من أين جاء داعش؟ يبقى خلف هذا السؤال الصغير في حجمه، الكبير في مضامينه وأخطاره وتداعياته على المنطقة وعلى الأمتين العربية والإسلامية كثير من الأسئلة والرؤى والتحليلات، وتتكاثر الأسئلة التي تفوح منها رائحة العنف والتطرف والدم على ضجيج مشروع إرهابي لا نعلم إلى أين سيتوقف أو ينتهي أو يُعاد استنساخه من جديد.

في هذا الملف الذي يتطرق لدولة الخلافة المزعومة واستهدافها للسعودية والخليج والمنطقة، تبقى الأسئلة هي الوقود الحقيقي، فمن الذي يدعم هذا التنظيم؟ وكيف تمَّ تشكيله؟ وما هي الظروف التي ساهمت في تمدده وانتشار عملياته في جميع دول العالم؟ وما هي الجذور الفكرية والسياسية لهذا التنظيم؟ وهل هو امتداد لحركات متطرفة أخرى؟ وما هي علاقته بالتنظيمات القائمة والخلايا النائمة في أرجاء الوطن العربي؟ ومن هي الدول والجهات التي تتعهده وترعاه؟ ولماذا يجد أرضاً خصبة في مناطق الصراع في كلٍ من سورية والعراق؟، وهل هناك ثمَّة أيادٍ خفية تحرك هذه «الدمية» من بعيد؟

هناك أسئلة وأسئلة كثيرة، وتظل «الرياض» وهي تسبر أغوار هذا الملف الشائك مع عدد من الخبراء والمتخصصين في شؤون الجماعات الإرهابية تحاول تقديم أجوبة لا نزعم أنَّها كاملة، بيد أنَّها محاولة لإضاءة جزء من جانب الصورة المعتمة، التي تتعلَّق بهذا التنظيم الإرهابي، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي أبدتها المملكة في سبيل التصدي لهذا الخطر الارهابي الدموي، إلاَّ أنَّ الواقع ينذر بوجود خطر يتشكل في الخفاء نما وكبر حتى نتج عنه عمليات إرهابية تمت بأيدي بعض أبناء الوطن، فلماذا يتمُّ استهداف المملكة تحديداً؟ وإلى أيّ مدى تُشكِّل «داعش» خطراً حقيقياً على استقرار ومستقبل الدول الخليجية؟ وأخيراً.. من هي «داعش»؟ هل هي مزيج عراقي سوري؟، أم أنَّها دويلات خلف دولة؟

 

 

صراعات إقليمية

وأكَّد عبدالله بن بجاد العتيبي – كاتب، وباحث في التيارات والحركات الإسلامية -، أنَّ تنظيم "داعش" اليوم هو التنظيم الأخطر في العالم، بيد أنَّ خطورته لم تأتِ من تميّزه أو كونه لغزاً، بل من الصراعات الإقليمية في المنطقة، ومن الفاعلين الإقليمين الداعمين له، كإيران ونظام بشار الأسد، إلى جانب التخاذل الدولي عن مواجهته بجدية منذ البداية، مُضيفاً أنَّ التنظيم استغل هذه الظروف الإقليمية والدولية أفضل استغلال لتحقيق أهدافه، حيث احتل أهم المنشآت النفطية في العراق وسورية، ووجد له أسواقاً سوداء تدر عليه الملايين.

وبيَّن أنَّ التنظيم أحكم سيطرته على الموصل، مُضيفاً أنَّ غالب أتباع حركات الإسلام السياسي كانوا مؤيدين له، ثمَّ اختلفوا معه حين اختلف مع تنظيم القاعدة في سورية، وهو المعروف بجبهة النصرة، مُشيراً إلى أنَّ الخلاف بين الطرفين - وإن علا صوته - هو اختلافٌ في الدرجة لا في النوع، أمّا على مستوى التنظيم نفسه، قيادةً وأتباعاً، فالقيادة هي لأبي بكر البغدادي، الذي سمّى نفسه خليفةً وقام - فيما يشبه المسرحية - على منبر الموصل باقتباس أقوال الخليفة الأول للمسلمين أبي بكر الصديق – رضي الله عنه -.

