يعكس تضارب المواقف الأميركية وتناقض تصريحات مسؤوليها حول التدخل البري في سوريا، غياب استراتجية واضحة لإدارة أوباما في التعاطي مع الملف السوري.

ففيما لمحت وزارة الدفاع (البنتاغون) إلى إمكانية الرد “إن دعت الحاجة” في حال لم تلتزم موسكو بوقف الأعمال العدائية، دون أن توضح طبيعة هذا الرد مثل عهدها، قالت الخارجية الأميركية إنه ليست لدى البيت الأبيض أي خطط لعمل عسكري في سوريا.

وكانت الولايات المتحدة قد اتفقت والمجموعة الدولية حول سوريا من بينها روسيا على وقف الأعمال العدائية في اجتماع عقدته على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ الألمانية الأسبوع الماضي، بعد التصعيد الجوي الروسي الذي مكن الجيش السوري من إحراز تقدم مهم في حلب.

ويثير هذا التضارب الأميركي الذي لم يقتصر فقط على التصعيد الروسي الأخير في سوريا بل صاحب كل محطات الأزمة السورية، غضب الحلفاء وبخاصة تركيا والمملكة العربية السعودية وبدرجة أقل فرنسا.

وتطالب تركيا والسعودية بتولي واشنطن قيادة دفة عملية برية في سوريا، وهو الأمر الذي تتهرب الأخيرة من الالتزام به.

ولا ينحصر الالتباس في المواقف الأميركية فقط في التصعيد الروسي الذي يهدد بقلب موازين القوى كليا على الساحة السورية، بل أيضا في علاقة بالأكراد.

ففيما تعتبر واشنطن نفسها حليفا استراتيجيا لتركيا العضو بحلف شمال الأطلسي، إلا أنها لا تجد أي حرج في استمرار دعم الوحدات الكردية التي تعتبرها أنقرة الفرع السوري لمنظمة حزب العمال الكردستاني التي تصنفها تنظيما إرهابيا.

وقد طالبت واشنطن في اليومين الأخيرين تركيا بوقف قصفها للوحدات، وهو ما يزيد من الحنق التركي.

وأعرب، الأربعاء، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استغرابه من المواقف الأميركية المتناقضة.

وانتقد أردوغان النهج المزدوج للولايات المتحدة حيال تعاملها مع الأكراد في سوريا، قائلا “إننا نقوم بما يترتب علينا لمن نعرف أنهم أصدقاء، ولكن على من لا يروننا كأصدقاء أن يصرحوا بذلك بشكل واضح”.

وأضاف الرئيس التركي “البارحة ذكر أحد المسؤولين (الأميركيين) أنهم سيواصلون دعم الوحدات، إلا أنه ينبغي عليها أن لا تصعّب علينا مكافحتنا ‘لتنظيم داعش’، فهذا نهج خاطئ من أساسه”.

وأشار أردوغان إلى أن بلاده لن تتابع عن بعد كباقي البلدان، السياسة التي تتبعها الذراع السورية للتنظيم الإرهابي الانفصالي “بي كا كا”، مبينا أن موقف تركيا حيال مكافحة الإرهاب في الداخل، هو ذات الموقف المتبع بخصوص التطورات على الجانب السوري من الحدود.وأعرب أردوغان عن استيائه من طلب جهات (لم يسمها) من تركيا وقف القصف في سوريا، قائلا “ألسنا حلفاء ونتحرك معا؟ ماذا حدث حتى تطلبون منا وقف قصفنا لـ ‘ب. ي. د’’؟. نحن لا نفكر بوقف هذا القصف”.

ويرى محللون أن الموقف الأميركي المتخبط في سوريا سواء لجهة الأكراد أو في علاقة بالتصعيد الروسي وعدم القدرة على لجمه، سيكلف واشنطن كثيرا.

واعتبر هؤلاء أن الولايات المتحدة ومنذ تولي الرئيس بارك أوباما السلطة اتسمت إدارتها للملفات الخارجية بكثير من التخبط والازدواجية مع جعلها تفقد ثقة الحلفاء في المنطقة واحترامهم.

ويقول الكثيرون إن الرئيس الأميركي باراك أوباما أخطأ كثيرا برفضه التدخل بشكل كبير في سوريا، مفضلا تطبيق وعده الانتخابي في العام 2008 حرفيا، ويقضي بسحب الولايات المتحدة من نزاعات الشرق الأوسط بعد تجربة العراق الكارثية وتركيز سياسته على منطقة آسيا- المحيط الهادئ التي أصبحت تشكل أولوية في السياسة الخارجية الأميركية.

وصدرت الانتقادات الأشد ضد واشنطن، الثلاثاء، من باريس، “أقدم حليفة” للولايات المتحدة التي لم يرق لها أبدا عدول أوباما في صيف 2013 في اللحظة الأخيرة عن ضرب نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وذكر وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس في حديث مع إذاعة “أوروبا1” أنه “في أغسطس 2013، استخدم بشار الأسد أسلحة كيميائية، وقال الرئيس أوباما ‘في حال استخدام أسلحة كيميائية فسيكون ذلك خطا أحمر’، وتم تجاوز الخط الأحمر من دون حصول أي رد فعل”.

وأضاف الوزير السابق “حين يكتب التاريخ، سيعتبر ذلك منعطفا ليس فقط في أزمة الشرق الأوسط وإنما أيضا بالنسبة إلى أوكرانيا والقرم والعالم”، معبرا عن أسفه لـ”الالتباس” في مواقف الأميركيين وعدم “التزامهم بشكل قوي جدا” في النزاع السوري.

وفي واشنطن أيضا، ترتفع أصوات متزايدة ضد الإدانات الشكلية للدبلوماسية الأميركية، إذ اكتفت وزارة الخارجية الأميركية، الاثنين، بالتنديد “بوحشية نظام الأسد”، وشككت في “رغبة روسيا في وقفها”.

وقال جوناثان شانزر من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في تغريدة على تويتر إن “مؤرخين سيفتحون في أحد الأيام محفوظاتنا وسيتساءلون عما نعتقد أننا أنجزناه بمثل هذه التصريحات”.

لكن الإدارة الأميركية ترفض هذه الانتقادات، وتؤكد أن التحالف العسكري الذي تقوده منذ 18 شهرا ويضم 65 دولة نفذ الألاف من الغارات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.

كما تقول إن وزير الخارجية جون كيري المعروف بتفاؤله، قاد عملية دبلوماسية ناجحة أفضت إلى اتفاق ميونيخ على وقف العدائيات.

لكن هذا الوقف للقتال يبدو يوما بعد يوم بعيد المنال مع تكثيف حملة الضربات الجوية الروسية في شمال سوريا ودخول تركيا على الخط، وهو ما تبدو الولايات المتحدة عاجزة عن وقفه.

وردا على سؤال، الثلاثاء، عما إذا كان يشعر بأن الرئيس الروسي “خدعه” بعدما كثفت موسكو الغارات الجوية التي تشنها دعما لقوات النظام السوري في هجوم واسع النطاق بدأ منذ اسبوعين، قال أوباما “الأمر ليس مسابقة بيني وبين بوتين”.

وحذر من احتمال أن تكون موسكو قد غرقت في “مستنقع” يستنزف مواردها المالية والعسكرية حين بدأت في 30 سبتمبر بشن غارات جوية في سوريا.

ويتوقع محللون أنه ورغم الضغوط المسلطة على إدارة أوباما والانتقادات المتزايدة حول كيفية تعاطيها مع الملف السوري، فإن ذلك لن يغير من مسلكها القائم على “مجاراة الأمور بدل حسمها”.