أعلن وزير العدل اللبناني أشرف ريفي استقالته احتجاجاً على وجود «طرف مسلح يهيمن على قرار الحكومة»، في اتهام صريح لـ»حزب الله» باستعماله الحكومة اللبنانية في سياق ترسيخ مشروع دويلته، وختم ريفي بيان الاستقالة بالقول إنه «لن يتحول إلى شاهد زور»، و»لن يكون غطاء لمن يحاولون السيطرة على الدولة والمؤسسات».
قضيّتان رئيسيتان كانتا بمثابة الصاعق الذي فجّر استقالة الوزير اللبناني، الأولى هي قضية الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة الذي يحاكم بتهمة التخطيط لأعمال إرهابية، بالتنسيق مع أجهزة أمنية وسياسية نافذة في النظام السوري، والثانية هي إعلان السعودية وقف مساعداتها للجيش والأمن اللبنانيين وذلك بعد مواقف عديدة معادية للرياض من قبل وزارة الخارجية اللبنانية.
الجهة المسؤولة عن هاتين القضيتين (وأغلب القضايا السياسية والعسكرية في لبنان) هي بالطبع «حزب الله» الذي فرض وجوده على الدولة والكيان اللبنانيين ووظفهما في مواقفه، بدءاً من تدخّله العسكريّ المباشر في الحرب الدائرة في سوريا دعماً للنظام، مروراً بانخراطه العضوي في تنفيذ خطط إيران السياسية والعسكرية في اليمن والبحرين والعراق، وليس انتهاء بتجميده لانتخاب رئيس للبنان، وقيادته اليوميّة لتفاصيل الحراك السياسي والأمني هناك والذي كان إطلاق سراح ميشال سماحة أحد نقلاته الشديدة التعبير عن خريطة النفوذ الكبير للحزب في لبنان، ومنطقة المشرق العربي… وما بعد بعد منطقة المشرق.
لكنّ قصر حركيّة الحزب على ما يجري في سوريا والمنطقة ككل، يتجاهل الدور الكبير الذي لعبه في معادلة الصراع مع إسرائيل، والذي ما يزال يتمظهر بغارات تل أبيب التي لم تنقطع على قيادات لـ»حزب الله» داخل سوريا، والتي يرد عليها الحزب، تحديداً، في «مزارع شبعا» اللبنانية المحتلّة، وهو ما يعني أن انسحاب إسرائيل من تلك القرية، لو حصل، سيطوي الصراع معها، كما انطوى الصراع في الجنوب اللبناني بعد انسحابها من هناك، وبالتالي، لا يعود للحديث عن فلسطين، وهي قضية سياسية أساسية في سرديّة الحزب عن نفسه، من معنى.
مقارنة بانخراطه الهائل في الدفاع عن نظام وحشيّ ومستبدّ، فقد انخفض وزن مساهمة الحزب ضد إسرائيل، ولكن هذه المساهمة، على ضآلتها، تعتبر المساهمة العسكرية العربية الوحيدة في نضال الفلسطينيين ضد تل أبيب، وهي، لهذا السبب بالذات، تحمل معنى رمزيّاً لا يمكن إنكاره، وتحفظ للحزب بعضاً من المصداقية التي بناها، على مدار السنين، في الضمير الشعبي العربي الكاره، بدون تحفّظ، لإسرائيل.
غير أن سكوت الدفاعات الجوّية للنظام الذي يضحّي الحزب من أجله بمئات المقاتلين، عن غارات تل أبيب على مسؤولي الحزب على الأراضي السورية، وإهمال دمشق حتى مقولة «الرد في الوقت المناسب»، والتواطؤ العسكري الروسيّ الواضح مع إسرائيل، إضافة إلى تعطيل الدولة اللبنانية، واستخدامها منصّة للهجوم على السعودية ودول الخليج العربي، والضغط لإطلاق أشخاص ثبت إرهابهم وإجرامهم كميشال سماحة، أمور تسائل صدقيّة القتال ضد إسرائيل، وتشير إلى أن الحزب صار أداة تنفيذية في لعبة كبرى للسيطرة على المنطقة، تُهدر فيها أرواح جنوده وعناصره على أحلاف ملتبسة، تتآكل، فيها القضية المركزية التي أسس عليها الحزب أسطورته السياسية لدى الشعوب العربية.
يمكن هنا، لإظهار الالتباس في الموضوع الفلسطيني لـ»حزب الله» إعادة التذكير بدور الحزب في دعم إطلاق العميد فايز كرم، الذي كان جاسوسا لإسرائيل في لبنان، وذلك حفاظاً على مصالحه مع تيار «التغيير» ورئيسه العماد ميشال عون.

  المصدر: القدس