مع كلّ خضّة أمنيّة أو تطوّر عسكري يطرأ في جرود عرسال ومنطقة القلمون يعود الحديث الى مخطّطات «داعش» وأحلامها التوسّعية في لبنان، ومبدأ إنشاء إمارة أو إمارات إسلاميّة متَّحدة تمتدّ من عرسال مروراً بالبقاع وصولاً الى طرابلس والشمال، من ثمّ الاتجاه جنوباً نحو عين الحلوة وصيدا. نُسِفت مخطّطات ومشاريع الإمارات السابقة بأدوات مختلفة كانت عبارة عن مَزج بين العمل العسكري والإتفاق السياسي الداخلي المُظلّل بالمظلّة العربية والدولية، والتي تعتبر أنّ أمن لبنان وإستقراره خطّ أحمر ومن غير الجائز اللعب به وهزّه في هذا الوقت بالذات.

المنحى العسكري الأخير وتطوّرات الأسبوع الماضي التي سلكتها المواجهة العسكرية في جرود عرسال والقلمون كانا عبارة عن حرب شنَّتها «داعش» على «جبهة النصرة» من أجل فرض سيطرتها على المعابر الأساسية في عرسال.

أما أهداف هذه العملية فقد تكون لها عشرات القراءات والتحليلات التي ربما تُصيب أو لا تُصيب، لأنّ عوامل عدة تتداخل في الحروب الأهلية، والفصيل الكبير يسعى الى السيطرة على الصغير وإنتزاع أكبر رقعة جغرافية لبسط سلطته وتوسيع دائرة نفوذه. لكنّ السؤال الأبرز الذي يطرحه كلّ عرسالي ولبناني اليوم: كيف سيؤثر هذا التطوّر على جبهة عرسال وهل ستتقدّم «داعش» في اتجاه لبنان مجدّداً؟

لا يُنكر قادة الأفواج والألوية في الجيش المنتشرون في عرسال ورأس بعلبك والسلسلة الشرقيّة وصولاً الى القاع، خطورة الجماعات المسلّحة، لكنّ
الجيش الذي خاضَ معركة 2 آب بظروف صعبة للغاية، يرى أنّ أيّ مواجهة حالياً، أشبَه بنزهة مقارنة بالسابق نظراً للانتشار الواسع الذي تُنفّذه وحداته والأسلحة المتطوّرة التي بحوزته والقرار الوطني والسياسي الداعم له.

ففي الشق العددي: ينتشر نحو 5000 عسكري ما بين جبهة عرسال ورأس بعلبك في مقابل نحو 1000 مسلّح يتوزّعون بين «داعش» و»النصرة»، والعنصر البشري ضروري للتفوّق في أيّ حرب وحسمها سريعاً.

في الشق التقني: يَملك الجيش أحدث الأسلحة التي زوّده بها الأميركيون والبريطانيون ودول عدة، تبدأ من آليات النقل العسكرية والأسلحة الرشاشة والدبّابات والمدافع والصواريخ وأبرزها صاروخ «التاو» ذو الفعالية العالية، إضافة الى أجهزة المراقبة من البرّ والجوّ، فيما يجعل سلاح الطائرات التفوّق العسكري واضحاً لمصلحة الجيش، أما المسلّحون فيملكون بعض الأسلحة الرشاشة والصاروخية التي لا تستطيع هزيمة جيش مسلّح ومدرّب.

من ناحية الإمدادات: لا شكّ في أنّ للمسلّحين خطوطَ تهريب من الجهة السورية بعدما أُقفلت كلّ المعابر من عرسال، لكنّ هذا لا يكفي لخوض حرب إستنزاف طويلة مع الجيش اللبناني الذي يحرص على تأمين الإمدادات لمراكزه في أحلك الظروف وهو منتشر في بلداته أساساً.

البيئة الحاضنة: يفتقد المسلّحون الى البيئة الحاضنة التي توافرت لهم في سوريا والعراق، كما أنّهم يتمركزون في الجبال حيث تشكّل لهم متاريس طبيعية، لكن في الوقت نفسه، يمنح هذا المعطى الجغرافي الجيش حريّة أكبر لإستهدافهم لأنهم غير متحصّنين بين مدنيين ولا يستخدمون السكان دورعاً بشرية، بالإضافة إلى نقمة أهالي عرسال عليهم، حيث يقف العراسلة مع الجيش في مواجهة خطر الإرهاب بعدما ضاقوا ذرعاً من تصرفات المسلّحين.

أما النقطة التي أُثيرت أخيراً، فهي أنّ الجيش أصبح على تماس مباشر مع «داعش»، لكنّ الحقيقة أنّ الجيش كان على تماس مع «داعش» منذ بداية الأحداث، وقد قاتلها في رأس بعلبك وجرود عرسال، وهذا ليس بمعطى جديد، إذ لا فرق بين التنظيمين من منظار الجيش.

وفي حسابات عسكريّة بسيطة، فإنه لو نجحت «داعش» في إنهاء «النصرة»، فسينخفض عدد المقاتلين تلقائياً بعد سقوط الضحايا وحرب التصفيات وفرار مسلّحي «النصرة» الى المخيمات الموجودة وراءَ خطّ العزل، وبالتالي كلما طال أمد المعارك أكثر كلما شكّل هذا الأمر عنصر إراحة للجيش لأنّ أعداءه وأعداء لبنان يُصفّون بعضهم البعض.

ومن هنا فإنّ كلّ هذا التخويف الذي يُحكى عنه يدحضه الجيش بالوقائع والحسابات العسكرية والتي تمنع «داعش» بأيّ شكل من الأشكال من إحتلال لبنان، فيما أثبت الميزان العسكري أنه لصالحه، لكنّ اليقظة تبقى ضرورية، فالإرهاب كالأفعى التي لا تستطيع قتلها وإن رفعت رجلك عن رأسها ستبثّ سمومها وتلدغك.