كل شيء في خطر: الحكومة، الحوار الوطني، الحوار الثلاثي.. والأهم مظلة الأمان التي حمت لبنان في خضم السنوات الخمس الصعبة من عمر الأزمة السورية.
المفارقة غريبة للغاية، إذ إن لبنان تمكن حتى الآن من اجتياز الحريق السوري بأقل خسائر ممكنة. صحيح أن مئات اللبنانيين من مدنيين وعسكريين (وبينهم تسعة جنود ما زالوا مجهولي المصير) دفعوا ثمن الإرهاب الذي حاول مراراً وتكراراً الزحف إلى الداخل اللبناني بعناوين «الإمارات التكفيرية» وغيرها، لكن كل أهل السياسة والأمن لطالما رددوا أن الأثمان كان يمكن أن تكون أكبر بكثير.. وصولاً إلى جعل لبنان على صورة ما يجري في العراق وسوريا واليمن، خصوصاً أنه يفتقد تاريخياً المناعة الوطنية.. وهو منذ أكثر من عقد من الزمن، وتحديداً منذ الاجتياح الأميركي للعراق، يتأثر بتداعيات الصدع المذهبي الكبير في المنطقة.
كل شيء في خطر، في لحظة إقليمية مفصلية تستعد معها سوريا لاختبار تجربة هدنة، لطالما اختبر لبنان مئات الهدن المماثلة في زمن حروبه الأهلية، لكأنه يراد لهذا البلد الصغير أن يدفع دائماً ثمن التسويات الكبرى في المنطقة.
كل شيء في خطر، ما دامت القيادة السعودية تواصل ضغطها غير المسبوق على حلفائها اللبنانيين، إلى حد صارت مهتمة بالبحث عن صياغات لغوية تعيد لها كرامتها وعلى اعتذارات ترفع لها شأنها، فإذا لم تنل مرادها، ستكون للبنان بالمرصاد بلقمة عيشه الصعبة واقتصاده المترنح وأبنائه الموزعين في أربع رياح الأرض يعطون عمرهم وجهدهم لبلدان تبادلهم الوفاء والعطاء.
كل شيء في خطر، بدليل أن ما صدر عن حكومة الرئيس تمام سلام يوم الإثنين الماضي ليس مقبولاً سعودياً.. بل المطلوب «دوز» أكبر ليس معروفاً ما اذا كان يمكن أن يقبل به بعض أهل الحكومة من غير «قوى 14 آذار»، فإذا لم يتنازل الطرفان، فلربما نكون في الساعات أو الأيام المقبلة أمام حكومة تصريف أعمال ألمح سلام ليل أمس إلى احتمالها بقوله لشبكة «سكاي نيوز العربية» إن البعض يقول إن هذه الحكومة تصرّف الأعمال وليست قادرة على إنجاز الكثير من الأمور، «وأنا أدرك ذلك وربما قد نصل الى وقت نجد أنفسنا فعلاً في تصريف أعمال»، وأردف: «الاستقالة واردة وعدم استمرار الحكومة وارد، ليس فقط عندي بل حتى عند القوى السياسية التي يمكن أن تأخذ هذا القرار».
مؤشر الخطر على الحكومة تم التعبير عنه من خلال مؤشرات عدة، أبرزها الخطر الذي تهدد جلسة حوار عين التينة ليل أمس. وفي التفاصيل، أن المعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل تبلّغ من «تيار المستقبل» قراره بتأجيل الجلسة، فبادر إلى إبلاغ الرئيس نبيه بري الموجود في بروكسل، الأمر الذي استوجب سلسلة اتصالات هاتفية مكثفة بين رئيس المجلس النيابي من جهة وبين سلام من جهة ثانية، فيما كان الرئيس سعد الحريري يتابع من «بيت الوسط» مجريات المشاورات بتواصله المفتوح مع كل من مدير مكتبه نادر الحريري والرئيس سلام والوزير خليل.
وتمنى بري على سلام المساعدة لدى قيادة «المستقبل» في حماية الحوار، قائلاً له: لا يصح أن نساهم بأيدينا في خراب وطننا، داعياً إلى حماية الحوار «باعتباره أحد الإنجازات اللبنانية لتحصين السلم الأهلي ومنع الفتنة».
وفي الوقت نفسه، فتح علي حسن خليل خطوطه مع المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين الخليل الذي أبلغه منذ اللحظة الأولى أن المشكلة ليست عند الحزب بل عند الفريق الآخر.
