قالت "المستقبل" إنه بين قيود التعطيل ومكابح التكبيل تترنح آلية عمل الدولة وتُستنزف قدراتها ومقدّراتها على غير صعيد مؤسساتي وحياتي واجتماعي واقتصادي ومالي، حتى بات العجز مرادفاً لها والشلل أحد أبرز سمات دورة "الحياة" فيها.

ورأت "اللواء" أن ما آلت إليه جلسة مجلس الوزراء المالية أمس، ينطبق عليها المثل السائر: "فسر الماء بعد الجهد بالماء"، أي ان الحل للخروقات الكبيرة بين النفقات الاخذة بالتزايد والايرادات الاخذة بالتناقص هو بإقرار ميزانية الدولة لضبط حالات الانفاق، قبل البحث بزيادة الرسوم والضرائب على صفيحة البنزين أو سواها.

وحاذرَ مجلس الوزراء في جلسته أمس وفق "الجمهورية" البحثَ في اقتراح فرض زيادة على سعر صفيحة البنزين، فانفرجت أسارير الاتحاد العمّالي العام الذي علّق ونقابة المعلمين إضرابَ اليوم، إلّا أنّه أكّد الاستعداد "لاتّخاذ الخطوات السلبية والتصعيدية في حال إقدام الحكومة على فرض ضرائب جديدة تطاول أصحاب الدخل المحدود".

ولفتت "المستقبل" إلى أنه بالأمس اجتمعت الحكومة لاستعراض أوضاع مالية الدولة ومكامن "الكربجة" الحاصلة فيها، وفي خلاصة البحث والنقاش حول الوضع المالي العام العالق بين "مطرقة" ارتفاع منسوب الإنفاق و"سندان" تراجع حجم الواردات والمداخيل، لم يعد في الأفق من حلول إنقاذية ناجعة لتسيير عجلة الدولة وإعادة الانتظام لماليتها العامة سوى حل وحيد وأكيد: الموازنة.

من جهتها، أشارت "النهار" إلى انه وسط عودة الحراك المدني الى الشارع ومع تصاعد الرفض لفرض ضرائب جديدة، تجنب مجلس الوزراء الاتجاه في المسالك الوعرة ولم يثر موضوع الضرائب إلاّ من باب النقاش المبدئي المتصل بوضع المالية العامة المتعبة وهو النقاش الذي طغى على جلسة البارحة عاكساً واقع الاولويات المالية المتزاحمة بحثاً عن تمويل سريع وضروري. وتميزت الجلسة بكونها تحولت أشبه بمراجعة عامة وشاملة للملف المالي للدولة مع كل ما ينطوي عليه من ضغوط لم تعد تحتمل تسويفاً وانتظاراً.

وعلى طاولة مجلس الوزراء، قدّم وزير المالية علي حسن خليل بحسب "المستقبل" عرضاً مفصلاً عن الوضع المالي مبّيناً الأرقام المتعلقة بمجموع الإنفاق وبقيمة الاحتياطي المتوفر، فشرح لارتفاع الإنفاق مقابل عدم ارتفاع الواردات بالنسبة نفسها، لافتاً الانتباه إلى أنّ أيّ إنفاق إضافي سيزيد قيمة العجز مع ما يقتضيه ذلك من ضرورة أن يقابل أي إنفاق إضافي وجود مداخيل إضافية.
وإذ نقلت مصادر وزارية لـ"المستقبل" أنّ خليل أكد على أهمية إقرار الموازنة العامة لانتظام الوضع المالي في الدولة، أشارت في المقابل إلى أنّ أعضاء المجلس وبناءً على العرض الذي قدّمه أمس "اتفقوا على وجوب إنجاز موازنة العام 2016 أو تشكيل لجنة وزارية لطرح الحلول البديلة" فضلاً عن التشديد على وجوب ترشيد الإنفاق ووقف الهدر ومحاربة الفساد وتفعيل أجهزة الرقابة، مؤكدةً في الوقت عينه أنّ أحداً من الوزراء لم يطلب زيادة سعر صفيحة البنزين. وأوضحت أنّه لا مفر من وجوب إقرار الموازنة العامة "لتبيان مصاريف الدولة ومداخيلها التي من دونها لا يمكن اتخاذ القرارات المالية الملائمة".

