لا يبدو أن بيان مجلس الوزراء اللبناني، الذي صدر الاثنين، قد نجح ولو بنسبة ضئيلة في إقناع السعودية بوقف إجراءاتها العقابية بسبب انحياز المواقف الرسمية اللبنانية لإيران والرضوخ لإملاءات حليفها حزب الله.

ولم تغير مناشدات رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام، ورئيس الحكومة الأسبق وزعيم المستقبل سعد الحريري وغيرهما من “أصدقاء السعودية” قرار الرياض بحجب مساعداتها للبنان والتي تصل إلى أربعة مليارات دولار، خصوصا بعد البيان الحكومي اللبناني الذي جاء “متراخيا” مما كان سببا إضافيا للغضب السعودي.

في غضون ذلك أعلنت الحكومة الإيرانية التي تمول حزب الله عن استعدادها لتمويل الجيش اللبناني وتقديم مساعدة مالية للقطاع العسكري اللبناني.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) عن ممثل وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري قوله في بيان إن “طهران جاهزة للنظر في مسألة تقديم المساعدة الضرورية للبنان، إذا حصلت إيران على طلب رسمي منه”.

لكن ما يثير مخاوف اللبنانيين أكثر هو أن تتطور الإجراءات العقابية لتمس قطاعات حساسة في البلاد، وخاصة ما تعلق بالعمالة اللبنانية الموجودة في السعودية والتي تقدر بأكثر من 300 ألف عامل يمكن أن تؤدي عودتهم القسرية إلى أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة في لبنان الغارق بطبيعته في الأزمات.

وطالب السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري بأن لبنان يجب أن يعود إلى عروبته.

ورأى أن “الجهات التي تسعى إلى عرقلة العلاقات بين البلدين لا تعبر عن رأي اللبنانيين ولا عن لبنان”، مشيرا إلى أن “هناك شريحة تؤذي لبنان”.

وسيكون القطاع السياحي أول القطاعات تأثرا بالقرار السعودي بعد تحذيرات رسمية من الرياض لمواطنيها من مخاطر السفر إلى لبنان في ظل مناخ عدائي ضدهم يكرسه إعلام حزب الله والإعلام الذي يسير في ركابه.

وقالت وكالة الأنباء السعودية الثلاثاء إن وزارة الخارجية في المملكة حذرت مواطنيها من السفر إلى لبنان وحثت الموجودين هناك على مغادرته من أجل سلامتهم.

ومنعت الإمارات العربية المتحدة الثلاثاء مواطنيها من السفر إلى لبنان وخفض بعثتها الدبلوماسية فيه إلى الحد الأدنى، بحسب وكالة الأنباء الرسمية، في خطوة تعكس توافقا كبيرا مع السعودية حول تقييم الوضع في لبنان وسيطرة حزب الله عليه.

وكانت تسريبات قد أشارت في وقت سابق إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تدرس “جديا” سحب سفرائها من لبنان، وقطع العلاقات معها في ضوء المواقف المرتبكة لحكومة سلام، وفي ظل محدودية قدرتها على التأثير، وهو ما كشفه تواضع البيان الذي أصدرته الاثنين.

وسخر سمير جعجع رئيس حزب “القوات اللبنانية” من هذا البيان واصفا إياه بـ”بيان الشِعر”. وقال جعجع في مؤتمر صحفي عقده الثلاثاء، في مقر إقامته في معراب (شمال بيروت) إن “الأزمة في مكان والبيان في مكان آخر.”

وتابع “كان أجدى على الحكومة وضع أصبعها على الجرح، والتوجه إلى وزراء حزب الله بعدم اللعب بمصير اللبنانيين وبأمنهم ولقمة عيشهم”، متسائلا “أين هي الوحدة الوطنية من قتال حزب الله في سوريا ومن خوضه مواجهات شاملة على مستوى المنطقة ككل، وأين هي هذه الوحدة الوطنية من التهجم على السعودية؟”.

واعتبر محللون أن ارتباك المسؤولين اللبنانيين تجاه سيطرة حزب الله ستجعلهم في وضع صعب خاصة أن لا أحد يستطيع توفير الدعم الذي كانت تقدمه السعودية، وخاصة إيران التي اكتفت دائما بتمويل أنشطة الحزب على حساب لبنان.

واعتبر النائب خالد الضاهر في تصريح لـ”العرب” أن دعوة الرعايا السعوديين إلى مغادرة لبنان هي ردة فعل مشروعة على سياق متصل من قلة الوفاء، ومن الاعتداءات الإعلامية الضخمة، حيث أن هناك إعلاما كاملا يهاجم السعودية.

وأكد الكاتب السياسي وسام سعادة لـ”العرب” أن الهبة لم تكن مشروعا لوضع الجيش في عهدة السعودية، معتبرا أن “من يريد تسليح الجيش اللبناني فعلا لا ينتظر سحب الهبة السعودية ليبادر إلى ذلك.”

وختم بالتأكيد على “أنه لا يمكن لمن يسلح منظومة عسكرية خارجة عن الشرعية أن يبادر إلى تسليح الجيش لأن ذلك ضد مشروعه بالأساس.”

 

المصدر: العرب