قال مصدر قيادي في تيار «المستقبل» إن الحملة «الإقصائية» التي شنها رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد ضد الرئيس سعد الحريري وتضمنت تهديداً مباشراً له بإلغائه سياسياً، لن تثني الأخير عن تمسكه بمبادرته لملء الشغور في رئاسة الجمهورية بدعم ترشح زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية للرئاسة، ومن لديه البديل فليطرحه بدلاً من أن يتبع سياسة الهروب إلى الأمام التي أصبحت مكشوفة للعيان وتنطوي على تمديد الفراغ الرئاسي، وهذا يعني أن «حزب الله» ليس جاهزاً للانخراط في تسوية تفتح الباب أمام إخراج البلد من التأزم.

وأكد المصدر لـ «الحياة» أن حملة «تهبيط» الحيطان التي تولاها رعد لن تمنع التواصل بين الحريري وفرنجية، لا سيما في أعقاب المواقف التفجيرية لـ «حزب الله».

وسأل ما إذا كان «حزب الله» قرر أن يتعامل مع مبادرة الحريري على أن صاحبها لم يطلقها إلا من موقع إحساسه بالضعف، وبالتالي يمكن الضغط عليه لانتزاع تنازلات منه، وردت في الحملة التصعيدية لرعد على قاعدة ربط ملء الشغور الرئاسي بتشكيل الحكومة العتيدة وبقانون الانتخاب الجديد والتسليم أيضاً بسلاح الحزب في الداخل وبمشاركته في القتال بسورية إلى جانب نظام بشار الأسد.

ورأى المصدر أن رعد أخطأ في قراءته مبادرة الحريري التي يفترض أن تحدث خرقاً يخرج البلد من التأزم السياسي والاقتصادي والمالي الذي لا يزال يرزح تحت وطأته. وقال إن «حزب الله» يظن أن لديه القدرة على وضع يده على البلد وأن تهويله على الآخرين سيدفعهم للرضوخ لمخططه المرتبط كلياً بالمشروع الإيراني الرامي إلى تغيير معالم المنطقة والتركيز على لبنان كبديل عن خسارته مواقعه في أكثر من دولة. ولفت الى أن رعد، وإن كان ركز في حملته على الحريري، فإنه أراد أن يصيب فرنجية بطريقة أو بأخرى، لأن ليست لدى «حزب الله» الجرأة على رفض ترشحه، وهذا هو السائد لدى الأوساط السياسية، وإلا لماذا يبدي انزعاجه من مبادرة زعيم «المستقبل»؟

وتوقف المصدر أمام التحريض على رئاسة الحكومة بذريعة أنها صادرت صلاحيات رئيس الجمهورية، وسأل: أي صلاحيات يمارسها رئيس الحكومة تمام سلام في ظل استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية؟ ومن يصر على مصادرة صلاحياته سواء بالنسبة إلى دعوة مجلس الوزراء للانعقاد أو في خصوص وضع جدول أعماله؟

واعتبر أن «حزب الله» هو من يقف وراء تعطيل مجلس الوزراء ويمنع تفعيل العمل الحكومي وإن كان يحاول أن يتذرع باعتراض حليفه «تكتل التغيير والإصلاح». وسأل عن الأسباب الكامنة وراء «حرص» الحزب على مصالح الموارنة في لبنان ومبادرته إلى تنصيب نفسه على أنه المدافع الأول عنهم على رغم أن كثيرين من الموارنة يحمّلونه مسؤولية تعطيل الجلسات النيابية المخصصة لانتخاب الرئيس؟

وأكد أن الحزب يتبع سياسة تقوم على ازدواجية مواقفه، وإلا كيف يوفق بين حرصه على مصالح الموارنة كما يدعي وبين تصديه لانتخاب الرئيس وإصراره على تطيير النصاب ومنع البرلمان من الانعقاد لانتخابه؟

واتهم المصدر القيادي الحزب بأنه يقف وراء مصادرة صلاحيات رئيس الحكومة ويتصدى لانتخاب الرئيس الذي هو المفتاح للبحث عن الحلول لجميع المشكلات العالقة، وقال إن الحريري لن يسحب مبادرته من التداول ويصر على أن تبقى قائمة، وعلى من يدعي دعم التسوية أن يؤمّن النصاب لانتخاب الرئيس وليرشحْ للرئاسة من يريد.

