منذ استقالة رئيس مجلس إدارة مستشفى صيدا الحكومي السابق الدكتور علي عبد الجواد، وتقديم رئيس لجنة ادارة المستشفى الحالي الدكتور هشام قدوره استقالته بعد استلامه مهامه منذ ثمانية اشهر، يدور هذا الصرح الطبي في متاهات وتجاذبات لا حصر لها ولا عد، أثَّرت سلباً على سمعة هذا المستشفى التي تعتبر خلاص «الفقراء»، تماماً كمثيلاته الحكومية في لبنان. واليوم، وعلى الرغم من مضي نحو اسبوعين على تقديم قدورة لاستقالته، لا يزال المستشفى يدور في حلقة مفرغة، فلا رئيس ولا مدير طبي ولا إداري. حتى أن وزير الصحة وائل ابو فاعور لم يكلِّف مفوض الحكومة في لجنة إدارة المستشفى الدكتور حسن علوية بمهام الإدارة ولا بالرئاسة إلى حين تعيين بديل عن قدورة. وها هو المستشفى يسير بقدرة قادر.. ولكن الى اين؟ وهل هناك من مركب يبحر من دون قائد او ربان؟ مع العلم أن لجنة الإدارة مؤلفة من ستة اعضاء (ثلاثة ينتمون الى «تيار المستقبل» واثنان محسوبان على الرئيس نبيه بري والعضو السادس مستقل).
مصادر طبية تؤكد أن «هناك نوعاً من التجاذبات تطفو من جديد في سماء مستشفى صيدا الحكومي أدت الى تراجع أدائه، وفي معظمهما غير مفهومة، فهل هي إدارية أو متعلقة بسلطة الوصاية، أم أنها رسائل الى المرجعيات السياسية في المدينة، أم هي غير ذلك من الأسباب.
وأشارت المصادر الى أن «مستشفى صيدا الحكومي يعتبر متعثراً بشكل لافت للانتباه، ومخيف من الناحية المالية لأسباب عدة، منها ما هو متعلق بالسقف المالي والعجز والديون المتراكمة منذ سنوات والتي تصل الى ما بين 13 الى 15 مليار ليرة، وصولاً الى عدم تسوية المخالصات والمصالحات المرتبطة بالملفات المالية المستحقة للمستشفى على الهيئات الضامنة، ومن بينها وزارة الصحة، والتي تقدر بنحو سبعة مليارات ليرة، وهي موقعة من أحد الوزراء السابقين ولم يبت بها وبصلاحيتها وزير الصحة الحالي.
وأضافت المصادر أن هذا التعثر تسببت به المستحقات التي تقدر بالمليارات، وهي متعلقة بفواتير مالية طبية قديمة لا تعترف بها الوزارة، إذ تعتبرها غير مكتملة من ناحية تكوين الملف. كذلك بسبب عدم منح رئيس لجنة ادارة المستشفى المستقيل قدورة أي صلاحية ادارية او مالية، وعدم القدرة على تجهيز المستشفى بالمعدات والتقنيات الحديثة المتطورة، ناهيك عن عدم القدرة على إصلاح المعدات والتجهيزات التالفة والمعطلة.
تساؤلات كثيرة تُطرح في صيدا من خلف الكواليس حول من يملك مصلحة في جعل مستشفى صيدا الحكومي مجرد مبنى، يقوم بمهام أي مستوصف صحي تابع للوزارة؟ بعدما كان يستقبل قبل أشهر 100 مريض يومياً، كانوا يحصلون على كامل حقوقهم الصحية والاستشفائية والطبية، وقد ضم المستشفى بين طاقمه عشرات الأطباء وما بين 250 الى 300 موظف وممرض وإداري وعامل. أما السؤال الأبرز فيتمثل بـ «هل من نية لتجريد المستشفى من أي فعالية استشفائية وطبية لمصلحة المستشفى التركي الحكومي للحروق والطوارئ شمال المدينة»؟ وهو الذي لم يفتح أبوابه أصلاً، على الرغم من جهوزيته لاستقبال المرضى منذ ستة أعوام.
ومن بين التساؤلات المطروحة أيضاً، غياب دور ممثلي المدينة من نواب ووزراء ممن أوصلوا قدورة وتبنوا تسلمه لمهامه في منصب رئيس لجنة الادارة، فلماذا لم تمده تلك الشخصيات السياسية بما هو مطلوب لإنجاحه في مهامه، وهي التي لو أرادت لوفرت الغطاء المطلوب للمستشفى حتى يحقق أسباب ازدهاره.
وكان قدورة قد رفع الصوت حين قدم كتاب استقالته لوزير الصحة، قائلاً: «إنني قمت بواجبي ومن دون تقاضي أي أجر، وعلى الرغم من العجز المالي للمستشفى وتراكم الملفات الادارية واستهلاك ونقص في معظم المعدات الطبية والفندقية، فقد حاولنا ولو بشكل متواضع إعادته إلى الخارطة الصحية والاستشفائية».
وتابع قدورة أن المستشفى «موجود في المكان والزمان الصحيحين داخل منطقة شعبية مكتظة وساخنة أمنياً، ومقصودة من جميع المواطنين من مختلف الجنسيات والمناطق اللبنانية، لذا طالبنا وزارتي الصحة العامة والمالية وكل الدولة وممثلي هذه المنطقة وفعالياتها، بدعمنا مالياً وذلك لجدولة ديون المستشفى».