احتلت الأزمة الطارئة في العلاقات اللبنانية السعودية رأس قائمة الاهتمام الرسمي والشعبي، نظرا الى تداعياتها الخطيرة المحتملة على الاوضاع الاقتصادية في لبنان. ولا تزال هذه الأزمة طاغية على ما عداها من أزمات لأنها لم تاخذ مداها بعد، وبالتالي، لا تزال مفتوحة على مزيد من التفاعلات السلبية اذا لم تنجح المعالجات في لجمها واعادتها الى طبيعتها.منذ اندلاع شرارة الأزمة بين لبنان والسعودية على خلفية المواقف الرسمية التي اتخذتها الحكومة اللبنانية في المحافل العربية والاسلامية، يجري التركيز على مجموعة من الاجراءات التي يمكن للمملكة ان تتخذها في حق لبنان واللبنانيين، وتؤدي الى كارثة على مستوى الاقتصاد اللبناني. والسؤال ما هي الاجراءات التي قررتها المملكة، وما هي الاجراءات المتوقعة اذا لم تصطلح الامور بين البلدين؟

 

من المعروف ان الاجراء الاساسي الذي اتخذته السعودية حتى الان، كان من خلال تجميد الهبة الى الجيش اللبناني والقوى الامنية بقيمة حوالي 4 مليار دولار. بالاضافة الى ذلك، طلبت المملكة من رعاياها عدم القدوم الى لبنان، والطلب من السعوديين الموجودين في لبنان مغادرته.

هذا الاجراءان هما الوحيدان حتى الان، وقد واكبتهما حملات تكهّن تبين حتى الان انها غير صحيحة.

لكن ذلك لا يعني انها لن تحصل، وهناك لائحة من الاجراءات التي يمكن اتخاذها على الشكل التالي:

اولا- سحب الودائع المودعة في مصرف لبنان.

ثانيا- الطلب من السعوديين سحب ودائعهم في البنوك اللبنانية.

ثالثا – الطلب من السعوديين وقف الاستثمارات في لبنان، والانسحاب من الاستثمارات القائمة.

رابعا – وقف اعطاء تأشيرات دخول جديدة الى لبنانيين.

خامسا – وقف التعاملات المصرفية والتحويلات بين البلدين.

سادسا – وقف الرحلات الجوية.

سابعا – الغاء اقامات اللبنانيين المقيمين في المملكة وطردهم جماعيا.

ثامنا – اغلاق السوق السعودي في وجه الصادرات اللبنانية، ووقف التصدير الى السوق اللبناني.

تاسعا – قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، واغلاق السفارة السعودية في بيروت، في موازاة طرد السفير اللبناني في المملكة، واغلاق السفارة اللبنانية هناك.

عاشرا – تعميم هذه الاجراءات على كل دول مجلس التعاون الخليجي، بحيث تحذو دول الخليج العربي حذو المملكة، بعدما تبين ان هذه الدول متضامنة مع السعودية وجاهزة لمجاراتها في الاجراءات التي ترتأي اتخاذها في حق لبنان.

هذه اللائحة الطويلة من الاجراءات تستطيع الحكومة السعودية اتخاذها، فهل هي واردة، وهل هناك خطة تصاعدية لتنفيذ هذه اللائحة في الايام المقبلة؟

في البداية، لا بد من التذكير بأن هذه الاجراءات الموجعة، ستكون لها انعكاساتها السلبية على البلدين، وليس على لبنان لوحده. لكن، من البديهي ان لبنان سيكون المتضرر الاكبر، والخسائر التي قد تلحق به لا يمكن قياسها بالخسائر التي قد تتكبدها السعودية في حال الاقدام على تنفيذ لائحة من هذا النوع. لكن الموضوع ليس هنا، والسلطات السعودية لا يمكن ان تُقدم على خطوات هدفها الاضرار بلبنان ليس الا.

والدليل، هو ان السعودية فتحت ابواب سفارتها على مدى ايام امام اللبنانيين الرافضين لطريقة التعاطي الرسمي معها، وحرص السفير السعودي على الادلاء بتصاريح تؤكد على محبة المملكة للبنان واللبنانيين.

وبالتالي، يبدو ان الهدف السعودي من الموقف الذي اتخذته هو توجيه رسالة الى اللبنانيين عموما، والى رافضي نهج حزب الله خصوصا، مفادها انكم اذا كنتم تحرصون على حُسن العلاقات الثنائية عليكم ان تثبتوا هذا الحرص، وتسمعوننا اصواتكم اولا، وتثبتون انكم قادرون على ترجمة مواقفكم الى افعال سواء في الحكومة، او على مستوى لجم الجنوح نحو معاداة السعودية ومحاربتها وشتمها من قبل اطراف لبنانية.

لكن الخطير في هذا الملف، ان عامل الثقة والمحبة الذي كان قائما على مستوى الافراد أصيب في الصميم، وهذا ما يحتاج الى معالجة. وقضية طرد عدد ضئيل من اللبنانيين من بعض المؤسسات في الفترة الأخيرة، لم يكن قرارا رسميا اتخذته حكومة المملكة، بل قرار اتخذه ارباب عمل سعوديون، ارادوا من خلاله التعبير عن انتهاء زمن المودة مع اللبنانيين، الذين اعتادوا التصرّف على اساس انهم درجة اولى بين الوافدين، وهكذا كان يتعاطى معهم كل اهل الخليج. هذا التمايز اصبح موضع شك اليوم، وهذه هي المشكلة الخطيرة التي تحتاج الى معالجة.

هل يعني ذلك ان لا خوف من تطبيق لائحة الاجراءات المذكورة اعلاه؟ الجواب هو نعم مبدئياً، لا خوف من ذلك، خصوصا بعد الصحوة التي أصيبت بها الحكومة، وقررت بعدها ان تتحرّك للمعالجة. لكن الأزمة لم تتنه بعد، ويبدو ان دول الخليج، التي سبق لها ان قررت ابعاد كل فرد او مؤسسة لها علاقة بحزب الله، والتي تحركت سابقا ببطء متعمّد في تطبيق هذا القرار، حسمت موقفها بعد الأزمة الأخيرة.

وسنشهد في الايام المقبلة اجراءات متتالية سوف تتخذها الحكومات الخليجية في حق لبنانيين وشركات ومؤسسات لبنانية مُصنفة على اساس انها قريبة او متعاطفة مع حزب الله. هذه المؤسسات ستقفل، وأصحابها سيطردون، كذلك سيتم طرد عدد لا بأس به من اللبنانيين المحسوبين على هذا الخط.

والمشكلة ان مفاعيل هذا الاجراء الذي لا عودة عنه، على ما يبدو حتى الان، سوف تنعكس على كل اللبنانيين، لأن الاقتصاد وحدة متكاملة، وأي خلل يصيبه في مكان، ينتشر ليشمل مجمل الجسم الوطني. هذه مشكلة لا تستطيع الحكومة اللبنانية معالجتها، بل ان المعالجة لدى الاطراف المعنية بذلك، وحتى الان لا بوادر على وجود قرار بالمعالجة.