عانى العراق ولا يزال يعاني من اللحظة الأولى للتكوين لعنة الصراع على كل الصعد، وانفجر هذا الصراع بشكله العنيف بعد الغزو الأميركي في العام 2003.
سُجل منذ ذلك العام البغيض تصاعُد مرعب في مسارات النزاع بين مختلف المكوّنات الاجتماعية والطائفية، وآلت الأوضاع إلى ما هي عليه بفعل التدخلات الخارجية، ناهيك عن «الموروث الشعبي» التاريخي من الصراعات حتى بات العراق على قاب قوسين أو أدنى من الحرب الأهلية.
ولا تزال الأحداث التي حصلت بين العامين 2006 و2009 بمثابة درس مرير ماثل للعيان من مختلف المكوّنات السياسية والاجتماعية، وهذا ما يمنع انفجار الحروب الداخلية، على اعتبار أن أحداً لا يريد العودة إلى تلك الأيام السوداء، إذ إن ما يجري تداوله في مختلف الوسائل الإعلامية حول عودة شبح الطائفية ما هو إلا من «الدعايات» الغربية والداخلية لتهديد الاستقرار الداخلي.
وتشير وجهات نظر أخرى إلى أنه «يجري تلطيف تسمية حالات النزاع والصراع في العراق على أنها حالة سطحية وعابرة وغير متجذرة»، لكنها في واقع الحال عميقة الجذور وكبيرة الأثر في الحاضر العراقي ومستقبله.
وقال النائب عن «دولة القانون» المنضوية في «التحالف الوطني» عباس البياتي، في حديث لـ «السفير»، إنه «من الصعب عودة اللعبة الطائفية مرة أخرى»، معللاً ذلك بأسباب اعتبرها «موضوعية». وأضاف أن «الاقتتال الطائفي لا يمكن أن يجد له موطئ قدم في البلاد مرة أخرى، لأن لا رابح في الصراع، وإنما الجميع سيكون خاسراً، والكل حصد ثمار تلك التجربة المرة، ثم أصبح الحديث عن الموضوع الطائفي سطحياً ومملاً».
وأضاف البياتي أن «الحديث أو إشاعة الخطاب الطائفي تكمن خلفه دولة إقليمية، وتلعب دوراً واضحاً في عملية التمويل وتشجيع الفتاوى، وهناك دول أخرى انشغلت بأوضاعها الداخلية، ثم جاء التحدي المباشر عبر محاربة التنظيم الإرهابي داعش، وهذا التحدي دفع بالعراقيين إلى المواجهة يداً واحدة للتخلص من التنظيم التكفيري، ناهيك عن تحالف الدول الإقليمية ضد التنظيم». وأشار إلى أن «عودة الشبح الطائفي ستضعف المواجهة مع داعش، وستكون لها انعكاسات كبرى على الجميع، في حال انتصاره، وهذا ما تخشاه الأطراف الداخلية والإقليمية».
من هنا، يتابع البياتي حديثه بالقول إن «التلويح بالشبح الطائفي هو من قبيل الابتزاز السياسي وإيجاد حالة من الهلع داخل المجتمع العراقي». وقدّم مثالاً على العديد من المدن التي تعيش حالة من الاستقرار السياسي، مثل ديالى، وبغداد، وبابل والعديد من المناطق في كركوك.
بدوره، رأى مطشر السامرائي، عن «اتحاد القوى»، في حديث لـ «السفير»، أن «الحكومة فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الملف الأمني والسياسي والاقتصادي، عبر إصرارها على عدم إشراك المكونات الأخرى في اتخاذ القرارات، واستخدام العنف المفرط تجاه الخصم»، ما دفع إلى اتخاذ ردات فعل سلبية.
وتساءل السامرائي عن وجود قوة أمنية كبيرة من الجيش والشرطة في الشوارع و «السيطرات»، ورغم ذلك يتم اختطاف المواطن العراقي في وضح النهار، ولا يطلق سراحه إلا مقابل فدية معينة؟ وأضاف أن «البعض يعمل على إيجاد عدو وهمي من أجل تنفيذ مآربه الطائفية، إضافة إلى المعايير المزدوجة التي تستخدمها الحكومة في العلاقات مع الآخرين، وهذا يشجع على النعرات الطائفية». وأعلن أن «الشعب لا يرغب في عودة الطائفية وخرابها، على اعتبار أنها سلاح يستخدمه السياسيون لفرض سياستهم»، مشيراً إلى «وجود 16 ألف ملف في هيئة النزاهة لم يُحسَم أمرها بعد، علماً أن الأسماء المتورطة بهذه الملفات واضحة ومعروفة، لكن الحكومة لا تحرك ساكناً، بالإضافة إلى وجود الكثيرين القابعين في السجون من دون بتّ ملفاتهم».
بدوره، مقرر لجنة الأمن والدفاع النيابية شيخوان عبد الله أشار إلى «وجود أسباب تقف وراء عودة الحديث عن الطائفية، أبرزها سلوك بعض العناصر المسلحة، حيث التهديد شبه يومي لبعض العوائل الكردية التي تقطن في بغداد، وهذا التهديد تعرّض له الكثير من أصحاب المحال والفنادق من أجل بث الخوف والذعر في محاولة للاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم في بغداد». ودعا الحكومة إلى «اتخاذ موقف جدي لمواجهة تلك الممارسات»، واصفاً إياها بأنها غير متعاونة ولا تحرك ساكناً تجاه ما يحصل.