نجح لبنان عملًيا في منع امتداد اللهيب السوري إلى الأراضي اللبناني في العام 2015، إذ قلصت الإجراءات الرسمية، الاضطرابات الأمنية وُحصر التوتر بتفجيرين فقط، بعد عشرات الأحداث التي شهدها عاما 2013 و2014، وذلك إثر نجاح الإجراءات بتقويض حركة الجماعات المتشددة، وملاحقة المطلوبين، وضبط الحدود اللبنانية مع سوريا، ما منع تنفيذ تفجيرات بسيارات مفخخة، كما كان الوضع في العامين السابقين، مستعينة بتدابير “الأمن الاستباقي”.
 


وفيما منحت المساهمات الدولية لبنان مظلة ساهمت بحماية الاستقرار اللبناني، بقيت مواجهة الخلايا النائمة، التحدي الأبرز أمام السلطات اللبنانية التي ضبطت الخلايا وفككتها، كما ظلت محاولات هز الأمن عبر الانتحاريين، بمثابة تحد كبير بعد القضاء على محاولات إدخال المركبات المفخخة إلى الداخل اللبناني.



واخترق تفجيران انتحاريان الهدوء اللبناني، أحدهما في شهر كانون الثاني الماضي، واستهدف منطقة جبل محسن ذات الأغلبية العلوية في طرابلس، فيما استهدف الثاني، وهو تفجير انتحاري مزدوج، منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، مركز نفوذ حزب الله اللبناني، في شهر تشرين الثاني الماضي، وكان الأكثر دموية في سلسلة التفجيرات التي استهدفت لبنان منذ افتتاح عهد التفجيرات التي ضربت لبنان في تموز 2013.

وتوضح المصادر أن النجاح الذي تحقق بعد تفجيري برج البراجنة الأخيرين، تمثل في “رفع مستوى التنسيق بين كافة الأجهزة الأمنية لملاحقة الشبكات والمشتبه بهم ومراقبة حركة الأفراد ومتابعتها، كل من موقعه ومكان انتشاره”، أضيفت إلى “الإجراءات الداخلية بينها تفتيش الدراجات النارية والتدقيق بداتا الأشخاص من جديد، وتفعيل دور المراقبة”. وأشارت المصادر إلى أن حزب الله اللبناني أوكل أيًضا جزًءا من تلك المهام في الضاحية الجنوبية لبيروت، قائلة إن “تلك التدابير التي تستدعي التنسيق مع جميع الأطراف، من الطبيعي أن تتحقق بعد أي حدث”.



وأكدت المصادر أن المستوى الثاني من العمل الأمني “اتخذ طابع اللحاق بالمجموعات المتشددة والمشتبه بضلوعها في الأعمال التخريبية في لبنان، إلى المكان الذي تنطلق منه سواء في لبنان أم سوريا”، مشيرة إلى أن “إجراءات ضبط الحدود التي اتخذتها السلطات اللبنانية، إضافة إلى المعارك التي خاضها حزب الله في القلمون الغربي في الصيف الماضي، ساهمت إلى حد كبير في منع إدخال السيارات المفخخة التي كانتُتعد للتفجير في جرود وبلدات القلمون السوري، وكان ضرورًيا البناء على تلك التجربة وتفعيلها للتقليل من الخطر في الداخل”.



وقالت المصادر إن المستوى الثالث من العمل الأمني، “تمّثل في ملاحقة الشبكات العنقودية في الداخل اللبناني التي تعد امتداًدا لشبكات تبين أنها موجودة في سوريا، وتمثل قاعدة التخطيط لضرب لبنان”، في إشارة إلى تنظيم داعش الذي تبين أنه المسؤول عن التفجيرين الأخيرين اللذين ضربا الضاحية الجنوبية، رغم أن الخلية الأخيرة تم تفكيكها، وإنهاؤها بشكل كامل، بحسب ما أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد 48 ساعة على التفجيرين.
 


وكانت تعززت إجراءات الجيش اللبناني على الحدود، بموازاة تعزيز قدراته التي تمثلت بهبات عسكرية من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، فضلاً عن تسلم الجيش في نيسان 2015 من فرنسا، الدفعة الأولى من معدات عسكرية من ضمن الهبة السعودية التي أعلنت عن تقديمها له في شهر آب 2014. وخاض الجيش عملية عسكرية في جرود رأس بعلبك وجرود عرسال، تمكن خلالها من السيطرة على تلال استراتيجية والتقدم إلى عمق المنطقة الجردية الحدودية مع سوريا، كما واصل استهدافه لتحركات المسلحين في الجرود. هذا، واتخذت العمليات العسكرية في الجرود الحدودية مع سوريا الطابع الأمني بعد المتشددين في الجرود الحدودية، أثناء تحريكاتهم، ما ساهم في تقويض حركتهم، وقد تبنى حزب الله صفقة تحرير العسكريين في شهر كانون الأول الحالي، تمثلت في استهداف القادة العسكريين عمليتين على الأقل خلال تلك الفترة.في الداخل، نشطت الملاحقة الأمنية للجماعات المتشددة، وسط استقرار سياسي وحوارات بين الأطراف اللبنانية، ساهمت بالتخفيف من الاضطراب السياسي في البلاد.



وأفضت الإجراءات الحازمة إلى توقيف العشرات من المطلوبين وتفكيك الخلايا التابعة للجماعات المتشددة، كان أبرز المطلوبين الشيخ المتشدد أحمد الأسير الذي أوقف في مطار بيروت في أغسطس الماضي أثناء محاولته مغادرة البلاد بجواز سفر مزور، وتلاه توقيف عدد من المرتبطين بمجموعته، فضلاً عن توقيف طليقة زعيم تنظيم داعش سجى الدليمي التي تمت مبادلتها ضمن صفقة للإفراج عن العسكريين اللبنانيين المختطفين لدى تنظيم “جبهة النصرة” أواخر عام 2015. وهي الصفقة التي أنهت جزًءا من ملف شائك يعود إلى أغسطس 2014، إثر مهاجمة الجماعات المتشددة نقاط الجيش في عرسال.



ولا يزال 9 عسكريين محتجزين لدى “داعش” حتى الآن.وطالت التوقيفات، زياد خالد الرفاعي الذي خّطط مع آخرين لإنشاء إمارة لـ”داعش” في مناطق من شمال لبنان، بعد أشهر على تحذيرات قائد الجيش العماد جان قهوجي في تصريحات له في شباط الماضي، من أن الهدف الأساس لـ”داعش” وفق ما أفاد به موقوفوها الكبار، هو إشعال فتنة شيعية ­ سنية في لبنان، كما أنه “يريد الوصول إلى البحر اللبناني في الشمال، وليس لديه مثل هذا الممر لا في العراق ولا في سوريا”.



وتتالت التوقيفات، مستهدفة تفكيك خلايا “داعش” العنقودية، وكافة المرتبطين بالتنظيم عبر إجراءات الأمن الاستباقي، وكان أبرزهم “أمير التنظيم في شمال لبنان” الذي أوقفه الأمن العام أواخر العام الحالي، وقبله شرعي التنظيم في المنطقة.وفيما تواصل الأجهزة الأمنية الرسمية لاحقة المشتبه بهم، محافظة على مستوى جهوزيتها الأمنية، يواصل القضاء اللبناني محاكمة المتهمين، ما يجعل عام 2015، عام الإنجازات الأمنية للسلطات اللبنانية.