وأوضح أنَّ البغدادي - كما هو معروف - عضوٌ سابقٌ في جماعة الإخوان المسلمين -فرع العراق -، وهو ما اعترف به الإخواني العتيد يوسف القرضاوي في مقطعٍ مشهورٍ، كما أنَّ معه في القيادة عسكريين بعثيين سابقين من الساخطين في العراق وسورية، مُضيفاً أنَّ الأتباع هم من بقية ما كان يعرف بالصحوة الإسلامية من الصغار الجهلة المتحمسين من تونس والسعودية ودول الخليج والدول الغربية، وغيرها، مُشيراً إلى أنَّ تنظيم "داعش" يجد جذوره العميقة في حركة الإخوان المسلمين وتنظيمها السرّي - حسب قوله -، ثمَّ تنظيم سيد قطب في عام (1965م)، وتنظيمات العنف الديني بمصر في السبعينيات والتسعينيات، وتنظيم القاعدة الأم وفروعه المختلفة.

 

 

نماذج متكررة

وقال فهد الشقيران – كاتب، وباحث، وعضو مؤسس لحلقة الرياض الفلسفية -: "إنَّه من الواضح أن استعادة التاريخ، والبحث فيه عن نماذج متطابقةٍ بفتراتٍ متباعدة، يساهم في تغذية التوجّهات الحادة، ويُنشّط من فاعلية التيارات الثورية، فداعش يعتبرون التاريخ جمعا من النماذج المتكررة، ويبرهنون خطابياً بأنَّ التاريخ يعيد نفسه ويستعرض مكره، ومن مُفضّلات التيارات الثورية تشبيه الليلة بالبارحة، والتاريخ لديه كثافته ومكره وضغطه على الحاضر، غير أنَّه ليس شريكاً حيوياً في خلْقه أو صناعته، أو ترتيب أدواره".

وأضاف أنَّ حمَلة التاريخ ممَّن يعيشون فيه أكثر من عيشهم في الحاضر والزمان هم من يعيدون التفسير الحدَثي لما عبَر من حوادث الدول والأمم، موضحاً أنَّها تُستعاد الحرب الأفغانية السوفيتية بعد التدخل الروسي في سورية، ويتمّ التذكير بالحروب الصليبية مقابل الفتوحات الإسلامية، في محاولةٍ حثيثة لاجترار التاريخ والاعتماد عليه، لإذكاء نزعات القتال والصراع، وهذا هو التفسير الأيديولوجي للأحداث التاريخية، خاصة حين تكون ذات نزعاتٍ حزبية إسلامية تريد تحسين شروطها السياسية، وتعزيز تغلغلها على الأرض، بُغية إعادة الانبعاث لقوى الرجعية بالعالم.

وبيَّن أنَّ عيش هذه الأحزاب في التاريخ وخيامه، يشير إلى أنَّ تاريخهم لم ينفصل عن فكرهم، وبالتالي تكوّن لديهم الوقائع أفكاراً، ويعيشون لحظاتٍ مضت باعتبارها جزءاً من حاضرهم ومن أفكارهم، كما أنَّهم يأنفون من الدراسات التي تسلّط على السياقات التاريخية للمفاهيم، التي يعتبرونها مرجعاً في التحاكم السياسي، أو الفهم النصّي، أو الاستدلال الديني، لأنَّ التاريخ ليس موضع فهمٍ بقدر ما هو موضوع اتباع، وعليه فإنَّ التاريخ مؤسس وجزء من المناخ والسياق والتسبيب في التعليل والاعتضاد في التفسير.

