هي ظاهرةٌ اجتاحت المجتمع اللبناني في السنوات الأخيرة، ولا تزال تتفاعل تحت ما يسمّى "بناء العضلات الوهميّة". لكن، وإذا كانت شريحةٌ واسعة من الشباب في لبنان اليوم، التي تبتلع الحبوب كي تبني العضلات، تخال نفسها نسخةً عن "سوبرمان"، فإنّها في الواقع لا تمثّل أكثر من بالون هواء ينتفخ ويتقلّص في ثانية.

من المستغرب كيف يتقبّل هؤلاء تعريض أنفسهم للخطر، وحقن جسمهم بالبروتينات والهرمونات، مقابل الحصول على هيئة بطلٍ مزيّف لا يقوى على تحقيق البطولات. لعلّهم يبحثون عن مجرّد نظرةٍ ترضي عيونهم أمام المرآة، أو يستخدمون جسدهم لأغراضٍ مشينة، لكنّهم، ويا للأسف، لا يقوون على حمل بضعة كيلوغراماتٍ من الأثقال. الهدف، إذاً، لم يكن يوماً رياضيّاً بل التحاق بموضة "القشرة الخارجيّة" التي تسيطر على العقول وتعمي القلوب، أو ربّما تقتل نبضها في حال تعرّض الشاب لذبحة قلبيّة وهو يبتلع حبّة.

وإذا كان الفرد هو المسؤول الأوّل عن قرار الابتلاع، فإن بعض #النوادي_الرياضية استغلّت سذاجة أمثاله وبنت عرش تجارتها الرياضيّة على حساب صحّته. أمّا الضريبة الحتميّة لهذه الأفعال فتراوح بين التجلّطات والفشل الكلويّ والسرطان وضعف القدرة الجنسيّة، إضافةً الى اختفاء العضلات المزيّفة، عند التوقّف عن ابتلاع الحبّة العجيبة. حبّةٌ هي في الواقع هرمون ذكوريّ، قصّة رحلة ذوابانه في الشرايين مليئة بالأحداث الأليمة، كما حصل مع مراهقٍ لبنانيّ لم يتجاوز عامه السابع عشر.   من نادٍ رياضيّ الى متجر حقن "من النادي الرياضي الى المستشفى درّ".

لعلّها واقعة متكرّرة شهدها عدد كبير من متناولي الهرمونات في لبنان، كان آخرها صبيٌّ قاصر وقع ضحيّة تجارة النوادي الرياضيّة بالحبوب والحقن من جهة، وتهوّره وطيشه من جهةٍ ثانية. يسرد الطبيب المسؤول في وزارة الصحّة الدكتور بلال عبدالله في حديثٍ لـ"النهار"، تجربة ذلك المراهق اللبنانيّ الذي لم يتجاوز عامه السابع عشر، والذي أدّى به تناول الهرمونات بهدف تكبير العضلات الى نتائج كارثيّة لا تحمد عقباها: "بدأت القصّة حين شعر بخللٍ يطاول الوظائف الجنسيّة لديه، بعدما تلاشت الرغبة الحميمة لديه وبدأ يعاني اضطراباتٍ في عمليّة الانتصاب.

استمرّت الحالة على هذا المنوال أكثر من 5 أشهر، حيث قرّر اللجوء الى الطبيب المختصّ وتبيّن أن الهرمونات الذكوريّة التي يبتعلها على شاكلة حبوب هي السبب، وكان قد حصل عليها في النادي الرياضيّ الذي يتردّد اليه بهدف تكبير العضلات". ويشير الى أن "المشكلة تطوّرت بعدما أبلغ الطبيب المختصّ الذي عالج الصبيّ وزارة الصحّة بالواقعة، التي بادرت الى اقفال النادي الذي توعّد بالانتقام من الطبيب الذي تقدم بالشكوى لو لم نتكتّم عن هويّته ونتدخّل بهدف حمايته".

