على خلفية حضور المرشِحين وغياب المرشَحين في الجلسة الـ35 لإنتخاب الرئيس العتيد للجمهورية بات من الواضح أنْ ليس هناك أيّ موعد لإنتخابه. فالتطوّرات المرتقبة تنبئ بأنّ الإنتصار في سوريا ما زال بعيداً وأنّ مَن استسلم باكراً سيكتشف خطأ التقدير. وإنّ المستقبل لا يشي بأنّ الرئيس سيكون مضموناً لـ 8 آذار. لماذا وكيف؟ بالتزامن مع الحملات القائمة لتعزيز مواقع المرشحين المعلنين الى رئاسة الجمهورية وخصوصاً قطبي 8 آذار رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية من دون إهمال موقع النائب هنري حلو، هناك عدد من السياسيين والديبلوماسيين ينصح بمزيد من الإنتظار والتروّي في مقاربة الإستحقاق طالما أنّ اللبنانيين تخلّوا عن المعطيات الداخلية التي يمكن أن تقود الى انتخاب رئيس «صُنِع في لبنان» وباتوا أسرى المعادلات الإقليمية، ولا سيما منها تلك التي تتحدث عن انتصارات في الأزمة السورية سترجح كفة فئة لبنانية على فئة أخرى وستسمح لفريق أن يوصل مرشحه الى قصر بعبدا، وربما مرشحه الى السرايا في آن.

يُقلّب أحد الديبلوماسيين الغربيين بين يديه تقريراً يتحدّث عن الواقع الميداني في أكثر من جبهة على مساحة النزاع في سوريا ويقود الى سلسلة من السيناريوهات المتعدّدة بما فيها من خيارات لا تتحدث عن انتصار حاسم وكامل لفريق على آخر بمقدار ما يشير الى مزيد من جولات العنف التي لا تقف عند فك الحصار عن قرية أو السيطرة وتعزيز الحصار على أخرى.

فنقاط الضعف لدى طرفي النزاع كثيرة ومتعدّدة وتنتشر على الخريطة السورية كلها، ويمكن لمَن خسر معركة في هذه المنطقة أن يفوز في منطقة أخرى. فما هو ثابت أنّ الحرب ما زالت طويلة وستشهد مزيداً من المواجهات الدامية.

ويضيف الديبلوماسي أنّ أيّاً من كبار قادة الحرب في سوريا ومهندسيها الدَوليين لا يشاطر أيّاً من اللبنانيين رغبتهم في استعجال الإعلان عن فوز النظام السوري وحلفائه بمجرد فكّ الطوق عن بلدتي كفريا والفوعا وتعزيز الطوق على حلب واستعادة بلدتين في محيط درعا.

ذلك أنّ ما جرى لم يخرج بعد عما يمكن تسميته «تصحيح الحدود» الذي أنجز على طول الساحل السوري والذي تمّ بضغوط عسكرية روسية لا سابق لها بهدف حماية مواقع الروس في تلك المنطقة، بالإضافة الى المنشآت الجاري بناؤها في محيط حمص حيث يُعاد ترميم قاعدة جوّية ستتحوّل قريباً حامية عسكرية ومدنية تستضيف عسكريين وموظفين ومهندسين مدنيين لإدارة قطاع النفط والغاز واستثماره في المنطقة، وربما توسّعت الى التنقيب في البحر.

وهو أمر يعكس مقولة ثابتة مفادها أنّ من المبكر الحديث عن حلول سياسية في سوريا، وأنّ الأولوية ما زالت للخيارات العسكرية التي يقودها الروس بكلّ قدراتهم العسكرية برضى أو غضّ نظر أميركي واستسلام غربي ومعارضة تركية ـ سعودية عاجزة.

ومن دون الدخول في كثير من التفاصيل يقلّل الديبلوماسي من أهمية الأحلام والخيارات التي يبنيها بعض اللبنانيين على مثل هذه الإنتصارات من جهة، وأولئك الذين استسلموا للحرب النفسية التي قادت الى موجة الترشيحات الأخيرة بما فيها من انقلابات لم يستوعبها بعد أصحابها نتيجة الفشل في تبريرها إلّا تحت شعارات داخلية يستسيغها اللبنانيون تارة تحت شعار المصالحة المسيحية وأخرى تستعجل ملء الشغور الرئاسي بمبادرة يرغبون في اعتبارها «جريئة» لخروجها عن المألوف.

ولا يتردّد الديبلوماسي في أن يلفت النظر الى أنّ حال المراوحة التي تعكس المواقف من الإستحقاق الرئاسي تؤكد أنْ ليس في قدرة أيّ شخص أو طرف لبناني داخلي إدارة هذا الملف أيّاً كان موقعه في 8 أو 14 آذار. ولذلك بقي هذا الإستحقاق يترنّح تحت وطأة الغموض في توصيف بعض المبادرات وخلفياتها ما زاد من حجم التعقيدات المتحكمة به دون مقاربته.

وعليه ينتهي الديلوماسي بلفت نظر اللبنانيين الى أنّ التلهّي في الوقت الضائع بما هو مطروح من أفكار ما زال ممكناً شرط أنْ لا يلامس الوضع الأمني المكفول بحده الأدنى برعاية إقليمية ودولية.

وهو ما يؤكد أنّ النزاع لن يتجاوز ما هو مسموح به من مواجهات سياسية تتّسم بالحماوة حول شعارات لبنانية صغيرة تبرّر المناورات الجارية بلا أفق، ومنها أنّ الرئيس المقبل بات محسوماً لقوى 8 آذار فيما كلّ التطوّرات المرتقبة تشي بغير ذلك. ومَن يعش يرى!؟