قدمت هيئة التنسيق النقابية أو ما يعرف بالحركة التعليمية نفسها على المسرح النقابي أخيراً أنها المدافعة عن حقوق الفئات الاجتماعية وعن معيشتها، فتقمصت مع نقابة المعلمين دوراً ليس لهما ولا ينسجم مع وظيفتهما كحركة نقابية تعليمية، وفي رفع مطالب المعلمين والدفاع عن حقوقهم والتحرك عندما تكون الظروف مناسبة والمناخات مؤاتية لتحقيق المطالب والضغط لانجاز مشاريع تطوير التعليم وتعزيزه. وكأن هيئة التنسيق تلبس رداء الاتحاد العمالي، في حين أنها في تركيبتها الراهنة لا تستطيع أن تنتقل من الموقع المطلبي التعليمي الى موقع يحمل مشروعاً تغييرياً لا علاقة له بوظيفتها، خصوصاً وأن وزنها غير المؤثر اليوم لا يسمح بحمل مطالب الفئات الاجتماعية ولا بقيادتها.
شكلت هيئة التنسيق النقابية في مرحلة سابقة حركة مطلبية نشطة، لكنها لم تتحول حركة نقابية فاعلة ومتماسكة بعيداً من التدخل السياسي، وقد أصاب الاهتزاز بنيتها أخيراً، ووصلت الى حد التفكك، بعدما فقدت الكثير من بريقها والقدرة على التحرك والضغط، بعدما صارت تحت رحمة القوى السياسية، ورغم ذلك تنتدب نفسها لمهمة تاريخية، وهو أمر ليس ممكناً اجتماعياً، طالما أنها لا تعبر عن مطالب الناس ولا تنطق بإسمها في مجلس النواب، فترفع السقف في ساحة ليست ساحتها، وكأننا في مرحلة النهوض العمالي القادرعلى الضغط لمنع الحكومة من رفع سعر البنزين. يرتد الأمر الى ارضها، تهتز وتفرّق مكوناتها، بعدما بلغ التدخل السياسي أوجه، توظيفاً من جهة ورعاية من جهة أخرى، لتقف الهيئة مجدداً أمام منعطف مصيري يتعلق بمستقبلها، ما لم تعد النظر بأدائها وتضع جسمها على مشرحة النقد، وتقرأ جدوى تحركاتها المقبلة، وشعاراتها وتقيس الخسائر والارباح، وعلاقتها مع القوى السياسية والطائفية، الى حجم قدرتها على انتزاع الحقوق، وإزالة الأوهام ايضاً.
لا نفهم ما الذي جعل هيئة التنسيق تهدد وتتوعد بالنزول الى الشارع والاضراب في المدارس الرسمية والخاصة ضد رفع سعر صفيحة البنزين، فيما تغيب لا بل تتجاهل أولوياتها في الحقل الذي يعنيها، أي التعليم وحقوق المعلمين ومختلف القضايا المرتبطة بهما نقابياً ومطلبياً وأكاديمياً. وقد تصل الحركة النقابية التعليمية اذا قدر لها ان تتحول الى موقع نقابي فعلي، يوماً أن يكون لها تأثير ضاغط في مسار السياسات الاقتصادية والمالية، ومواكبة حراك عمالي نقابي فاعل، أما أن تقدم نفسها بديلاً عنه من دون أن ترى مكامن ضعفها فستتكبد المزيد من الخسائر والنزف والاحتراق. الإصرار على الخطاب ذاته والشعارات عينها، لا ينفعان، وعليها أن تدرس متى تخوض معاركها الناجحة، حين تضطر الى خفض السقف هنا، ورفعه هناك، وبين بين في منعطفات خطرة، وقراءة اللحظة السياسية التي تضطر فيها الى إرجاء مطالبها لربط نزاع آخر. وعليها أن تتواضع أيضاً وتعود الى موقعها النقابي التعليمي الأول!