هناك تخوّف حقيقي من أنه إذا أكمل الوضع السوري، كما هو حالياً في اتجاهاته، «فسيأكل» التحالف الإيراني الروسي، سوريا، ومعها لبنان. إنها الخطورة التي تلف المسألة، وضرورة فعل شيء ما من أجل استعادة التوازن على الأقل، ومن ثم السعي إلى إحراز التغيير، وفقاً لمصادر ديبلوماسية عربية.

وتؤكد المصادر أن الولايات المتحدة لم توافق على أي تدخل كبير في سوريا من أي دولة عربية في المنطقة، وكذلك من تركيا.

لقد نقلت إعلامياً الموضوع بشكل مبالغ فيه، أي نقلت أن هناك احتمالاً لتدخل بَري، إنما المسألة المطروحة كانت على سبيل قوات خاصة، ومن ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.

كذلك الأتراك، لم يقولوا مرة إن هناك استعداداً لديهم لتدخّل بَري، ومن دون تنسيق مع الأميركيين. الدول التي تريد تدخلاً فاعلاً من أجل «إنقاذ» المعارضة، تعتبر أن أي تدخّل يجب أن يكون بموافقة الأميركيين ومشاركتهم.

والأميركيون، وفقاً للمصادر، لم يلزّموا الوضع السوري للروس، إنما هم غير مكترثين لما يقومون به. ولديهم هاجس واحد وهو «داعش».

عدم الاكتراث هذا، يزعج الأوروبيين الذين لديهم مشكلة اللجوء السوري والمهاجرين. والولايات المتحدة بعيدة جغرافياً عن هذه المشكلة، ولا تعتبر أنها تستأهل تغيير سياستها المبتعدة عن المنطقة، ذلك أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يريد التدخّل، ولا الانجرار إلى «مستنقعات» المنطقة.

الخليج يبدو أنه لا يقبل اتباع هذه السياسة، ويحاول قدر الإمكان تصحيح المسار، إنما من ضمن «قواعد اللعبة» الموجودة وشروطها الحالية، أي في سياق الموافقة الأميركية وعدم الخروج عنها. التشنّج مع الأميركيين يعود إلى أن الخليج يعتبر المعارضة تخسر، وواشنطن لا تقوم بها يلزم لدعمها.

وعلى الرغم من ذلك، لا تستبعد مصادر وزارية لبنانية حصول تدخّل بَري عربي من التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب إلى مناطق «داعش» و»النصرة» في كلّ من سوريا والعراق. تلك المناطق لا يمكن لأي جهة إن كانت شيعية أو غربية أو النظام، دخولها، ولا الطيران وحده يمكنه إسقاطها، وهي مناطق شاسعة. إلا أن ذلك لن يحصل إلا ضمن مخطط أو سيناريو يتم التوافق حوله دولياً، بعد بروز عناصر المواجهة الإقليمية إلى الواجهة. في هذا الوقت، يغادر الرئيس السوري بشار الأسد السلطة.

والخطوة الأولى لتكريس أي تدخّل من هذا النوع، قد يكون في جامعة الدول العربية. وإذا كان الدخول السعودي التركي إلى سوريا براً، يعني بالنسبة إلى المصادر الديبلوماسية المطلعة دخولاً في معركة ضد روسيا، فيما الأميركيون غير متحمسين لذلك، فإن الرياض تريد المشاركة في العمليات الجوية ضد «داعش»، وهذا يعود إلى جملة أمور هي:

ـ تضافر جهودها مع الجهود الأميركية في الموضوع السوري.

ـ تمكنها من إيصال مساعدات للمعارضة السورية المعتدلة.

ـ تقديم المساعدة للمعارضة في السيطرة على مناطق تكون قد تحررت من «داعش». وحالياً، لدى انسحاب «داعش» من المناطق وهزيمته، يقوم النظام السوري والأكراد بالسيطرة عليها. وإذا تمكنت المعارضة من السيطرة على مناطق إضافية فيمكنها أن تقاتل منها.

وتشير المصادر إلى أن كل الاتفاقات الموقّعة بين الدول والمعارضة لتقديم السلاح لها لا تتضمن سلاح أرض جو، ويمنع الأميركيون تقديمها لها. ولا يزال الرئيس الأميركي غير راغب في التورّط في الحرب السورية ولا في أي شكل من الأشكال. وحلف شمال الأطلسي يمنع الأتراك من تقديم سلاح أرض جو للمعارضة.

كل الدول في الشرق الأوسط تدعو الولايات المتحدة إلى التدخّل في سوريا، لدعم المعارضة، حتى أوروبا التي تجد نفسها في خطر حقيقي نتيجة الهجرة السورية إليها. واشنطن تصغي إلى هذه المخاطر، لكنها على الرغم من ذلك لن تتدخّل وتصرّ على ذلك، والأتراك والسعوديون والقطريون يريدون الدخول إلى سوريا براً، لكنهم لم يجدوا تشجيعاً أميركياً، إلا أنه يمكنهم أن يساهموا في دعم المعارضة، انطلاقاً من غطاء التحالف الإسلامي. الدخول في الحرب في اليمن أدى إلى انتظار الاستعدادات الخليجية بعد ذلك في مناطق أخرى. ومن المؤكد أن الخليج وتركيا سيقومان بعمل ما لدعم المعارضة السورية، أقله في مسألة زيادة السلاح وصولاً إلى سلاح نوعي، لأن هذه الدول لن تقبل أن تخسر المعارضة بهذه السهولة، وترى أن الوضع يستوجب دعماً فعلياً من أجل تغيير المعطيات على الأرض، إذ إنه إذا لم يتغير، واستمر الدعم الروسي والإيراني للنظام، فسيبقى الوضع السوري على حاله، وقد تتعرض المعارضة لخسائر كبيرة.

وبات واضحاً أن هدف روسيا هو القضاء على المعارضة المعتدلة، فهي تقوم، وفقاً للمصادر، بحرق الأراضي مستخدمة طريقتها في التعاطي مع الشيشان، حيث اتبعت سياسة الأرض المحروقة، لتدمير كل شيء.

الخليج وتركيا يفضلان إرسال صواريخ أرض جو إلى المعارضة، كمقدمة لدعمها، لكن السؤال هل يتخلى الغرب عن موقفه الرافض لذلك؟ وإلى أي حد سيصل أي تدخّل خليجي تركي لدعم المعارضة؟ حلب، حتى الآن، صمدت، بعدما كان يتوقع حصول انهيارات سريعة، والروس لن يوقفوا تدخّلهم في سوريا، إلا عندما يتعبون أو لدى شعورهم أن الكلفة باتت عالية بالنسبة إليهم. وبعض الدول الخليجية الكبرى عرضت على الروس، قبل تدخّلهم في سوريا، أموراً لم يوافقوا عليها، وتصبّ في خانة إحداث خرق لتسريع التغيير في سوريا. الآن وبعد التدخّل، من المستبعد الموافقة على أي أفكار أخرى، من جانب الروس، فهل يضغط الأميركيون في اتجاه تحقيق دعم فعلي للمعارضة؟