كما أوضحت مصادر وزارية لـ"اللواء" ان وزير المال لم يقدم عرضاً مالياً بمعنى العرض، وانه اكتفى بالاشارة إلى ان هذه السنة يجب ان تكون مخصصة لمشروع الموازنة وأن المبلغ المعروض هو 23 ألف مليار، وأن هناك حاجة إلى إقرار سلسلة قوانين تتصل بتغطية مشاريع القوانين التي وفق المصادر لا تغطي سوى 180 مليار. ولفتت المصادر إلى ان غاية الجلسة أمس كان للاضاءة على أهمية تشريع الانفاق، ما يعني انه من غير الممكن انفاق أي زيادة من دون أي مشروع قانون، وهو أمر يستدعي انعقاد مجلس النواب. وقالت ان الوزير صور الأمر وكأن هناك كارثة مالية، في حين ان المسألة غير هكذا، مؤكدة ان حالة الدولة المالية ليست صحيحة من الناحية الإدارية فقط وأن الوزير أوحى بشكل غير مباشر إلى أهمية انعقاد المجلس النيابي. ونفت ان يكون وزير المال قدم  خطة للحجم الانفاق أو ما يعرف بالـ"cost redution policy"، معتبرة ان لا خطط واضحة ولا أرقام محددة طرحت. ورأت المصادر انه كان الاجدر عند الحديث عن التجزئة في المناقصة في بعض الوزارات الإشارة إلى الإيرادات، لكن ذلك لم يحصل وأن هناك مبالغ كان يفترض ان تكون دخلت في التوفير جرّاء انخفاض أسعار النفط العالمية، فأجمالي الانفاق في العام 2014 بلغ 13952 مليار وفي العام 2015 بلغ 13116 مليار فيما معناه ان تأثير الانخفاض بلغ 2 في المائة وكان يجب ان يكون 14 في المائة.

في هذا الاطار، قال خليل لـ"الجمهورية": "قمتُ بعرض للواقع المالي من دون اقتراحات، وأبلغتهم انّ الحلّ الوحيد هو بإقرار الموازنة، لأنّ ايّ إنفاق جديد يجب أن يأتي في إطار واضح تتحدّد مقابله واردات جديدة، فوزارةُ المال ليس لديها مشكلة صرف إنّما المشكلة في الوضع المالي عموماً، ومِن بين المشكلات الالتزام بسقف الإنفاق، الالتزام بالقاعدة الاثنَي عشرية، الالتزام بعدم استخدام الزيادة عن الاحتياط المتوافر، تأمين توازن مالي حتى لا نحمّل الدولة اعباء أكثر ونرفع نسبة العجز ما يضطرّنا الى زيادة المديونية، والحلّ هو بتحديد سياسة ماليّة واضحة للدولة تبدأ بإقرار موازنة الـ 2016 التي أنجزتُها منذ مدّة ورفعتها إلى رئاسة مجلس الوزراء، ولا ينقص سوى أن ننكبّ على درسها وإحالتها الى مجلس النواب".

في المقابل، لفت مصدر وزاري لـ"اللواء" ان ما شدد عليه وزير المال خلال مداخلته هو مشكلة تشريع الانفاق، ومشكلة قدرة الدولة على الانفاق. واشار الى ان ما اعلنه خليل بالنسبة لتشريع الانفاق هو في اطار احراج بعض الكتل المعارضة لحضور جلسات التشريع قبل انتخاب رئيس لكي يحضروا هذه الجلسات ورمي الكرة في ملعبهم وهذا ليس في وارد هذه الكتل كما قال المصدر، الذي لفت الى دقة الوضع المالي والاتفاق على ان اي انفاق يزيد العجز المالي، من هنا رأى المصدر ضرورة وقف الموافقة على اي سلف للخزينة ووقف الهدر في مؤسسات الدولة.

