إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق ليل الخميس الماضي، أن فريقه بدأ يراجع نفسه إذا كان «وجودنا في الحوار الثنائي مع «حزب الله» وفي الحوار الموسع الذي يقوده رئيس البرلمان نبيه بري، وفي الحكومة مفيداً»، أخذ يطرح المزيد من الأسئلة عما إذا كانت أزمة العلاقة بين لبنان والمملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج، ستؤدي الى انفجار التأزم السياسي الداخلي بحيث يمس استمرار الحكومة، لا سيما بعد التباينات الكبيرة التي ظهرت داخلها في التعاطي مع هذه الأزمة.

فمصير الحكومة طُرح وتحديداً فور إعلان الرياض عن وقفها هبتي الـ4 بلايين دولار للجيش وقوى الأمن الداخلي، وكانت الأجوبة من الأقطاب الرئيسيين أن هناك ضرورة لبقائها وتجنّب اكتمال الفراغ في السلطة التنفيذية، في ظل غياب رئيس الجمهورية، خصوصاً أن الشكوى من دول عربية ومنها السعودية حيال «مصادرة حزب الله قرار الدولة اللبنانية»، ستزداد من بعدها، وأن استقالة الحكومة تخلي الساحة للتدخل الإيراني.

ومحاذير استقالة الحكومة كانت وراء تكرار رئيس البرلمان نبيه بري، أن الحكومة باقية في ردوده على احتمال تأثر الوضع الحكومي بالأزمة. كما أن زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، استبعد الاستقالة وبقي على موقفه الحفاظ عليها حتى لا يتعمم الفراغ الدستوري.

إلا أن محاولات تصحيح الخطأ عبر جلسة الحكومة الاثنين الماضي، أدت الى خيبة أمل، من أنها لم تفِ بالغرض بالنسبة الى السعودية، لجهة تغيير الموقف اللبناني من النأي بالنفس عن قراري وزراء خارجية جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي حيال إدانة الاعتداء على سفارة المملكة وقنصليتها في إيران، على رغم إجماع الدول العربية والإسلامية في هذا الصدد. وتشير مصادر وزارية الى أن المناقشات التي جرت في الحكومة أدت الى اشتراط «حزب الله» إدخال تعديلات على البيان الحكومي، كي يصدر بالإجماع، ما جعل نص البيان قابلاً للتأويل والتفسير عند كل فريق وفق أهوائه.

وفي حين كان بعض قادة 14 آذار دعا الى إصدار البيان الحكومي بلغة أكثر وضوحاً، ولو اقتضى الأمر التصويت عليه بأكثرية الأعضاء، فإن مصادر وزارية أوضحت أن التوافق بين سلام والحريري وبري كان منذ البداية السعي الى إصداره بالإجماع، لأن وقعه يكون أفضل، لا سيما لجهة التزام الإجماع العربي.

وتشير المراجع السياسية المتعددة التي تابعت المواقف التي سبقت اجتماع مجلس الوزراء، الى جملة وقائع منها:

1 - إن الرئيس بري كان وعد بالموافقة على معادلة النأي بالنفس عن الأزمة السورية مقابل التزام الإجماع العربي في العلاقة مع الدول العربية، وعلى الحرص على أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية وشكرها على الدعم الذي قدمته الى لبنان، وهو بذل جهوداً في هذا الصدد مع قيادة «حزب الله» التي اكتفت بالإجابة بأنها ستحدد موقفها وفق مسار المناقشات في اجتماع مجلس الوزراء. وأوضح مصدر رفيع لـ «الحياة»، أنه حين طرح الحزب التعديلات ومنها تلك التي تربط التزام الإجماع بصون الوحدة الوطنية، لم يتمكن معاون الرئيس بري وزير المال علي حسن خليل، من المساعدة في تجنّب تلك العبارة، التي اعترض عليها المشنوق لأنها تعطي حق الفيتو لفريق بألا يوافق على الإجماع العربي، واكتفى الوزراء وسلام بتعديل مكانها في النص حتى لا يبقى التزام الإجماع ملحقاً بالوحدة الوطنية.

وقال المصدر إن التعديلات الأخرى، بما فيها شطب عبارة أن «النأي بالنفس لا يعني التنكر لأشقائه العرب، خصوصاً المملكة»، لم يتمكن الوزير حسن خليل من إيجاد مخارج لها، ولذلك فإن سلام و «المستقبل» لم يرغبا في إحراج بري أكثر في علاقته مع «حزب الله»، فاضطرا للقبول بها، خصوصاً أن الوزير حسن خليل تجنب خوض نقاشات بين الحزب و «المستقبل» وفضّل العمل على الصياغات التوفيقية.

