طرح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إصلاحا هيكليا في الحكومة العراقية يتضمن الاعتماد على وزراء تكنوقراط بدلا من وزراء الأحزاب الدينية، بعد قرار المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بالنأي عن التدخل في الشأن السياسي.

وأرغمت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن التراجع الحاد في أسعار النفط العبادي على إعلان تغييرات وزارية محتملة تشمل تعيين تكنوقراط وأكاديميين بدلا من الوزراء الذين عينوا على أساس انتماءاتهم السياسية.

ولم يذكر تفاصيل بشأن توقيت التغييرات أو أسماء الوزراء الذين ينوي التخلي عنهم، لكنه تعهد باتخاذ قرارات قريبا تشمل تلك المتعلقة بمكافحة الفساد.

ويرى مراقبون أن رئيس الوزراء العراقي يسعى إلى استثمار ابتعاد المرجعية عن الشأن السياسي للعودة إلى الإصلاحات التي سبق أن شرع فيها في الصيف الماضي والتي قابلتها عراقيل كثيرة من بينها عراقيل من الأحزاب الدينية التي احتمت بالسيستاني لوأد تلك الإصلاحات تحت مبررات مختلفة، وخاصة سعيه إلى الحد من سيطرة ميليشيا الحشد الشعبي ومحاولات استحواذها على مهمة القوات العراقية في تحرير الأراضي التي يحتلها داعش.

ويهدف العبادي إلى تشكيل حكومي جديد يتولى تنفيذ خطته للإصلاح، وفتح ملفات الفساد مع المسؤولين بمختلف مهامهم وأحزابهم، وهي خطة لا ينفذها إلا وزراء محايدون وغير حزبيين.

ورغم أن المرجعية حرصت على إظهار دعمها في البداية لإصلاحات العبادي إلا أن ذلك الدعم لم يتحول إلى فعل. وعزا المراقبون ذلك إلى مخاوفها من أن يكون هدف خطط رئيس الوزراء تقليص سيطرة الأحزاب الدينية على الحكومة، فضلا عن أن جدية الحرب على الفساد ستقود إلى توريط تلك الأحزاب المسنودة من السيستاني.

ومن الواضح أن المرجعية لم تكن لتدعم إصلاحات قد تقود إلى تجريدها هي نفسها من صلاحياتها، مثل السيطرة على الأحزاب والحكومة والتحكم في سياساتها الداخلية والخارجية، والتمسك بالمحاصصة الطائفية. وهذا ما يفسر صمتها على الانتقادات الواسعة التي تعرض لها رئيس الوزراء رغم انتمائه إلى حزب الدعوة أحد مكونات التحالف الحزبي الذي يدير الحكومة.

وقال العبادي “كان طموحنا أن تتضافر جهود جميع السياسيين والكتل السياسية والنواب في العمل… غير أن ذلك لم يتحقق على نحو جازم وواضح وجوبهنا بحملة تشويه لم نرد عليها تغليبا للمصلحة العامة”.

واعتبر واثق الهاشمي رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية، وهي مؤسسة بحثية، أن قرار العبادي بتعديل حكومته يضعه في مواجهة جماعات سياسية قوية بما في ذلك جماعات في تحالفه الحاكم، سحبت دعمها لإصلاحاته في العام الماضي لعدم تشاوره معها.

ولفت مراقبون إلى أن التغيير الذي ينشده العبادي سيصطدم برغبة الأحزاب والكتل السياسية في الإبقاء على نظام المحاصصة. وهو النظام المسؤول عن تعطيل حزمة الإصلاحات التي تقدم بها العبادي نفسه صيف عام 2015 في محاولة استباقية منه لإيقاف عجلة التدهور الاقتصادي الذي كان متوقعا في ظل الهبوط المستمر لأسعار النفط الذي تشكل إيراداته العمود الفقري للاقتصاد العراقي.

وكما يبدو فإن رئيس الوزراء العراقي قد تأخر كثيرا في طرح معالجاته، ذلك لأن وزير المالية هوشيار زيباري كان قد دق ناقوس الخطر قبل أشهر حين أعلن أن الدولة ستكون عاجزة عن دفع رواتب الموظفين بحلول شهر أبريل القادم. وهو ما فتح الباب محليا على التكهنات التي ذهب بها إلى التلويح بإقالة حكومة العبادي وإقامة حكومة إنقاذ وطني، بزعامة عمار الحكيم. وهو ما يعني المحافظة على نظام المحاصصة مع شيء من الرشاقة.

وقال مراقب سياسي عراقي “قد لا ينجح التحالف الوطني في إنقاذ زعامته لنظام المحاصصة الطائفية من غير أن يتقدم بمشروع وطني. وهو ما أجده مستحيلا في ظروف لا يزال العراق فيها محكوما بالاستقطابات الطائفية”.

وكانت بعض الأخبار غير المؤكدة قد تحدثت في وقت سابق عن محادثات تجرى مع عدد من البعثيين لتشكيل حكومة وفاق، لا تهمش أحدا من التيارات المعارضة المعتدلة التي ترغب في الانضمام إلى العملية السياسية.

وكانت الأخبار نفسها قد أشارت إلى ترشيح عادل عبدالمهدي، وزير النفط الحالي رئيسا للحكومة المرتقبة، باعتباره من الشخصيات السياسية التي سبق لها وأن عملت في صفوف حزب البعث قبل أن ينتقل إلى الأحزاب الدينية.

وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب”، “لا أعتقد أن سيناريو الأحداث سيجري بعيدا عما تفكر فيه الإدارة الأميركية من تغيير قد يؤدي إلى تشكيل حكومة تتألف من عسكريين سابقين وخبراء في قضايا الأمن والاقتصاد. وهي حكومة ستقبل بها الكتل السياسية مضطرة، غير أن تشكيل تلك الحكومة لن يتم إلا بعد إلغاء الحشد الشعبي الذي يمثل اليوم القوة المعارضة الوحيدة”.

وكانت زعامات الحشد الشعبي وبتحريض من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قد مارست ضغوطا على رئيس الوزراء الحالي من أجل وقف إصلاحاته أو إلغائها. وهو ما نجحت فيه إلى حد بعيد.

 

المصدر: صحيفة العرب