وأبلغت مصادر وزارية "النهار" ان مجلس الوزراء خاض في نقاش مالي مستفيض لوضع المالية العامة انتهى الى خلاصة واحدة هي انه لا يمكن معالجة الخلل المالي الا بإقرار الموازنة، وحيث ان اقرارها يحتاج الى قرار سياسي، تقرّر ان يقوم وزير المال علي حسن خليل بجولة على القوى السياسية، تأميناً لهذا القرار كي تباشرالحكومة تخصيص سلسلة جلسات لمناقشة مشروع الموازنة واقراره.
وأوضحت مصادر "النهار" أن معظم الوزراء رفضوا مبدأ فرض ضريبة على صفيحة البنزين، لكنهم عادوا وتحدّثوا عن ضرورة ايجاد موارد مالية لكل انفاق جديد تحتاج اليه الدولة، وذلك بعد الاطلاع على الارقام التي عرضها وزير المال وبيّنت مبالغ الانفاق الذي يرتفع، والواردات التي تنخفض، مشيراً إلى زيادة في العجز تستدعي مداخيل اضافية لمالية الدولة. وأثار الوزراء جبران باسيل وارتور نظاريان والياس بو صعب قيمة الوفر الذي حققته مالية الدولة بفعل انخفاض الفاتورة النفطية، بقيمة مليار ونصف مليار دولار في السنة منذ العام 2014. فجاء الردّ بان تراجع سعر صفيحة البنزين أدى الى خفض الواردات المحقّقة من الضريبة على القيمة المضافة. إلاّ أن وزراء اعتبروا أن المبلغ الذي خسر في الضريبة على القيمة المضافة لا يقاس بالمبالغ التي تحققت بانخفاض الفاتورة النفطية. كما أثار عدد من الوزراء، وخصوصاً وزراء الكتائب مكامن الهدر والفساد والتهرب الجمركي، وتغييب المؤسسات الرقابية، و سألوا عن حجم فاتورة الفساد في المشاريع الاستثمارية الاستنسابية.

• قال وزير الاقتصاد ألان حكيم إن قيمة الفساد والهدر في الدولة اللبنانية هي بنسبة 32 في المئة من موازنة الدولة، أي ما يوازي خمسة مليارات دولار في السنة، ويضاف اليها ثلاثة أو أربعة مليارات هي فرص مالية ضائعة،يمكن معالجتها بتحسين الجباية، وتحسين الايرادات وخصوصاً في الدوائر العقارية وفي السياسة الضريبية وبتنشيط الهيئات الرقابية ولا سيما منها ادارة المناقصات التي تغيّب عن معظم المشاريع والتلزيمات.

• قال وزير العمل سجعان قزي لـ"الجمهورية": "نجَحنا في تجميد اقتراح فرض ضرائب على البنزين، على الأقلّ في المرحلة الراهنة، وأساساً هذا الاقتراح لم يأتِ من وزير المال. لكنّ هذا التجميد يحتّم ان نعود الى وضع موازنة للسَنة الحالية لأنّ هذ الامر يَجعل الامور واضحة والمشاريع محدّدة، ويكون هناك توازن بين الإنفاق والمداخيل، عوضاً عن ان يبقى الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية الذي يَخلق التباسات على صعيد التمويل، لكنّ هذا الامر لن يتقرّر قبل إجراء اتّصالات سياسية لضمان إقرار الموازنة".