 

هيمنة فكرية

وأكَّد الشقيران، أنَّ هذا هو ما مكّن الرموز الأيديولوجية الكبرى من النفاذ إلى العقول، حيث حُوّلت القصص والأساطير والشخصيات والعبقريات، التي وردت في بطون تلك المدوّنات إلى صيغ تبجيلية، وأنماط ينبغي تمثّلّها والاعتماد عليها والصدور عنها، مُبيِّناً أنَّ تيارات عديدة استخدمت هذه التوعية التاريخية المدرسية للهيمنة الفكرية، ومن أبرزها جماعة الإخوان المسلمين بطبيعة الحال، وذلك من خلال استعادة وضخ مفاهيم عديدة أبرزها إعادة معنى "الحاكمية" والضرب ضد الحكومات العلمانية، بغية استعادة الخلافة المفقودة.

وأوضح أنَّ ما يجمع بين الظواهر الأصولية بتعدّد برامجها وأنماط عملها، وصيغ أهدافها، هو العداء التام لمفهوم الدولة ومؤسساتها، ممَّا يجعلهم في حالة حرب لغوية وميدانية مع معانٍ أساسية، هي أساس مفهوم الدولة وشرط نضجه، مُضيفاً: "من تجلّيات ذلك العداء عدم التواؤم مع مسمى الوطن الأساسي، والدوران وراء ألفاظ معينة، مثل البلاد، أو الجزيرة العربية، أو سواها من التعابير، كما أنَّ الانضواء والإيمان بجدوى المؤسسات الأمنية والعسكرية والجيش الوطني ليس مُتضمّناً في رؤاهم، ومفهوم الدولة الحديث تشكّل في أعتى الظروف التي واجهتها الدول الأوروبية إبان الحروب الأهلية وأعقاب النزاعات العرقية والأثنية".

وأضاف أنَّ القتل باسم الدين والعقيدة، والجرائم "الحوثية" على أرض "اليمن" حالياً واضحة بمثالها ودلالتها، ذلك أنَّها ترفض مفهوم الدولة ومعناه، وتريد أن تسيّل صلاحيات الدولة على الأحزاب، ليكون لكل حزبٍ قواته العسكرية الميليشوية، موضحاً أنَّه إذا كانت مهمة الدولة احتكار العنف - بحسب ماكس فيبر -، فإنَّ أكبر أساليب تدميرها أن تُهشّم بتأسيس الخلايا ونسج الميليشيات وإدارة الحزب المستقلّة لمسائل السلم والقتال، مُشيراً إلى أنَّهم يحاربون رجال الأمن؛ لأنَّهم يحاربون الدولة ويستفزهم مفهوم الدولة.

 

تواطؤ تاريخي

وأكَّد الشقيران، أنَّ بدء الربيع العربي كان هو الكارثة بكل المقاييس، كما أنَّه السبب لكل تلك الدموية القاتلة والكارثية، مُضيفاً أنَّ الانتعاش كان على أشدّه لتنظيم "القاعدة" ولجميع حركات الإرهاب طوال سنوات الربيع الأربع، موضحاً أنَّ تلك الذروة القاعدية هي التي ولدت "داعش" في مناخٍ غارقٍ بالدماء، والدول الفاشلة، والمؤسسات المترهّلة، والإنسان المُحطّم، مُشيراً إلى أنَّ "داعش" هو نتيجة تواطؤ تاريخي وفكري وديني، وهو تمظهر لامتدادٍ قائم، وشرح وتتويج لأزمةٍ في القيم وتيهٍ في الأخلاق، كما أنَّه نتاج تاريخٍ من الضياع بين الثنائيات المطلقة، والحقائق المطقّمة، والمناهج المعمّمة.

وبيَّن أنَّ داعش بمعناها الأخير، وبدلالتها الصادمة هي الشرح للانحطاط الشامل، وهي النذير على أنَّ ثمَّة أباطيل كثيرةٍ بنيت على الباطل، كما أنَّ "داعش" هي ذروة الباطل، وذروة التعبير عنه، مُضيفاً أنَّه تبيَّن بعد حادثة باريس الأخيرة أنَّ مستوى خطر "داعش" يمكنه أن يصل إلى أيّ مكان، لافتاً إلى أنَّ حل الأزمة السورية وتسويتها بأسرع وقت ممكن هي الأساس للجم مارد الإرهاب وعلى رأسه "داعش"، مؤكِّداً أنَّ "داعش" مسؤولة عن الأحداث الإرهابية التي تحدث مؤخراً على مستوى العالم.