  وفي سياقٍ متّصل، يؤكّد أن "الإضاءة على واقع النوادي الرياضيّة جاءت في سياق حملة سلامة الغذاء وحماية صحّة المواطن، وهي غير منفصلة عن الملفّات التي تعالجها الوزارة.

وقد تحرّكنا بناءً على شكاوى عدة وردتنا حول موضوع المتمّمات الغذائيّة التي تدخل برعاية وزارة الصحة ولكن لا يوجد أي رقابة على توزيعها، حيث تباع في الصيدليّات والمراكز الخاصّة والمتاجر من دون تدارك الوضع الصحي للشاري والأعراض الجانبيّة للمنتوج". ويسرد أن المفاجأة الكبيرة التي صادفها تمثّلت في عقاقير وحقن الهرمونات التي تعرضها بعض النوادي للبيع، كهرمون التيستوستيرون والديكادورابولين والبوسترونديبول، وغيرها من الهرمونات التي تعدّل ترميم خلايا الجسم ومنها العضلات بشكلٍ أساسيّ وتؤدّي الى تضخّمها سريعاً.

ويشير الى أن الوزارة اقفلت حتّى اليوم 6 أندية في حين أن المعضلة الرئيسيّة تتمثّل في عدم حصولها على ترخيص مسبق، وهي بحاجة الى إعادة تنظيم واشراف من لجان مختصّة، مؤكّداً على الفصل بين مفهوم النوادي الرياضيّة واللياقة البدنيّة التي تعتبر غاية منشودة يشجّعها الجميع واستغلال هذا الباب لنيل مكاسب دعائيّة وماليّة.

  ضعفٌ جنسيّ وفشلٌ كلويّ وتجلّطات لا تتلخّص الارتدادات السلبيّة التي يسبّبها تناول المنشّطات والهرمونات الرياضيّة بخطرٍ محدّد يطاول جسم الإنسان، بل تتفرّع لتشمل أكثر من عضوٍ حيوي واحد، وقد تفتك بوظائف جوهريّة وأساسيّة مروراً من القدرة الجنسيّة ووصولاً الى القلب.

وفي هذا الإطار، يشير عميد كليّة الصحّة في الجامعة الأنطونيّة والاختصاصي في الطبّ الداخلي الدكتور غابي مكرزل الى أن "الهرمونات التي تعطى في النوادي الرياضيّة هي عبارة عن حبوب وحقن تحتوي على الستيروييد الذي يعتبر من مشتقات الكولستيرول وهو يتضارب مع الهرمونات الطبيعيّة الموجودة في الجسم ويشكّل خطراً عليها".

ويوضح هذه عمليّة التأثير الجانبيّة من خلال مثالٍ حيّ: "لنفترض أن جسمنا يحتوي على 5 هرمونات وأضفنا اليها 5 هرمونات أخرى، فنحن بالتالي نسمّم جسمنا كمرحلة أولى ونساهم في تدمير هرموناتنا الطبيعيّة كمرحلة ثانية.

ويفنّد العوارض الجانبية التي ترمي بانعكاساتها على جسم الإنسان بالمضاعفات الجنسيّة التي تختصر باضطراب في الدورة الشهرية وتؤثّر في المبيض لدى المرأة وفي الخصية لدى الرجل. وعن التأثير السلبي على الكبد، يقول: "تؤدّي الهورمونات عادةً في حال تناولها بكثرة، الى أكياس الدم في الكبد إضافةً الى الكتل الغدديّة التي تنتج كسلاً في الكبد وتخفّف من فاعليّته كخطوةٍ أولى، قبل أن تؤدّي الى تعطيل عمله على المدى الطويل".

أمّا التجلّطات التي قد يعانيها الجسم، فهي تنتج برأيه من هرمونات الإستروجين والتيستوستيرون خصوصاً. ويدخل في تفاصيل امكان الإصابة بسرطان البروستات لدى الرجال، خصوصاً أن هذا النوع من الأمراض ينتج عادةً من ارتفاع نسب الهرمونات الذكوريّة في جسم الرّجل.