• علّق الوزير رشيد درباس عبر "الأخبار" على الجلسة بالقول إن "المطلوب من الحكومة أن تفعل كل شيء، وهي لا تستطيع فعل شيء". وأضاف أن "هناك ثغرة كبيرة بين الإنفاق والإيرادات، ولا نستطيع حل الثغرة إلّا بالاقتراض، ما سيوصلنا إلى مرحلة خطرة وينزل تصنيفنا الائتماني، في ظلّ نمونا الاقتصادي السلبي. وفي حال الطلب من البنوك أن ترفع رأسمالها وعجزت، يصبح لبنان دولة فاشلة مالياً". وتابع: "بدل أن نفكّر في كيفية استخراج النفط، نضع النفط أسير التجاذب السياسي".

لا زيادة على البنزين
ورأت "الأخبار" أن الأهم، أن اقتراح رفع سعر صفيحة البنزين 5 آلاف ليرة إضافية لم يعرف طريقه إلى الإقرار، مع الاعتراضات التي أبداها عدد كبير من الوزراء. ومن المتوقّع أن يعاد النقاش حول الاقتراح في جلسة اليوم. ويعبّر عدد من الكتل النيابية، كتكتل التغيير والإصلاح وحزب الله وحزب الكتائب ونواب اللقاء الديموقراطي عن اعتراضهم على زيادة الرسوم على البنزين، ما يعني أن الاقتراح لن يُبصر النور.

"المستقبل": لإقرار الموازنة
إلى ذلك، طالبت كتلة "المستقبل" الحكومة بإعداد المشروع وإبرامه بعد أن مضى 11 عاماً على إقرار آخر موازنة عامة في البلاد من منطلق تأكيدها أنّ ذلك هو المدخل الصحيح لعودة الانتظام المالي وإعطاء الصورة الواضحة عن الأوضاع المالية الحقيقية للدولة بما يسهم في ضبط وتنظيم الإنفاق وتحسين الجباية وفق القواعد الصحيحة والمستقيمة والواضحة، بالتوازي مع تحديد الحاجات الماليةَ الضروريةَ للحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي الذي يضمن تحقيق النمو والتنمية المستدامة ويؤدي إلى استعادة الثقة داخلياً وخارجياً في الاقتصاد اللبناني.

ملف رواتب موظفي أوجيرو
وشهدت الجلسة سجالاً  بحسب "النهار" حول ملف رواتب موظفي أوجيرو الذي طالب به وزير الاتصالات بطرس حرب، ولكن وزير الصحة وائل بوفاعور فتح حملة على رئيس هيئة أوجيرو عبدالمنعم يوسف. وقد استمهل وزير المال للتدقيق في بعض الأرقام على أن يبتّ موضوع هذه الأجور في جلسة اليوم.

خلاف الاساتذة المتعاقدين
وانتهت الجلسة وفق "النهار" بخلاف بين وزير المال ووزير التربية الذي احتجّ على عدم ادراج طلبه الذي قدمه قبل ستة أشهر لدفع مستحقات الاساتذة المتعاقدين على جدول الأعمال، فلم يدرجها رئيس الوزراء، منذ 20 /10/2015 كما لم يقبل وزير المال بطرحها من خارج الجدول على غرار ما تمّ بالنسبة الى بند تسليح الجيش، وعلى غرار بنود مالية اخرى. وأعلن بوصعب انه سيضطر الى الطلب من هؤلاء المتعاقدين التوقّف عن العمل ما لم تدفع مستحقاتهم.

جلسة حامية اليوم
وتوقع مصدر وزاري عبر "اللواء" ان تكون جلسة اليوم حامية نوعا ما لانها ستبحث في امور حساسة ومهمة مثل البحث عن تمويل خطة ترحيل النفايات ودفع رواتب الاساتذة المتعاقدين في المدارس الرسمية اضافة الى البنود المتراكمة من الجلسات السابقة ومن هذه البنود بند احالة ملف ميشال سماحة على المجلس العدلي، في حال عاد وزير العدل اللواء اشرف ريفي من باريس.