كلا، ليست اوروبا جنة لجميع اللاجئين. ونعم، هناك وحوش بشرية في كل الدول لا تكترث لما قد تفعله بأطفال ابرياء رمى بهم القدر في احضان بلد جديد بعيدا عن ذويهم. البعض منهم يتامى والبعض الآخر ارسله ذووه على امل اللحاق به مستقبلا. وقد يدغدغ المال ايضا مخيلة قريب جشع فيبيع ابن اقاربه في سوق النخاسة في اوروبا. للأسف هذه الحقائق بدأت تظهر الى العلن فاضحة مدى الاهمال الدولي لأبسط حقوق الطفل السوري، فقد اعلن جهاز الشرطة والاستخبارات الاوروبية المشتركة «يوروبول» عن اختفاء ما لا يقل عن 10 آلاف طفل من اللاجئين عقب وصولهم الى اوروبا، ليدق بالتالي جرس الانذار من وجود شبكات اتجار بالبشر تقوم ببيع هؤلاء الاطفال لاستغلالهم في الدعارة او العمالة بأجور زهيدة. 

ويعتقد على نطاق واسع ان نصف هذا العدد اي 5000 طفل اختفوا بعد وصولهم الى ايطاليا فيما اختفى الف طفل آخرين في السويد، اما شبكات الاتجار بالبشر وشراء الاولاد فنشطت بشكل كبير خلال الاشهر الخمسة الماضية في كل من هنغاريا والمانيا، والاولى كانت محطة مهمة في طريق اللاجئين المتجهين الى الجنان الموعودة، اما الثانية فكونها البلد الاوروبي الاكثر استقبالا للاجئين.

صفارة التحذير من جرائم التهريب والاتجار بالاطفال اطلقها امس رئيس موظفي «اليوروبول» برايان دونالد خلال مقابلة اجرتها معه صحيفة «الاوبزرفر» (نسخة الاحد من الغارديان البريطانية)، اذ اكد دونالد ان «اليوروبول» ما زال يحاول حصر عدد الاطفال اللاجئين الذين اختفوا بعدما وصلوا الى اوروبا دون مرافقة من ذويهم، واشار الى ان «العدد لا يقل عن 10 آلاف طفل اختفوا تماما عن رادار اجهزة الامن في دول الاتحاد الاوروبي. لدينا معلومات بأنه في ايطاليا وحدها اختفى 5000 طفل بعد وصولهم اليها، فيما فقدت اجهزة الامن السويدية آثار ما لا يقل عن الف طفل عقب دخولهم السويد».

وحذر دونالد من «اتساع نشاط شبكات تهريب البشر التي تأتي باللاجئين الى اوروبا، وارتباطها بشبكات اتجار بالبشر واستغلالهم في الجنس والعمالة منتشرة في دول الاتحاد الاوروبي. وبالتنسيق بين هذه الشبكات يتم نقل الاطفال وبيعهم فينتهي بهم الامر الى وجهات مجهولة بعيدا عن اعين العدالة». واكد دونالد ان ««اليوروبول» جمع ادلة تفيد بوجود حالات بيع فيها اطفال لشبكات دعارة ولا سيما في هنغاريا والمانيا. وألقت السلطات في البلدين على عدد من تجار البشر وعصابات ضالعة بجرائم متعلقة باللاجئين». 

ثم تدارك قائلا «ليس بالضرورة ان جميع المختفين يتم استغلالهم فالعديد منهم ربما انضموا الى عائلات لاجئة او اقارب، ولم يصرح هؤلاء حتى الآن عن وجودهم معهم». 

وبحسب احصاءات نشرتها منظمة حماية الاطفال ورعايتهم «سايف ذي شيلدرن» فإن نحو 26 الف طفل لاجئ دخلوا دون مرافقة الى اوروبا في العام 2015. اما احصاءات «اليوروبول» فتقول إن نسبة الاطفال التي دخلت اوروبا خلال موجة اللاجئين العام الماصي تبلغ 27 في المئة.

وكانت السلطات السويدية اول من نبه اجهزة الامن الاوروبية الى ظاهرة اختفاء الاطفال، ففي تشرين الاول الفائت اعلنت السلطات في منطفة تريليبورغ في جنوب السويد ان نحو 1000 طفل من الاطفال اللاجئين الذين وصلوا دون مرافقة احد بالغ في السن، اختفوا ولا احد يعرف ظروف اختفائهم او مكانهم. 

وذكرت صحيفة «الاوبزرفر» ان عدد الاطفال الطالبين اللجوء الى بريطانيا دون مرافقين بالغين الذين اختفوا ولا احد يعرف مكانهم، تضاعف في المملكة المتحدة خلال العام الماضي، لكنها لم تحدد ارقاما. وكانت حكومة دايفيد كاميرون اعلنت الاسبوع المنصرم رغبتها في منح اللجوء لمزيد من الاطفال السوريين الذين لا اهل لهم وتأمين جميع احتياجاتهم لأنهم هم الاكثر حاجة للمساعدة في الظروف الصعبة التي يمر بها بلدهم الام.

ويحاول «اليوروبول» تقفي اثر الاطفال منذ وصولهم الى الجزر اليونانية ثم لدى سلوكهم درب البلقان باتجاه دول شرق ووسط اوروبا، في محاولة لكشف شبكات التهريب وتجار البشر. لكن التطبيق الميداني لهذا الامر معقد جدا بسبب الضغط الامني الذي تتعرض له اليونان نتيجة سيول اللاجئين التي تتدفق اليها يوميا ما يجعل التدقيق في كل لاجئ يعبر الاراضي اليونانية امرا صعبا. 

وما يزيد في الطين بلة تصاعد الاصوات الاوروبية المطالبة بإلغاء عضوية اليونان في اتفاقية «شينغن» للحدود الاوروبية المفتوحة، لكن القيمين على الاتحاد الاوروبي متمسكون بإبقاء اليونان جزءا من المعاهدة، وإلا بحسب ما حذر منه ممثل الامم المتحدة الخاص بشؤون الهجرة بيتر ثوذرلاند، فستتحول اليونان في حال عزلها عن اوروبا الى بلد يعج بمئات آلاف اللاجئين وهذا ما ينتهك ابسط حقوق اليونان كدولة عضو في الاتحاد الاوروبي.