"ما الفرق بين هرمون التيستوستيرون والديكادورابولين والبوسترونديبول"؟، يعتبر مكرزل أن "كل هذه الهرمونات ذكوريّة وتتصف بالمفعول نفسه على رغم أنها تختلف في التركيبة، وهي تؤدّي بشكلٍ أساسي الى إذابة الشحوم في الجسم وابراز العضلات. بيد أن التوقّف عن تناولها سيذوّب الانتفاخ الذي تحقّق لأن انخفاض مستوى التفعيل والتحفيز سواء أكان رياضياً أم هرمونياً سيؤدي الى تقلّص العضلات".

  دور المدارس والجامعات والخبرة الحياتيّة لطالما ارتبطت رغبة الشباب في #المجتمع_اللبناني باستمالة المعجبين من خلال اللجوء الى تكبير العضلات وتعديل الشكل الخارجي مهما كان الثمن. وفي هذا السياق، تعتبر المدرّبة الاجتماعيّة والمحاضرة في جامعة الروح القدس الكسليك الدكتورة لورانس عجاقة، أن "هذه المعضلة تتفشّى في مجتمعنا بشكلٍ جنونيّ، لأن الناس تتأثّر بالموضة بشكلٍ كبير والغالبيّة في إطارٍ مشابه، حتّى وإن كان بعضهم لا يرغبون في ممارسة النشاطات الرياضيّة أو دخول النوادي، ما يضطرهم الى اللجوء إلى هذه الحبوب والحقن لتحقيق ذاتهم".

"كيف يمكنهم الوصول الى قلوب المعجبين من دون اللجوء الى هذه الاستراتيجيّة؟"، تجيب: "أساس الحبّ هو التضحيّة وليس الشكل الخارجي، وتالياً فإن الفتاة تبحث عن رجلٍ مستعدٍّ لتحمّل المسؤوليّة والتضحية في سبيلها، وليس عن العضلات، على رغم أن الشكل الخارجي هو عاملٌ يبني علاقاتٍ عاطفيّة اليوم في لبنان لكنها مجرّد علاقاتٍ فارغة لا زبد فيها ولا استمراريّة".

وتشير الى أن "الشباب لا يستطيعون فعل شيء للخروج من هذه المعمعة، لأنّ عقلهم غير مهيّأ لاستيعاب فكرة أن الشكل الخارجي ليس أساساً في العلاقة، فيما المسؤوليّة تقع على عاتق الجامعات والمدارس التي لا تدرّب التلاميذ حياتيّاً ولا تغذّي في لا وعيهم الحقائق العلميّة التي تضعهم على البوصلة الصحيحة".

وتعتبر أن "الخبرة الحياتيّة ضروريّة أيضاً، وأنا أجد طلّاب الماجيستير يتعاملون مع الأمور الحياتيّة بنضجٍ وعقلانيّة فيما أولئك الذين يدخلون الجامعات حديثاً يتعامون عن الحقائق، وهذا ما يعني أن مسألة الإدراك لدى الشباب قد تحتاج إلى وقت وخبرة حياتيّة يكتسبونها مع الزمن".  

لعلّ مشكلةً جذريّةً ثانية تطرحها قضيّة بيع الحبوب والحقن الهرمونيّة في النوادي الرياضيّة الى جانب الارتدادات الصحيّة، ألا وهي العوامل النفسيّة والخبايا الدفينة التي قد تدفع مراهقاً أو شاباً الى المخاطرة بقلبه وكبده لصالح زندٍ اصطناعيّ. عسى أن لا تكون الأسباب الدافعة لهذه الخطوة مرتبطة بعدم استقرارٍ نفسيٍّ يعانيه الشاب، أو لعلّها قلّة ثقةٍ بالنفس تتعزّز ببلع الحبوب.

وإذا كان الشباب يعلمون أن حقن الجسد بالهرمونات آخره هلاك و"يفعلونها"... فما رأيهم يا ترى بحقن الجسد بالمخدّرات؟

النهار