هل تشكّل الانتخابات البلدية المفترضة في أيار المقبل، مدخلاً لأولى التغييرات النوعية التي ستلفح تركيبة مجلس النواب الجديد؟

ينبع السؤال من واقع يفرضه ميشال عون يربط إجراء الانتخابات البلدية بشرط إجراء انتخابات نيابية فرعية في جزين لملء المقعد الماروني الشاغر بوفاة عضو "تكتل التغيير والإصلاح" ميشال حلو.

هي الثغرة نفسها التي قد تفتح شهية وليد جنبلاط وسليمان فرنجية مجدّداً على بتّ المؤجّل منذ أكثر من عامين: إجراء انتخابات نيابية فرعية في الشوف وزغرتا تشهد على عملية "التسلّم والتسليم" بينهما وبين نجليهما تيمور جنبلاط وطوني فرنجية.

لو جرت الانتخابات النيابية في حزيران 2013 لكان "تيمور بك" و"طوني بك" في عداد مجلس النواب الجديد. تحت العنوان الأمني بشكل أساسي تأجّلت الانتخابات النيابية مرّتين متتاليتين، حيث أقرّ التمديد الثاني في 5 تشرين الثاني 2014 بأغلبية 95 نائباً مع معارضة نائبي "الطاشناق" وغياب نواب "التيار الوطني الحر". قبل ذلك بأشهر توفى النائب حلو.

كانت المدّة القصيرة نسبياً الفاصلة عن موعد نهاية التمديد الاول لمجلس النواب (أقل من ستة أشهر) حافزاً قانونياً لعدم إثارة مسألة الانتخابات الفرعية، لكن التمديد الثاني حوّل التلكؤ عن إجراء الفرعية الى مخالفة قانونية واضحة حيث لم تتمّ دعوة الهيئات الناخبة إلى إجراء الانتخابات.

ضَغَط عون كثيراً بهذا الاتجاه، لكن التجاهل الحكومي كان مدوّياً. والحجّة غبّ الطلب: الوضع الأمني لا يسمح بذلك. وفي كل مرّة كان يرفع الصوت، كان الصدى يتردّد في المختارة وبنشعي: الانتخابات النيابية الفرعية في جزين لن تُجرى بمعزل عن انتخابات فرعية في الشوف وزغرتا بعد أن قال جنبلاط وفرنجية كلمتهما: حان أوان الانسحاب من ساحة النجمة.

الوقائع المتوافرة حتّى اللحظة لا تجرّ سوى الى سلسلة من الأسئلة: هل ستجرى أصلأ الانتخابات البلدية؟ وإن فتحت صناديق البلديات هل ستجرى فرعية جزين بضغط من عون؟ وإن فتح القضاء الجنوبي المسيحي أبوابه لصناديق النيابة، هل سيتحمّس جنبلاط وفرنجية لانتخابات فرعية في الشوف وزغرتا تحيلهما الى رفّ النواب السابقين؟

آخر المعطيات تفيد بالآتي: العونيون جاهزون للمعركة البلدية وللمنازلة النيابية في جزين. مرشّحهم معروف وهو أمل ابو زيد. لكن مع ذلك ثمّة من العونيين لا يأخذ الوعود بإجراء الانتخابات البلدية بجدّية، فالملف الرئاسي يطغى على الملفّات كلها. والحكومة، برأيهم، ستكون معنية بإنقاذ نفسها من الشلل التام أكثر من الإشراف على الاستحقاق البلدي والمعارك النيابية الفرعية في أكثر من منطقة!

كان الرئيس نبيه بري دوماً من دعاة عدم التسرّع وانتظار إجراء دورة انتخابات نيابية شاملة تتوّج انتقال عصا النيابة من الزعيمين الدرزي والمسيحي الى نجليهما. نصيحة "الأستاذ" كانت تنبع من ثابتة أكيدة: لا قرار سياسي أصلاً بإجراء انتخابات فرعية في أي قضاء، وإلا فإن حجّة التمديدين الأول والثاني ستسقط.

