحمراء.

وعاش لبنان نهاية عطلة أسبوع مرعبة، حيث راحت عناصر تابعة لحزب الله تجوب شوارع الضاحية الجنوبية والعاصمة، وصولا إلى مناطق البقاع، مطلقة هتافات طائفية مسيئة للرموز الدينية والقيادات السعودية.

وجاءت موجة الاحتجاجات بعد عرض برنامج ساخر يتضمن تقليدا لحسن نصرالله على قناة “أم بي سي” السعودية، التي حاول المحتجون الوصول إلى مكاتبها، ولكن القوى الأمنية حالت دون ذلك.

وجابت عناصر الحزب عبر مواكب من الدراجات النارية أحياء العاصمة بيروت، ووصلوا بالقرب من السفارة السعودية وأحرقوا الإطارات المشتعلة قرب مكاتب تيار المستقبل في منطقة سبيرز.

وأثار هذا الاستفزاز الواضح مشاعر الطائفة السنية في لبنان التي اعتبرت أن ما حدث هو اعتداء عليها وعلى رموزها.

ورأى كثيرون أن البرنامج الساخر الذي عرضته القناة السعودية كان مجرد تعلة لإثارة النوازع الطائفية، لافتين إلى أن وسائل إعلام الحزب لطالما بثت برامج تتعرض للقيادات السعودية والخليجية بشكل عام.

وقال النائب محمد الحجار إن ما حدث من استعراض ليس سوى “جزء من ممارسات حزب الله، والهدف منه إثارة النعرات، والسعي إلى تدمير السلم الأهلي”.

واعتبر عضو البرلمان اللبناني، عمار حوري أن ما حدث مؤخرا في شوارع بيروت “يذكرنا بما هو عليه حزب الله، فهو كيان خارج الدولة، وأساليبه باتت مكشوفة وواضحة”.

ويخشى اللبنانيون من أن يكون ما حدث من استفزازات هي مرحلة من مراحل التصعيد الميداني سيقدم عليها حزب الله.

واعتبر القيادي في تيار المستقبل أحمد فتفت أن الأمور ذاهبة في اتجاه تصعيد كبير، “فهذا القدر من التوتير ليس إلا مقدمة لذلك، وقد يتبلور في اغتيال لإحدى الشخصيات”.

 

صحفية العرب