وأوضح أنَّ "داعش" حصيلة وتشكّل وتبلور، سببته مجموعة من العوامل والمكوّنات والحوافز والأرضيات، مُضيفاً أنَّ المشكلة هي في التحريض أيضاً، إذ أنَّ المُتّبع الآن هو أن يُقبض على الإرهابي الذي تمَّ تجنيده، لكن ماذا عن المُحرّض الآمن في منبره؟ وماذا عن السبّاق في التحريض المعنوي والشحن العاطفي تجاه الفكر الإرهابي؟ مُشيراً إلى أنَّ بعض النجوم الدعويين في "تويتر" يُدرّبون الشباب على تسييس الدعوة والإسلام، والدخول منذ الصغر في خطابات المعارضة للدولة، التي هي امتداد لأفكار الإخوان المسلمين.

وأضاف أنَّ كل تلك الصيحات والزعقات تحاول جاهدةً ردم التديّن الروحي لصالح تسييس الإسلام، وتحويل الشاب المبتدئ إلى معارض يسخر من دولته ووطنه، ولديه قابلية غير مسبوقة للتجنيد ضمن أيّ تنظيم تبعاً للتوقيت والتكتيك، مُشيراً إلى أنَّ كل القادة الإرهابيين تخرجوا في تلك الصفوف، من عبدالله عزام إلى أسامة بن لادن إلى أبي بكر البغدادي، حيث أانَّهم جميعاً انتموا فعلياً لتنظيم الإخوان المسلمين، قبل أن يصبح الإرهاب ثقافة عامة، مُشدِّداً على أهمية الاعتراف بالخلل الفكري، قبل أن نُعزّي أنفسنا بأسبابٍ سيكولوجية أو اقتصادية، مُبيِّناً أنَّ القصة في القناعة التي أسستْها فكرة.

 

اختلاط الأوراق

وقال د. عبدالعزيز الخضر – باحث، وكاتب صحفي -: "إنَّه منذ بدايات تشكّل الحالة الداعشية وتوسع ممارساتها المستفزة للعالم، فإنَّ هذا التنظيم الاستعراضي في خطاباته وفيديوهاته، التي سوَّق فيها أنواعاً جديدة من البشاعة والإجرام، مفتخراً بها أمام نظر العالم، مع انتشار حضورها واحتلالها أراضي واسعة، ثمَّ إعلان الخلافة، كان هذا السؤال الغامض يكبر مع الزمن، وبعدها جاءت العمليات الإرهابية، التي تبناها التنظيم في الخارج بعد ساعات من كل حدث، وآخرها عملية باريس"، مُضيفاً أنَّ التنظيم وُلد بنسخته الحالية، مع أنَّ له بدايات مبكرة منذ مرحلة "الزرقاوي" نتيجة اختلاط الأوراق في المشهد السوري مع تطورات الثورة السورية، ثمَّ العراقي نتيجة سوء أداء الإدارة العراقية وطائفيتها، ممَّا عزز الروح الطائفية.

وأكَّد أنَّ هذا التنظيم وجد حاضنة مجتمعية يستطيع التحرّك فيها، وتعززت الاتجاهات الطائفية بصورة أكبر مع استمرار التدخلات الإيرانية وحزب الله ضد الشعب السوري، مُضيفاً أنَّ هذه الأجواء الاستثنائية التي رافقها تردد أميركي واضح في هذه المرحلة بعد انسحابها من العراق وتجنّبها التدخل المباشر، أضعف أيّ تحرك دولي ضدها، موضحاً أنَّ هذه الحالة ساعدت على استقواء "داعش"، مستغلاً التناقضات بين مختلف القوى، التي جعلت العالم يبدو متفرجاً على الأوضاع أكثر ممَّا هو جاد في مواجهتها.

