بالطبع ليست الدولة سلطةً أمنيّة أو عسكريّة فحسب، لكنْ بالطبع أيضاً، من دون سلطة أمنيّة وعسكريّة لا تكون الدولة دولة، لا في لبنان ولا في سواه.


وفي بلدنا، هذه هي الحال تعريفاً، إذ يضطلع عدم الاحتكار الشرعي لوسائل العنف، ومن ثمّ عدم الاستحواذ الشرعي على قرار الحرب والسلم، بالدور الأوّل والأهمّ، وإن لم يكن الأوحد، في تصديع الدولة والحؤول دونها.


هكذا تغدو الأخيرة أشبه بقشرة خارجيّة لا تؤثّر فعليّاً في مجريات الحياة العامّة، فيما لبّ الحياة مقيم في مكان آخر.


وفي هذا المعنى، نشاهد، كمثل غير حصريّ، كيف يحتدم النقاش حول انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، وكيف تكثر التحالفات السياسيّة وتنفرط التحالفات وسط إدراك ضمنيّ، بل معلن أحياناً، بأنّ انتخاب رئيس جديد هو ما لن يحصل، وأنّ ما يحصل هو بالضبط تدليكٌ لعضلات الطوائف وتعرّفٌ إلى مدى المهارة والألاعيب التي تجيدها.


وإذا كان انعقاد البرلمان أو عدم انعقاده أصبح أشبه بالنكتة التي لا يلزمها إيضاح، فإنّ حال الحكومة المنقسمة والمشلولة، على رغم حسن نوايا رئيسها، يقول الكثير عن الخواء السياسيّ الراهن وعن كون الدولة مجرّد قشرة أو ظاهر خارجيّ.


ولأنّ الأمر على هذا النحو فإنّ الطرف الوحيد الذي يستفيد من القشرة هو الطرف الوحيد الذي يملك اليد العليا في اللبّ، أي في وسائل القوّة ومفاصلها. وهذا الطرف ليس في نهاية المطاف إلاّ حزب الله.


ذاك أنّ الدروب كلّها، فيما الحال على ما هي عليه، تقود حصراً إلى الحزب المذكور:

فإذا استمرّ الفراغ في رئاسة الجمهوريّة، كان ذلك تكريساً لرغبة الحزب الفعليّة ومصادقة عليها. لكنْ إذا آلت الأمور، في المقابل، إلى انتخاب أيّ من المرشّحين الحاليّين للرئاسة، أي ميشال عون وسليمان فرنجيّة، جاء الرئيس من معسكر حزب الله السياسيّ، على ما قال مُحقّاً أمينه العام حسن نصر الله في خطابه الأخير.


وما ينطبق على رئاسة الجمهوريّة إنّما ينطبق أيضاً على المستويات الأخرى لاشتغال الحياة السياسيّة في لبنان.


فمتى أضفنا الصيغة التي انتهى إليها مؤتمر جنيف السوريّ، وعبور بشّار الأسد إلى برّ الأمان، والنجاحات المتتالية التي تحقّقها إيران وديبلوماسيّتها، والحضور الروسيّ الكثيف عسكريّاً وسياسيّاً في المنطقة، والإجماع الكونيّ القائم اليوم حول "الحرب على الإرهاب"، اكتملت عناصر اللوحة المفيدة للطرف اللبنانيّ الأوحد القادر على أن يستفيد: حزب الله.


ومرّة أخرى، فإنّ كثيرين يتسلّون بالقشرة، أو تتسلّى بهم القشرة، فيما طرف واحد يمسك باللبّ وبالقشرة في آن معاً.

 

المصدر: ناو