في اللقاء الذي جمع فرنجية مع جنبلاط في دارة الأخير في كليمنصو في 2 كانون الاول المنصرم، تفوّقت الصورة على مضمون لقاء كان يتوقّع منه أن يسهم في تقوية عود التسوية الرئاسية التي ستحمل فرنجية الى قصر بعبدا.

تواجُد تيمور جنبلاط وطوني فرنجية في قلب الصورة لم يكن بالأمر الجديد، لكن حضور الثنائي شكّل تكريساً لمسار ثابت بدأ يشقّ طريقه منذ أشهر طويلة. رئيس "اللقاء الديموقراطي" كما رئيس "تيار المردة" صارحا جمهورهما منذ البداية بأن تيمور وطوني يتحضّران لدخول الندوة البرلمانية والعمل السياسي من بابه العريض. انغماس كلّي من قبل الشابين في "طقوس" السياسة ومستلزمات النيابة المقبلة لا محالة.

في المقلب الجنبلاطي، "بك المختارة" صار يجد نفسه اليوم على «تويتر» أكثر من ساحة النجمة. فضاء العالم الافتراضي سلوى تعوّض عليه فقدانه لاحقاً مقعده النيابي وثرثرات طاولة الحوار. إذاً، لا وزارة ولا نيابة ولا رئاسة حزب. في غضون أشهر، وليد جنبلاط سيحتفظ بالورقة الأخيرة كونه مرجعية للطائفة و "حاجة" لبقية القوى السياسية تدوزن متطلّبات وحسابات الاستحقاقات المقبلة... من دون حصانة نيابية ولا هالة حزبية.

فقرار جنبلاط في تشرين الأول لا يزال ساري المفعول.. حتى اليوم. لا توريث في "الحزب التقدمي الاشتراكي". تيمور الذي يحمل اليوم صفة عضو مرشد في الحزب، بقرار من والده، تخوّله الترشّح الى مجلس القيادة وبالتالي الى رئاسة الحزب، لن يفعلها، لكن المقعد النيابي بانتظاره. المسألة مسألة وقت لا أكثر.. والأرجح أنها ستتمّ تحت سقف انتخابات نيابية عامة وشاملة وليس فرعية، بما أن القرار لم يتّخذ بذلك بعد.

المهمّ أنه، رغم كل ما يُقال عن "برودة" تيمور في التكيّف مع "عدّة شغل" الزعامة الموروثة عن والده، الشاب يقوم بكل اللازم ليكون جاهزاً في يوم "التسلّم والتسليم" عبر الصناديق النيابية.

بخلاف الحالة الجنبلاطية، لم يقرب النائب فرنجية مسألة رئاسة "تيار المردة". قراره بتجيير المقعد النيابي الى نجله طوني اتّخذه قبل وقت من بروز ملامح التسوية الرئاسية. قد ينتخب نجل "البيك" نائباً عن زغرتا وسليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، أو ربما نائباً سابقاً يستقبل ويودّع في منزله في بنشعي. في الحالتين القرار متّخذ ولا عودة عنه. حركة طوني تشي باندفاع كلّي نحو الشأن العام، وحنكة يكتسبها تدريجاً من احتكاكه اليومي مع ناخبيه والقوى السياسية والتفاف المناصرين والمؤيّدين حوله...

في مرحلة الانتظار لا كلام في السياسة ولا مواقف معلنة ولا تحديد خيارات ولا انزلاقات نحو الالتزام بمحور أو بخط. واقع ينطبق على تيمور وطوني. بانتخابات فرعية او بانتخابات عامة، الشابان هما أول ركّاب البرلمان الجديد. ومهما رست عليه التسوية الرئاسية، لا تغيير في أجندة زعيـميْ زغرتا والمختارة.. الفارق فقط أن مستقبل سليمان فرنجية "الرئاسي" أمامه، أما وليد جنبلاط فصارت الأمجاد كلها خلف ظهره.

( السفير)