 

صعوبات سياسية

وبيَّن د. الخضر، أنَّه أُعلن بعد ذلك عن تحالف لضرب "داعش" جوياً لأهداف محددة، وفعلاً أثر هذا قليلاً، لكنَّه لم يكن حاسماً، مُضيفاً أنَّه صنع للتنظيم مبرراً في ممارسة الإرهاب ضد الأهداف المدنية في العالم، مع كل هذه الظروف، التي قد تفسر حضور التنظيم، مُشيراً إلى أنَّ الأسئلة التي لم يُجب عليها أكثر من التي أُجيب عنها لدى الصحافيين، إذ أنَّ المنطقة التي يسيطرون عليها لازالت غامضة وليست مفتوحة لأيّ زائر أو مراقب إعلامي، باستثناء تسرّب بعض التقارير بين فترة وأخرى.

وأشار إلى أنَّ حيرة البعض من قوة وتمدد "داعش" لها ما يُبررها، لكنَّ هناك ما يفسر هذه الإمكانات، مُضيفاً: "حتى لو تجنبنا التصوير المؤامراتي للواقع، بالقول إنَّ هذا التنظيم صناعة جهة ما، فواقعياً (داعش) لم تقدم عمليات نوعية ضد النظام السوري، فبعض التقارير البحثية في الشؤون العسكرية تشير إلى أن (98%) من عمليات (داعش) لم تُوجَّه ضد نظام الأسد، ولا زال النظام الإيراني مستفيداً من ممارسات هذا التنظيم"، مُبيناً أنَّه لا يوجد صعوبة عملية في مواجهة التنظيم وتصفيته، لكنَّ هناك صعوبات سياسية تعيق التوحد الدولي للتحرك ضده، ما لم تُحل مشكلة النظام السوري، الذي كان أحد مسببات ولادة مثل هذه التنظيمات وأدواته في كل مشكلات المنطقة منذ عقود.

وأضاف أنَّه لن يتمّ القضاء على هذا التنظيم وتفكيكه، ما لم يتمّ وصول الوضع السوري إلى تسويات دولية محددة، مُشيراً إلى أنَّ وجود "داعش" بهذه الصورة هو مجرد ورقة مساومات تستعمل في كل المفاوضات والتحركات العسكرية الدولية، وبمجرد انتهاء هذا الدور، سيتم مواجهتها مباشرة وتصفيتها، كغيرها من التنظيمات الإرهابية.

 

 

انبعاث الخلافة الإسلامية المزعومة

 

أشار فهد الشقيران إلى أنَّ الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" أعلنت في (29) من يونيو (2014م) عن انبعاث الخلافة الإسلامية من جديد، لتكون ذروة التمظهر للحركات الإرهابية على مرّ التاريخ، ولتصنع من بعد أعنف النماذج الدموية، ولأنَّ ظهورها كان صادماً فقد رافق تلك الصدمة نتاجاً مهولاً من التحليلات والمسببات، مُضيفاً أنَّ المساحة لا تسمح بنقاش كل تلك التحليلات الغرائبية، غير أنَّ أكثر تلك التفاسير انتشاراً، إحالتهم سبب ولادة التنظيم إلى قمع الحكومات للربيع العربي، واستهداف دول الخليج للإخوان المسلمين وتجاربهم السياسية، وحصار المسيرات والتظاهرات.

وأوضح أنَّ ذلك ممَّا سرّع في إيجاد "طفرة جينية" داخل خلايا الإرهاب، لتفرز قوارض سامة لا أمصال لها، مُضيفاً أنَّ هؤلاء يرون أنَّ قمع الإخوان المسلمين وتجريم جماعتهم أحاط بالشباب المسلم ودفعهم إلى القتل والانضمام إلى سحر داعش، موضحاً أنَّ هذا التحليل يحمل في باطنه التبرير، ذلك أنَّ الدول لم تمارس قمع المنتمين لجماعات الإسلام السياسي بالمعنى المطلق للكلمة، بل إنَّها حافظت على استقرارها بالمعنى السياسي والمصلحي للعبارة، وآية ذلك أن المملكة، التي ساهمت في تحصين بلادها من آثار الاضطرابات بالمنطقة، من أكثر دول العالم على مرّ التاريخ دعماً للإسلام والمسلمين.