وفيما طرح الحريري خلال «المفاوضات» تأجيل الجلسة، مقترحاً على بري أن يجتمعا فور عودته من بلجيكا للتداول في مصير حوار عين التينة، رفض بري هذا الطرح، وأصرّ على عقد الجلسة في موعدها، حتى ولو كانت مختصرة سواء في الوقت أو في عدد أعضاء الوفدين، واتفق مع الحريري على اجتماع عاجل فور عودته إلى بيروت نهاية الأسبوع الحالي.
وانطلق بري في إصراره على موقفه من خطورة الدلالات والتداعيات التي ستترتب على تأجيل جلسة الحوار في هذا التوقيت، «لأن عدم انعقادها سيعطي إشارة سلبية إلى مسار الوضع اللبناني وربما يترك انعكاسات سلبية على الحكومة والحوار الوطني»، لا سيما أن «حزب الله» الذي استجاب لمسعى بري قد يتخذ قراراً بالانسحاب من الحوار إذا قاطع «المستقبل» الجلسة المقررة (أمس).
وبعد مفاوضات مكوكية، تقرر عقد جلسة حوارية اقتصر حضورها على حسين الخليل ونادر الحريري بحضور علي حسن خليل، بعدما تبلغ وزيرا «حزب الله» حسين الحاج حسن و«المستقبل» نهاد المشنوق ونائبا «حزب الله» حسن فضل الله و«المستقبل» سمير الجسر، بأن الجلسة «ستكون مختصرة هذه المرة».
واستمرت الجلسة في عين التينة حوالي التسعين دقيقة وصدر عنها بيان مقتضب مفاده أن الاجتماع «بحث الأوضاع الراهنة».
وعُلم أن الوزير خليل أكد على أهمية استمرار الحوار خصوصاً أنه أثبت في محطات عدة فاعليته وقدرته على تدوير الكثير من الأمور لا بل شكّل رافعة للعمل الحكومي وللكثير من الخطوات التي تم اتخاذها، مشدداً على أن طاولة الحوار الوحيدة التي ظلت ملتئمة في المنطقة طوال السنوات الماضية هي طاولة الحوار الوطني اللبناني (الموسعة منذ 2006 والثنائية منذ نهاية العام 2014 حتى الآن).
وقدم نادر الحريري عرضاً سياسياً على خلفية تداعيات القرار السعودي الأخير وما أسماها «الإساءات» التي تتعرض لها السعودية في لبنان، فيما قدم حسين الخليل مداخلة عرض فيها وجهة نظر «حزب الله» من مجمل المشهد الإقليمي وخصوصاً الانخراط السعودي في مشهد الدم في العديد من ساحات المنطقة من اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق، محذراً من تداعيات الضغط السعودي على لبنان.
وكان لافتاً للانتباه أن المجتمعين اتفقوا على انعقاد الحوار «في جلسة مقبلة» من دون أن يحددوا موعدها أو صيغتها الجديدة، في انتظار اللقاء الموعود بين بري والحريري بعد عودة رئيس المجلس من زيارته الأوروبية، علماً أن المحاذير نفسها تسري على جلسة الحوار الوطني المقررة يوم الأربعاء في التاسع من آذار المقبل.
ومن مؤشرات الخطر على الحكومة والحوار والاستقرار مضي السعوديين ودول الخليج في إجراءاتهم المتصاعدة ضد لبنان، حيث طلبت كل من الكويت وقطر من مواطنيهما عدم التوجه الى لبنان ومن رعاياهما مغادرته فوراً.
واعتبر السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري بعد ساعات من اجتماعه، أمس، بالرئيس سلام بناء على طلب الأخير الذي حمّله رسالة شفهية للعاهل السعودي الملك سلمان، أن ما قامت به الحكومة اللبنانية «لم يكن كافياً وشافياً»، ورداً على سؤال لوكالة «فرانس برس» عما إذا كانت المملكة بصدد اتخاذ إجراءات إضافية قد يطال بعضها ترحيل اللبنانيين العاملين في السعودية، قال عسيري: «أتمنى ألا نصل إلى هذه المرحلة (الترحيل) وأن يُتخذ إجراء (من الحكومة اللبنانية) يرضي المملكة العربية السعودية وينهي المشكلة».
وكانت راجت معلومات صحافية في الخرطوم أن الحكومة السودانية تبلغت من وزير الخارجية عادل الجبير أن المملكة العربية السعودية قررت تجيير هبة الثلاثة مليارات دولار القاضية بتسليح الجيش اللبناني عن طريق الفرنسيين، للجيش السوداني، علماً أن شركة «أوداس» الفرنسية رفضت الإجابة عن سؤال مراسل «السفير» في باريس حول مصير الهبة السعودية.. وإمكان تحويلها الى دولة جديدة!