ودّع والدته، واستقلّ سيارته منطلقًا نحو قدره، من دون أن يعي أن مكمناً أعدّه إرهابيون كانوا في انتظاره، وما إن وصل إلى نقطة "الموت" حتى أمطروه بوابل من الرصاص من أسلحة رشاشة، وصبّوا حقدهم عليه بعد أن فشلوا في المرة السابقة بوضع حدٍّ لحياته، هو شهيد لبنان قبل ان يكون شهيد منطقته وابن العائلة التي قدمت عدة أبناء على مذبح الوطن، هو المؤهّل زاهر عزالدين الذي روّى تراب الوطن بدمائه، علّ شجرة الأمن تزهر يوماً فتحمي الجميع من الإرهاب المتفشي.
بعد أن انتهى من شراء حاجيات لبيته وهمّ بالصعود إلى السيارة، مرّ ارهابيون واطلقوا النار عليه قبل ان يلوذوا بالفرار، فاستشهد على الفور أمام أبنائه الذين كانوا ينتظرونه في السيارة. أكثر من ثلاثين رصاصة اخترقت جسده، فتطايرت الدماء في كل مكان، فأصيبت زوجته بشظية في ظهرها، أولاده ما زالوا في صدمة نفسية، لاسيما ابنة الستّ سنوات التي تردّد منذ الحادثة "قتلوا (بابا)" بحسب ما قال شقيق عز الدين المحامي هيثم لـ"النهار" مضيفاً: "عند الساعة الرابعة وعشر دقائق من يوم الجمعة الماضي وقعت الكارثة، كان زاهر في زيارة لمنزل العائلة، بدا مختلفاً عن كلّ المرّات، وكأنه يودع والدته التي طلبت منه العودة الى منزله في منطقة عين الشعب قبل هبوط الليل. لكن ما يطرح علامات استفهام سلوكه طريقًا غير تلك المؤدية إلى بيته، حيث توقّف في حيّ الشعلة عند أحد المحلات لشراء حاجيات".

 

بين الاتهام والتريث!
ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها زاهر (40 عاماً) الأب لثلاثة أولاد لإطلاق نار، وبحسب شقيقه "قبل شهرين فشلت محاولة لاغتياله، الاجهزة الأمنية تحقق في الموضوع، مديرية قوى الأمن الداخلي التي ينتمي زاهر الى شعبة المعلومات فيها، اتخذت صفة الادعاء الشخصي، التحقيق لا يزال جاريًا في الفصيلة، ونحن سنتّخذ اجراءاتنا بعد انتهاء واجب العزاء".
ولا يريد عز الدين اتهام أحد قائلاً: "لا نريد أن نطلق اتهامات باطلة لا أساس لها، وما يتم تداوله عن القاتلين مجرد حديث اعلامي، أما نحن فننتظر التحقيقات ولا نتّهم أحداً، كون القضية فيها دماء".
من جانبه، اعتبر عبد الحميد عز الدين مختار البلدة وأحد أقارب زاهر أن "الشهيد قتل كونه ينتمي إلى جهاز أمنيّ كافر بالنسبة لتنظيم "داعش"، الذي يريد تصفية كل الأجهزة الأمنية". وأضاف ان "المحاولة الاولى لقتل زاهر كانت انذاراً، وقد قتل قبله بالتهمة ذاتها، وهي التعامل مع الدولة اللبنانية مخيبر محمد عزالدين، كمال ديب عز الدين وعلي احمد عزالدين، بالاضافة الى العديد من أبناء المنطقة، ولن يكون زاهر الأخير مادام هناك إرهابيون يتحركون على أرض الوطن من دون خوف ولا رادع، ينفّذون مهماتهم بتصفية كل من لا يحلو لهم ويضيّق عليهم حركتهم".

ليس الأخير
كل شخص من عرسال معرّض لما تعرّض له زاهر، الوضع في المنطقة خطر، والدليل بحسب هيثم "أن التشييع الرسمي لشقيقي الذي دخل السلك في عام 1997، وتدرّج في الرتب حتى رتبة معاون، قبل أن يرقّى إلى رتبة مؤهل بعد الاستشهاد، تمّ في  اللبوة  لأن الضباط لا يدخلون المنطقة"، وبحسب المختار "جنازة زاهر هي الاكبر في البلدة، كونه إنسانا مستقيما لم يرتَشِ يوماً، ولم يؤذ أحداً وعلى الرغم من التهديدات التي تلقّاها، بقي صامداً في أرضه، أبى المغادرة، وترك الارهابيين يتحكّمون بمصير الجميع، حتى وإن كان الثمن باهظاً، فكل شيء يهون أمام الواجب واليمين الذي قسمه".

في "حي الشعلة" في عرسال انطفأت شعلة عز الدين لينير درب اللبنانيين ويحمي أرضهم من الارهابيين، علّ دماءه لا تذهب هدراً، وينال الفاعلين جزاءهم، كي لا يصبح الوطن مكسر عصا أمام كل من يريد تصفية حسابه بيده!