2 - إن العماد ميشال عون وفريقه عبّرا عن الاستعداد للقبول بصيغة تسمح بتصحيح ما سبب الغضب السعودي والخليجي من جانب مجلس الوزراء، وذهب الجنرال نفسه الى حد القول أمام بعض زواره، إن هناك حملة من العديد من الفرقاء على الوزير جبران باسيل، في وقت ليس هو المسؤول، خصوصاً أنه نسّق موقفه مع الرئيس سلام. ونسب زوار عون إليه قوله: «إذا كانوا يعتبرون أن المشكلة في موقف «حزب الله»، فليقولوا ذلك ولا يوجّهوا السهام الى باسيل. ولا أحد يمنعهم من ذلك. وإذا أرادوا تطبيق سياسة النأي بالنفس على «حزب الله» واشتراكه في القتال في سورية، فليصدروا أوامر الى الجيش بأن يقفل الحدود». وأوضح زوار عون أنه أبلغهم أنه قد يلجأ في حال حصول خلاف حول هذا الأمر، الى اتخاذ موقف إما بالانسحاب من الحكومة أو أي موقف آخر، «لكن يجب ألا يحمّلوا الوزير باسيل مسؤولية الأزمة. وما نقوم به حالياً، هو إدارة الوضع الناجم عن التدخل وتفاعلات الأزمة السورية عندنا. وإذا كانت هناك نية للذهاب الى تأزم فهذا شيء آخر». لكن مصادر وزارية وأخرى في 14 آذار، اعتبرت أن «التيار الحر» لم يساهم خلال جلسة مجلس الوزراء في إيجاد صيغة معالجة للأزمة مع السعودية، واكتفى بالتفرج على النقاش بين «المستقبل» ومعه «اللقاء النيابي الديموقراطي» وبين «حزب الله»، بل إن باسيل عاد فزاد الطين بلة في كلامه الذي أعقب مجلس الوزراء، وبرر فيه نأيه بلبنان عن قراري الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. ورأت هذه المصادر أن وراء موقف باسيل حسابات رئاسية هدفها إرضاء «حزب الله» كي لا يراجع موقفه في دعم عون للرئاسة، بل إن التيار اعتبر أن الضغط على باسيل كي يصحّح الموقف حيال السعودية، هدفه الإيقاع بين التيار والحزب، لخلق صعوبات أمام دعمه للرئاسة. وهو ما حمل أوساط 14 آذار الى القول إن الأزمة أضرت بترشيح عون وأبعدت حظوظه أكثر، ولهذا السبب خاضت «القوات اللبنانية» التي تبنت ترشيح عون نقاشاً مع فريقه، حول وجوب خروجه عن الحياد والموقف الذي استمر باسيل في الدفاع عنه، لكن من دون النجاح في تعديله.

إلا أن الملاحظات نفسها ساقها بعض الأوساط حيال التزام مرشح «المستقبل» النائب سليمان فرنجية، الصمت تجنباً لأي تعارض مع «حزب الله»، بسبب حسابات رئاسية أيضاً. وهذا ما دفع أوساطاً مراقبة الى الاستنتاج أن الأزمة مع السعودية ضاعفت من صعوبات مجيء أي من مرشَّحي 8 آذار، لمراعاتهما «حزب الله»، ما يؤدي في الفترة المقبلة الى العودة للبحث في رئيس وسطي وحيادي لإدارة الأزمة في لبنان.

3 - إن رئيس الحكومة كان طرح قبل أكثر من شهر على الفريق الحليف له، لا سيما تيار «المستقبل»، البحث في خيار استقالة الحكومة وإنهاء ربط النزاع مع «حزب الله»، إذا كان الحلفاء يرون أن بقاء الحكومة لم يعد مفيداً وأنه لا مشكلة لديه في تقديم الاستقالة، لأنه أصلاً يتردد في تقديمها ويشاور نفسه فيها كل يوم من شدة ما يعانيه من عراقيل في معالجة الأمور، خوفاً من تعميق الأزمة إذا انسحب. إلا أن الحلفاء فضّلوا بقاءه للسبب نفسه، أي الحؤول دون تعميم الفراغ.

لكن سلام حرص خلال هذا الأسبوع، على القول إن بقاء الحكومة مرهون بحل أزمة النفايات، وأنه يعطي نفسه بعض الوقت لمعالجة هذا الملف، فإذا فشل يفضّل الاستقالة.