مشهد غريب يؤكد حجم «الانفصام» القائم داخل السلطة بكل مكوناتها في ايران. السيد حسن أحمد الخميني وهو يستقبل القادة الإيرانيين عند ضريح جده الإمام الخميني مع بداية احتفالات «الأيام العشرية« في الذكرى السابعة والثلاثين للثورة، وقرار «مجلس صيانة الدستور» برفض ترشيحه لانتخابات مجلس الخبراء يفرض نفسه الى درجة أن هاشمي رفسنجاني، أحد أبرز القادة الذين أداروا «آلة« الثورة من البدايات، يصرخ عالياً في اتهام واضح للمرشد ضمناً وكل المتشددين: «من قرر انكم مؤهلون للحكم على الآخرين؟. لقد استبعدتم حفيد الامام الخميني وهو أكثر الأشخاص شبهاً بجدّه».

استبعاد السيد حسن لأنه معتدل ووسطي ومنفتح على مجتمع الشباب الايراني، اتخذه مجلس معيّن من خامنئي، أربعة من أعضائه مرشحون للانتخابات عن الجناح المتشدد أبرزهم محمد مصباح يزدي الذي يدعونه آية الله الطالباني» لشدة تشدّده خصوصاً ضد الشباب كما حدث قبل سنوات في واقعة الجامعة في طهران«، وذلك في مخالفة واضحة للدستور.

ما زال أمام المرشد خامنئي فسحة من الوقت لمراجعة مسألة استبعاد الخميني من الترشح ومعه عدة آلاف آخرين. الرئيس حسن روحاني العائد من جولته الناجحة في ايطاليا والفاتيكان وفرنسا، قال أمام ضريح الإمام الخميني: «لا شيء يجب أن يسلب منّا الأمل».

بدوره قال حسن الخميني: «ان روحاني هو أحد أبناء الإمام الخميني. لقد أظهر قدرته للجميع، ومجتمعنا يحتاج الى إرادته وقدرته، الشعب سيسحق العراقيل أمام تحقيق مطالبه». لا شك أن تصعيد حسن الخميني والتهديد بالشعب الإيراني يفتح الأبواب أمام كل الاحتمالات، خصوصاً ان معسكر المتشددين يخوض المعركة من أجل بقائه، وكأنها آخر المعارك.

في الظاهر تبدو الحملات المتبادلة شخصانية جداً، لكن في العمق يتمظهر الصراع بين خط «الثورة للثورة« وخط «الدولة« في أشد صوره. ليس صدفة أن يأتي روحاني الى الاحتفالات العشرية من «بوابة» زيارته لفرنسا. لقد أراد عبر توقيع عقود طائرات الايرباص وشركات بيجو ورينو الفرنسية، القول أنه إذا كانت باريس «البوابة» التي جاء منها الامام الخميني الى إيران ليؤكد انتصار الثورة، فإن باريس ممكن أن تكون أيضاً «البوابة» التي «أعود« منها لبناء «الدولة« الإيرانية القوية.

رغم طموح الرئيس حسن روحاني لبناء الدولة الايرانية في فضاء الشرعية الدولية، فإنه مدرك تماماً لأهمية المرشد خامنئي وإمساكه بالقرارات الاستراتيجية، بمعنى أنه هو حتى الآن يمسك فقط بالقرارات الاقتصادية، لذلك يترك مساحة واسعة في أحاديثه لقرارات المرشد المتعلقة بالسياسة العليا وفي الوقت نفسه يعمل بثقة وثبات مع الشيخ رفسنجاني وفريق عمله الاستثنائي على التقدم خطوة خطوة نحو رفع حصة «معسكره« داخل مجلسَي «الشورى« و«الخبراء«. الأول لرفع يد المتشددين عن «رقبته»، والثاني لفتح طريق المستقبل نحو التغيير الشامل.

ضمن هذا «الوعي الروحاني» لحدود حركته السياسية، فإنه لا يفاوض في فرنسا على مستقبل الملفات المشتعلة في الشرق الأوسط خصوصاً لبنان الذي يعني للفرنسيين كثيراً؛ مثلما لم يبحث وزيره «الظريف» جواد ظريف مع الأميركيين الملفات الأخرى، وما ذلك إلا للإيمان بأن بداية الحلول يجب أن تكون إقليمية إقليمية أي إيرانية سعودية. قبل المعالجة وهذا التفاهم لا حلول من لبنان الى اليمن مروراً بسوريا التي تتدرج رغم أهميتها في النهاية لأنها أعقد الحروب وبالتالي تتطلب بناء معقداً من الحلول.

الرئيس روحاني يواجه مهمة صعبة جداً في إنجاز تقدم خط الدولة على الثورة، في ظل قيادة «الحرس الثوري» المتشددة والتي بنت حضورها، طوال سنوات على التشدد وثبتت نفوذها بالإمساك بالمواقع الاقتصادية الحساسة والعامة بحجة بناء القوتين النووية والعسكرية.

قادة «الحرس الثوري«، يعزفون «سمفونية« العداء لـ«الشيطان الأكبر» مع أن الطريق أصبحت «معبدة» لعلاقات طبيعية بين بلادهم وواشنطن. وهم بمداخلاتهم يتدخلون مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في الانتخابات. الجنرال محمد جعفري قائد الحرس قال: «إن قلقنا من المشاكل ذات الطابع الثقافي التي يفتعلها العدو في إطار الحرب الناعمة»، أما قائد البحرية الأميرال فدوى (النجم الصاعد بعد اعتقال الجنود الأميركيين) فقال: «لا شك ان لنواب مجلس الشورى دوراً مهماً للوقوف أمام الشيطان الأكبر». وقد أكمل العميد حاجي زاده قائد القوة الجوفضائية: «لن نسمح بإقامة العلاقات مع أميركا أبداً ولن تقام مثل هذه العلاقات». روحاني رد بسرعة: «الخلافات مع الولايات المتحدة ستنتهي الى الأبد«.

قلق قادة «الحرس» من العلاقات مع أميركا لا يفسر كل شيء. اعتقال المجموعة التي أحرقت السفارة السعودية في طهران رغم أنها من مجموعات الجنرال قاسم سليماني الخاصة فتح أعين هؤلاء القادة على مسارات المستقبل حيث لا مراكز ولا مواقع للقوى المتسلطة حالياً في إيران الدولة.

«ساعة الرمل» تنهار بسرعة. 26 شباط هو يوم الامتحان الكبير، خصوصاً للمرشد آية الله خامنئي لأنه لا يمكن الجمع بين «نار» الثورة و»ماء» الدولة. الرئيس روحاني وهو يودع البابا قال له: «صلِّ لي».

هذه الدعوة «رسالة» علنية وكبيرة للمتشددين الدينيين والسياسيين حول سماحة الإيمان، وفي الوقت نفسه «رسالة» الى الإيرانيين «كم هو بحاجة لصلاتهم وأصواتهم من أجل التغيير«.