وأضاف: "لو أنَّ للأصولية الداعشية الدمويّة الحاليّة سبباً واحداً، لكان بدء الربيع العربي وليس فشله، ذلك أنَّ ملامحه منذ البدء كانت ملامح أصولية، إنَّه ربيع أصولي كان ولا يزال، ولم يكن فشله هو سبب ظهور داعش، بل كان تدشينه وتشجيعه ودفع قوى عالمية للحراك والتظاهر أكبر سبب لانتعاش هذه الخلايا، التي تغذّت على هذا الانفلات، لقد أثمر الربيع العربي عن حالات تفسّخ في القيم، وانحطاط في الأخلاق، وسرّع من نشر التفاهة وآثار الموت والقتل، لقد جعل الإنسان بلا قيمة، صارت الدماء مستباحة، دمّرت قيمة كل شيء، حتى الفنون ذبلت وانتهت".

 

 

تأسيس الإرهاب الديني الحديث

 

 

لفت عبدالله بن بجاد العتيبي إلى أنَّ سبب حقد وتوحش "داعش" تجاه المجتمعات، جاء نتيجةً لعقودٍ طويلةٍ من تأسيس الإرهاب الديني الحديث، الذي اختطف الإسلام لدى الكثير من أتباعه، وحوّله لحركاتٍ سياسيةٍ تتبنى الإرهاب والعنف وتبرر له دينياً وأخلاقياً، ضمن منظوماتٍ متوحشةٍ، وجماعاتٍ منظمةٍ، ومماهاة بين تلك الحركات الضالة والإسلام كدينٍ، أقله لدى الأتباع المؤدلجين والعامة المغسولة أدمغتهم، وذلك عبر خطابٍ متكاملٍ يقوم على التجييش والتحريض، وصناعة السخط، وتكفير الدول والمجتمعات والأفراد.

وأضاف أنَّ ذلك هو خدمة لهدفٍ سياسيٍ، ونقل الخلافة من وظيفةٍ إداريةٍ للدولة إلى مشروعٍ ديني متكاملٍ يجب أن يحكم فيه الدول رموز الإسلام السياسي، موضحاً أنَّهم خرجوا منذ (80) عاماً مع حسن البنا ومن بعده، وصولاً لابن لادن والبغدادي، إذ أنَّهم مجرمون قتلة يتحدثون باسم الله لحكم عباده، وباسم الآخرة لحكم الدنيا، مُشيراً إلى أنَّ "داعش" تجد تعاطفاً كبيراً من الغالبية العظمى من أتباع حركات الإسلام السياسي، مُبيِّناً أنَّ التعاطف معها ثمَّ الخلاف لاحقاً إنَّما كان بسبب حلم الخلافة الفاشل، الذي تبناه حسن البنا ضمن سياقٍ تاريخيٍ.

وأشار إلى أنَّ "داعش" لديها العديد من الأهداف، ومن أهمها: اختطاف وهم الخلافة من كل الجماعات الأخرى المشابهة لها، إلى جانب نزع المشروعية السياسية عن كل الأنظمة السياسية القائمة عربياً وإسلامياً، وكذلك حرب الدول العربية، وعلى رأسها المملكة ودول الخليج وحلفائها العرب في الأردن ومصر وغيرها، خدمةً للمشروع الإيراني الطائفي في المنطقة، مُضيفاً أنَّ هناك اختلافات بين "القاعدة" و"داعش" و"الإخوان"، إذ أنَّ "داعش" دولة، و"القاعدة" تنظيمٌ، أمَّا "الإخوان" فهم جماعةٌ، موضحاً أنَّ "الإخوان" يشترطون شروطاً متشددة ومتسلسلة لقبول الأعضاء، بينما تنتقي "القاعدة" أتباعها بعد بحثٍ وتشاور، أمَّا "داعش" فتتلقَّف كل من يأتيها، إلاَّ أنَّ الجميع يُبرِّر الإرهاب لأهدافٍ سياسيةٍ، ويسعى لإسقاط الدول، والجميع يشترط البيعة، ويعتمد السرية.