رغم التزام «حزب الله» سياسة «السكوت من ذهب» في مقاربةِ ملف الانتخابات الرئاسية ومستجدّاته في ضوء الدينامية التي أحدثتْها عودة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى بيروت في 14 الجاري ورسْمه معادلة «نزول الجميع الى البرلمان والاحتكام الى اللعبة الديموقراطية وسنهنئ الفائز اياً يكن»، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري تولّى، على طريقته، قطْع الطريق على المناخ الذي أوحى بمحاولات لجعل جلسة 2 مارس المقبل الانتخابية تفضي الى مفاجآت من خلال توفير النصاب العددي لانعقادها (86 نائباً) بمعزل عن اكتمال «النصاب السياسي» الذي يشكّل «حزب الله» عنصر التوازن الثاني فيه.

وفيما كانت تقارير تغرق في الحديث عن استطلاع لعدد النواب الذين قد يحضرون جلسة 2 مارس بالاستناد الى «التحفيز» الذي جرى للملف الرئاسي نتيجة الحِراك الكثيف للحريري وتأكيد التزامه حتى النهاية بدعم مرشّحه النائب سليمان فرنجية، وعدم وجود «فيتو» على اي مرشّح بما في ذلك العماد ميشال عون، الذي تبنى ترشيحه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع والذي يؤيّده «حزب الله»، فإن رئيس البرلمان عاود وضْع هذا الاستحقاق في سياقه الداخلي الذي يقوم على توافقات تتكئ بدورها على تفاهمات اقليمية تبدو بعيدة المنال في هذه الايام، وذلك من خلال كلامه على انه «حتى الآن لا مؤشرات إيجابية متوقّعة لجلسة 2 مارس رغم كلّ المساعي الجارية»، معتبراً أنّ عودة الحريري «أحدثت حراكاً سياسياً وأكّدت ضرورة الحاجة الى التوافق»، ومتداركاً رداً على سؤال حول اذا كانت الحركة الداخلية تعيد الاستحقاق الرئاسي إلى «اللبنَنة» أم سيظلّ أسير وضع المنطقة: «لا تُحسِنَنّ الظنّ كثيراً باستقلالنا».

على ان الإشارة الأبرز في مواقف بري تمثّلت في تعليقه على موضوع «الحلف الرباعي» (بين بري والحريري والنائبين وليد جنبلاط وسليمان فرنجية) الذي بدأ البعض يتحدّث عنه في شأن انتخابات رئاسة الجمهورية وامكان ان يوفّر نصاباً عابراً للطوائف لجلسة 2 مارس، حيث أكد ان «لا حلف رباعياً ولا غير رباعي ولا اصطفافات في موضوع الاستحقاق الرئاسي»، وهو الأمر الذي كرّس من جهة مفهوم رئيس البرلمان للاستحقاق الرئاسي على انه لا يُحسم بالأصوات بل بالتوافق السياسي، والأهمّ انه حسم ما هو محسوم أصلاً من ان بري ليس في وارد التفرّد بأي خيار في الملف الرئاسي «من عيارِ» المساهمة في الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي من خارج الرؤية الاستراتيجية التي يقارب من خلالها «حزب الله» هذا الملف.

ولم تقلّل هذه الخلاصة من الوقائع الجديدة التي أفرزتْها حركة الحريري الضاغطة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي «بالانتخاب» وبمعزل عن مسار التعطيل المتمادي وعن اي «فيتوات»، وذلك على خطيْن: الاول داخلي حيث استعاد هذا الملف زخمه منذراً ابتداءً من جلسة 2 مارس بـ «تعرية» مَن يمعنون في إطالة عمر الفراغ في السدة الاولى تحت عنوان رفْض النزول الى جلسة لا تكون نتيجتها معروفة سلفاً لمصلحة العماد عون. والثاني خارجي حيث عادت الانتخابات الرئاسية الى الواجهة مع المطالبات بإنجاز هذا الاستحقاق «وفق أحكام الدستور وبلا مزيد من التأخير» كما عبّر السفراء الاوروبيون خلال لقائهم رئيس الحكومة تمام سلام، وذلك لقطع الطريق على انزلاق لبنان الى «المحظور» بحال تمادى «تآكُل» المؤسسات تحت وطأة الضغط الهائل الذي يشكّله ملف النازحين السوريين والمخاطر التي قد يحملها اي تسخين اضافي في الأزمة السورية.

ويُنتظر ان يُتوَّج الاهتمام الدولي بلبنان واستقراره بزيارة يُرجح ان يقوم بها الأمين العام للامم المتحدة بان كي - مون ومسؤول دولي كبير لم تستبعد «وكالة الأنباء المركزية» ان يكون رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم لبيروت الشهر المقبل من ضمن جولة تشمل عددا من دول المنطقة للوقوف على التطورات السياسية والعسكرية والاطلاع عن كثب على المستجدات، في ضوء حركة النزوح السوري.

الراي