ورأى أن الحزب لم يبادر إلى الرد على ما قاله فرنجية في مقابلته الأخيرة، خصوصاً بالنسبة إلى إعلام السيد حسن نصرالله بجميع الخطوات التي كان يقوم بها وعدم انقطاعه عن التشاور معه. وسأل لماذا لا يثق الحزب به، ولماذا بدلاً من أن يصارحه بموقفه منه بادر إلى شن هجوم غير مباشر عليه، وبالتالي تذرع بإعدام الشيخ نمر النمر استناداً إلى الأحكام الشرعية والقضائية السعودية ليشن حملة غير مباشرة على زعيم «المردة»؟

وقال المصدر عينه إن الحزب يتذرع بصلاحيات رئيس الجمهورية في الوقت الذي يصر على إلغاء الشريك الآخر في المعادلة ما يعني أنه يتصرف في البلد وكأن الأمر له، وأن الآخرين هم بمثابة ملحقين به. وأكد أن «المستقبل» لن يرضخ للابتزاز مهما تصاعد مسلسل التهديد والتهويل، وهو سيتبع سياسة النفس الطويل، ومن يصر على «التعايش» مع الفراغ في الرئاسة عليه أن يتحمل مسؤولية أفعاله في تعطيل البلد وفي قطع الطريق على الحكومة لتدبير شؤون اللبنانيين وتلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم.

أما بالنسبة إلى الجلسة الحوارية المرتقبة بين «المستقبل» و «حزب الله» برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري، مساء الإثنين المقبل في عين التينة والتي ستسبقها جلسة للحوار الموسع، فعلمت «الحياة» من مصادر سياسية أنها كانت موضع تشاور على هامش الاجتماع الأسبوعي لكتلة «المستقبل» أول من أمس برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة.

وأكدت المصادر أن عدداً من النواب في الكتلة سألوا عن الجدوى من استمرار الحوار مع «حزب الله»، وقالت إن بعضهم رأى أن لا لزوم لمواصلته، في مقابل حرص آخرين على أن يُترك الباب مفتوحاً أمام مزيد من المشاورات تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب.

ولم تستبعد المصادر أن يكون الرئيس بري دخل على خط التهدئة بين «المستقبل» و «حزب الله» وتشاور والحريري في ضرورة استمراره، خصوصاً أن البند الدائم على جدول أعماله يتعلق بالسعي لتنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي في ضوء استحالة التوافق على ملء الشغور في رئاسة الجمهورية.

ولفتت المصادر إلى أن السنيورة، بدعم من أكثرية أعضاء الكتلة، يميل إلى مواصلة الحوار لكن لا قرار نهائياً حتى الساعة. وقالت إن مجرد تعليقه سيرتد سلباً على الوضع الداخلي وسيؤدي إلى مزيد من الإحباط لدى اللبنانيين على رغم غياب التوقعات بتحقيق تقدم، ولو بسيطاً.

وقالت المصادر إن الجلسة الحوارية لن تكون كسابقاتها وستؤدي حتماً إلى وضع النقاط على الحروف في ضوء انخراط الحزب في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، ومنها المملكة العربية السعودية، وتقديم نفسه على أنه الوصي على الشيعة في العالم.

كما أن «المستقبل» -كما تقول المصادر- لم يكن يوماً ضد الحوار بين المتخاصمين سياسياً، وكان المبادر في أكثر من محطة إلى الانفتاح على خصومه وفي طرحه مجموعة من الأفكار لإعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية، وبالتالي فإن الكرة الآن في مرمى الحزب، فهل يتحمل مسؤولية إحباط المبادرة تلو الأخرى لتحييد لبنان عن الحرائق المشتعلة في المنطقة ووقف انهياره، مع أنه يتذرع بدعم حليفه العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ليس لقطع الطريق على احتمال انتخاب فرنجية رئيساً فحسب، وإنما لعدم جاهزيته للانخراط في تسوية سياسية متوازنة ما لم تؤمِّن له إطلاق يده في تحديد مصائر اللبنانيين؟