منبر المسجد الحرام ومنبر المسجد النبوي لا يقومان بدورهما المطلوب، والأسباب واضحة، غياب التنوع عن الأئمة وانتماء أغلبهم إلى مدرسة أحادية وتقليدية غير قادرة على مواجهة التحديات الراهنة.

 

برعاية العاهل المغربي، أصدرت 300 شخصية دينية، أغلبهم من علماء المسلمين ومن ممثلي الدول الإسلامية إضافة إلى ممثلي الأديان والطوائف المختلفة، إعلان مراكش الذي يرمي إلى ضمانة حقوق الأقليات ورفض استهدافهم باسم الدين، والأهم هو تحقيق المواطنة.

شاركت أسماء ثقيلة في المؤتمر، لكن ما يهمني هو مشاركة الشيخ صالح بن حميد، وهو كما عرفته وزارة الأوقاف المغربية: مستشار خادم الحرمين وإمام الحرم المكي ورئيس المجمع الفقهي بجدة، لم يجد الشيخ غضاضة في حضور مؤتمر بجوار رجال دين مسيحيين، كمنيب يونان، ورجال دين يهود، كجاكي كاديش، وربما تكون الكلمة الرسمية التي ألقاها بن حميد قد أخذت في الاعتبار أثناء صياغة الإعلان الأكثر من إيجابي. وبعد هذا كله أسأل بن حميد: لماذا لم يصدر الإعلان من الحرمين الشريفين؟

منابر الحل معطلة

إعلان مراكش إيجابي وجيد، فمن أهم توصياته: تبني مفهوم المواطنة ومراجعة المناهج التعليمية لتطهيرها من بذور التطرف، إضافة إلى إدانة هضم حقوق الأقليات، ورفض استهدافهم باسم الإسلام أو باسم غيره، وهذا كلام جميل جدا تردده النخب منذ عقود، لكنني أعتقد أنه لن يكون مؤثرا.

في الحجاز الشريف قلب العالم الإسلامي أو رئته، الحرمان الشريفان، وعمليات الحج والعمرة والزيارة، تشبه جسدا دخول الهواء الى الرئتين أو دخول الدم الى القلب، تقوم هذه الأعضاء بلفظ المواد الضارة من الجسم واستخلاص العناصر الضرورية والمفيدة وضخّها عبر الدم الى كل خلية في الجسد، لكن ما يحصل الآن أن الرئة لا تقوم بامتصاص الأوكسجين ولا تطرد ثاني أكسيد الكربون، وتلك هي المشكلة.

إعلان مراكش، يبدو لي أن مجرد صدوره في مراكش يعني أنه يمثل رسالة موجهة إلى أوروبا والغرب قبل المسلمين، وحتى لو أخطأت تقدير النوايا، فإنه لن يحقق التأثير المطلوب بسبب التباعد الثقافي بين مشارق العرب والمسلمين وبين مغاربهم، إن عملا جديا كهذا يستحق الطرح من مكة أو المدينة باسم الحرمين الشريفين، قلب المسلمين ورئتهم، من الأساس لم نكن بحاجة إلى مؤتمر كهذا، فهذه التوصيات لو اعتلت منبر الحرمين لوصلت إلى كل مسلم بيسر وسهولة، فالصلوات الخمس في الحرمين عبارة عن مجلس مصغر للكرة الأرضية.

منبر المسجد الحرام ومنبر المسجد النبوي لا يقومان بدورهما المطلوب، والأسباب واضحة، غياب التنوع عن الأئمة وانتماء أغلبهم إلى مدرسة أحادية وتقليدية غير قادرة على مواجهة تحديات الآن الراهن إن لم تكن من أسباب مشكلاته، وما يجري فوق المنبر كما يجري تحته ومن حوله.

إذا أراد الشيخ صالح بن حميد النجاح لإعلان مراكش الذي شارك فيه، فليبذل جهده لانتشار هذه الأفكار عبر منبر الحرمين ودروس الحرمين وساحات الحرمين والجامعات والمدارس المحيطة بالحرمين، والمسألة هنا ليست أوراقا نأتي بمن يقرأها وليست دروسا نبحث عن من يلقيها ويلقنها، القضية هي تغيير فكر ومنهج، ومن أبسط المحاور: لا يعقل أن ينادي إمام الحرم المكي بتنوع يفقده.

ما يثير دهشتي أكثر، أن المملكة العربية السعودية صرفت مئات الملايين على مركز حوار الأديان، الذي انبثق عن مبادرة الملك عبدالله للحوار، لكن هذا المركز- منذ وفاة الملك- لم يعد أحد يسمع عنه، وهذا أمر مؤسف، فالفكرة جيدة ونبيلة، وفي خضم الصراع مع داعش ومع الإرهاب الإيراني، هناك دور ثقافي كبير من الواجب على المركز القيام به، ومن ذلك فعاليات مشابهة لإعلان مراكش.

وأنا اقرأ إعلان مراكش تذكرت فورا الملك عبدالله -رحمه الله- فالرجل حذر مرة تلو مرة من تغوّل الإرهاب، واستبق ببصيرته المشاعر السلبية ضد الإسلام والمسلمين بمبادرات حوار لا تتوقف، بل وأعلن عام 2005 في قمة إسلامية استثنائية اعترافا بكل المذاهب والطوائف الإسلامية لاغيا التكفير، وما فعله الملك الراحل نموذج بسيط لأهمية وتأثير القوة الناعمة السعودية التي نهملها أو لا نكملها.

إعلان مراكش يستحق التحية والتشجيع مع جزيل الشكر لراعيه والمشاركين فيه، لكن لم تكن المشكلة في الأقوال يوما، المشكلة القائمة هي غياب الفعل وحضور الفعل المضاد، والمشكلة الأكبر أن منابر الحل معطّلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.