تصاعدت وتيرة الأعمال العدائية الطائفية في منطقة الشرق الأوسط إلى مستويات غير مسبوقة وخطيرة في 2 كانون الثاني من الجاري، بعد أن أعدمت السعودية الشيخ الشيعي السعودي والناشط السياسي نمر النمر، إذ قطعت الرياض علاقاتها بطهران وطردت دبلوماسييها، رداً على هجوم شنّه إيرانيون على سفارتها في طهران وعلى قنصليتها في مشهد.

 

فاجتاحت تداعيات إعدام النمر السياسة الإقليمية، إلاّ أنّ البعض يشكك في أن يكون هذا التصعيد متعمداً ومبيتاً مسبقاً في عقلية القيادة السعودية، ولكن النتيجة الأكثر إثارة للدهشة هي أن عملية الإعدام حطمت الخطوط الحمراء التي كانت تحكم علاقة حكومة الرياض بالمعارضة الشيعية منذ عقود.

لا تقّدم الطائفية تفسيراً متكاملاً لما حدث، فالصراع الطائفي لم تتغير ملامحه منذ شتاء عام 2013، وفكرة الصراع المبدئي واللامنتهي ما بين السنة والشيعة لا تفسر تأرجح السياسة الإقليمية؛ لأنّ ما يجري حالياً لا يمكن نعته بأنه تجديد لصراع يبلغ من العمر 1400 عامًا. بل يمكن القول إنّ الاحتقانات المكثفة اليوم، يرجع سببها إلى إرهاصات الاحتلال الأميركي للعراق والحرب الأهلية السورية والاتفاق النووي الإيراني.

هذا وتحاول السعودية والأنظمة الخليجية التوازن على حبل رفيع تجاه موجة من التهديدات الداخلية والخارجية، فلطالما تم اعتبار التعبئة والحقن الطائفي ضد الشيعة وسيلة فعالة للتصدي لمناشدات ودعوات إيران الموجهة للسنة. من هذا المنظور، تعدُّ المملكة حالياً من الأقوى ضمن السياسات العربية، واستطاعت تحقيق ذلك عبر اعتمادها على الشراكة مع الإمارات العربية المتحدة، والضعف الذي تعاني منه القوى التقليدية مثل مصر وسوريا والعراق، كما أن منافسيها الأساسين على قيادة التيار السني، تركيا وقطر، مكبلتان بقيود النكسات المتعددة التي تعرضتا لها. إلاّ أنّ الحروب المتعثرة، وصعود "داعش"، والاتفاق النووي الإيراني، عززت شعور المملكة بالضعف، كما أنّها تعاني تحديات عميقة في سياساتها الداخلية.

لكن يبدو أن النظام السعودي يستجيب ويتفاعل مع التهديد الخارجي، ومن هذا المنطلق، يمكننا حصر ثلاثة أسباب حذت بالمملكة العربية السعودية لتصعيد الحرب الباردة الإقليمية الطائفية:

1. الاتفاق النووي الإيراني: إذ تعتبر السعودية عودة إيران إلى النظام الدولي وتطوير علاقاتها مع واشنطن تهديدان عميقان لموقعها الإقليمي.

2. فشل السياسات الخارجية: يهدف التصعيد السعودي لإلهاء الجماهير عن الإخفاقات الجلية لمقاربات سياستها الخارجية، إذ فشلت في منع صفقة إيران، ودعم التمرد في سوريا للإطاحة بالأسد، كما يشكل تدخلها في اليمن إخفاقًا إستراتيجيًا.

3. القيادة السنية: أعلنت السعودية مؤخرًا، عن تشكيل "التحالف الإسلامي" ضد الإرهاب، إلاّ أنّه بالرغم من الوحدة الظاهرية للمعارضة السورية التي تأتت عن مؤتمر الرياض والدعم المشترك لتشكيلات الثوار الجديدة، ما زالت قطر وتركيا تسعيان لاغتنام النفوذ ضمن صفوف الثوار، وفيما عدا البحرين، يبدو من غير المحتمل أن تقطع بقية دول مجلس التعاون الخليجي علاقاتها مع إيران.

فهل تصعيد الاستقطاب السني - الشيعي تكرار لسياسات قديمة؟

 

تعطينا الدول التي انخرطت في حروب أهلية طاحنة، مثالاً على فشل الدولة وتحزب وسائل الإعلام المفرط التي تخلق الظروف المثالية لترسخ الطائفية في المجتمعات، وأبرز مثال على ذلك انتشار الحملات في دول الخليج لتعبئة الدعم الجهادي السني ضد النظام السوري ومؤيديه في إيران و"حزب الله"، وبالمقابل، حشدت إيران و"حزب الله" والميليشيات الشيعية العراقية جمهورها على نحو مماثل لدعم الأسد.

ومن المحتمل أننا بالغنا في تحديد الآثار المترتبة على التصعيد الطائفي السعودي؛ فتحدي إيران وتعبئة المشاعر الطائفية جزء من اللعبة التي تمارسها الرياض عندما تواجه التحديات، ولكن القوى الجديدة التي أطلقتها الانتفاضة العربية، تجعل من تهدئة هذه اللعبة الطائفية أمراً صعباً.

(واشنطن بوست)