لم تمر تصريحات وبيانات المفوّض العام ومسؤولي «وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) المتتالية حول تقليص الخدمات التي ستطال العديد من برامجها، ما لم يتمّ توفير التمويل المطلوب من الدول المانحة، على اللاجئين مرور الكرام.
تحوّلت هذه التصريحات الى ما يشبه القنبلة التي تطايرت شظاياها، مهدّدة مستقبل وحياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين، ليس في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، بل أيضاً في لبنان، سوريا، والأردن.
تأخير صرف رواتب بعض الموظفين، دمج مدارس، وقف عملية التوظيف وبرنامج الطوارئ للنازحين من سوريا وأبناء مخيم نهر البارد (بدل الإيواء)، إضافة إلى دعوة الموظفين إلى التقاعد المبكر بهدف التخلص من أكبر عدد منهم، وأيضاً القرار المثير للتساؤلات حول منح إجازات استثنائية لمجموعات تعمل مع «الأونروا» من دون راتب. كلها قرارات كان قد لوّح بها المفوض العام في تصريحاته الأخيرة، ما دفع باللاجئين إلى التحرك والانتفاض في وجه الوكالة وإجراءاتها، على اعتبار أن ما تقدم عليه «الأونروا» من شأنه أن يزيد في معاناة اللاجئين.
هكذا قرأ القيّمون على الحراك الفلسطيني إجراءات الوكالة الدولية باعتبارها قضية سياسية وإنسانية، انطلاقاً من إدراك الفلسطينيين للمخططات التي تحاك في الكواليس الدولية منذ سنوات. وبحسب عضو اللجنة المركزية لـ «الجبهة الديموقراطية» عبدالله كامل، فإن ما يجري يتم بضغط من الاحتلال الإسرائيلي للتخلص من «الأونروا» لما تمثله من شاهد على نكبة فلسطين وحق العودة.
ويقول كامل إن التحركات تأتي في هذا الإطار، والهدف الضغط على المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته وإنهاء أزمة الوكالة المالية المفتعلة، عبر الالتزام بتوفير التمويل المطلوب لاستمرار عمل وبرنامج «الأونروا».
وإذ يستغرب كامل التعاطي الدولي مع هذه الأزمة، والتصريحات العلنية للعديد من مسؤولي الدول الغربية وإصرارهم على عدم رفع قيمة المبالغ التي يقومون بمنحها للوكالة، يشير الى ان «الأونروا» تلقت مساهمات بقيمة 49 مليون دولار من ثلاث دول عربية هي الكويت والسعودية والإمارات، في الوقت الذي وصلت فيه قيمة مساهمات بريطانيا وسويسرا والولايات المتحدة وبعض الدول الى حدود الـ 30 مليون دولار.
يتخوّف كامل من تفاقم المشكلة، خصوصاً في ظل العجز المالي للوكالة الذي افتتحته بـ 86 مليون دولار ويقدر بنحو 135 مليون دولار على مدى العام 2016. وهذا بحسب تصريحات المفوض العام للوكالة بيار كرينبول، الذي كان أكد أيضاً أن الوكالة لا يمكنها تحمل هذه الفجوة، لا سيما أن الأزمة تكمن في ازدياد المصاريف والحاجات التي تتجاوز المداخيل.
يوضح كامل أن الوكالة الأممية تقرّ موازنتها المالية مرّة كل عامين وفقاً لاحتياجاتها المتغيّرة وطبيعة مشاريعها المتعدّدة، وتقدّر ميزانيتها بـ 670 مليون دولار وهي لا تعتمد على مانحين محددين، لافتاً الانتباه إلى أن التبرّعات الطوعية لا تلحظ الزيادة السكانية للاجئين، ما يؤكد ضرورة تغيير الاستراتيجية التي تعتمدها الوكالة.
غير أن العجز المالي للوكالة من وجهة النظر الفلسطينية غير مرتبط بقلة أموال المانحين فقط أو التبرعات، بل إن الفساد هو أحد الأسباب الرئيسية للعجز إضافة إلى الأسباب السياسية وضعف التمويل. ويقول كامل إن سوء الإدارة المالية يشكل جزءاً رئيسياً من الأزمة، «وإلا كيف يمكن أن نفسر موازنة مكتب المفوض التي تصل إلى حدود 18 في المئة من قيمة الموازنة العامة البالغة 112 مليون دولار، في حين أن قيمة موازنة برامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية لا تتجاوز الـ 10 في المئة».
ويتحدّث كامل عن الهدر المالي الذي سبّبه مشروع التطوير الإداري الذي كلف 50 مليون دولار، والذي نفّذته شركة بريطانية مقرّها سويسرا وصاحبها فليبو غراندي وهو على علاقة صداقة بالمفوض العام، الى جانب النظام المحوسب الذي يكلف القيمة نفسها بالرغم من أن الوكالة ليست بحاجة له»، مشيراً إلى «أن بعض الخبراء والمستشارين يحصلون على رواتب مرتفعة قد تصل الى حدود 1500 دولار يومياً، فضلاً عن رواتب خيالية لبعض الموظفين والحراس الشخصيين وبرامج التدريب وتكاليف السيارات».