خطت العلاقات السعودية ـ التركية قدماً نحو تعاون «استراتيجي« في شتى الملفات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية، وأثمرت القمة التي عقدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في الرياض أمس مع ضيفه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، اتفاقاً على ضرورة تشكيل «مجلس تعاون استراتيجي».

واستعرض العاهل السعودي مع ضيفه خلال اجتماعهما في قصر اليمامة «العلاقات الثنائية، وبحث آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين، وسبل تطويرها وتعزيزها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة تطورات الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية»، وفق وكالة الأنباء السعودية (واس).

ووصل الرئيس التركي إلى المملكة أمس حيث أجريت له مراسم استقبال رسمية، وعُزف السلامان الوطنيان للبلدين، ثم استُعرض حرس الشرف. وكان في استقبال اردوغان، إلى جانب العاهل السعودي، كل من الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني، وعدد من الوزراء، وقادة القطاعات العسكرية.

وقد أقام خادم الحرمين الشريفين مأدبة غداء تكريماً لرئيس تركيا، والوفد المرافق له.

ويرافق اردوغان، الذي يختتم زيارته اليوم إلى السعودية تلبية لدعوة العاهل السعودي، عقيلته أمينة اردوغان، ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي برات ألبيرق، ووزير المالية ناجي أغبال.

وتعد هذه ثاني زيارة لاردوغان للمملكة خلال 10 شهور بعد الزيارة التي قام بها للسعودية في آذار الماضي وأجرى خلالها مباحثات مع العاهل السعودي، والثالثة له للمملكة خلال العام الجاري بعد الزيارة التي قام بها في كانون الثاني الماضي لتقديم واجب العزاء في العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

كما تُعد المباحثات المرتقبة بين الزعيمين الثانية خلال شهرين، بعد المباحثات التي جمعت بينهما الشهر الماضي على هامش زيارة الملك سلمان إلى مدينة أنطاليا في تركيا.

الجبير

ووصف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مباحثات الملك سلمان مع الرئيس التركي بأنها كانت بناءة ومثمرة وإيجابية. وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي: إن المباحثات تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وكانت وجهات النظر متطابقة، كما نتج عنها رغبة القائدين أن يُشكّل مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى بين البلدين.

وأضاف أن مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين سيكون مهتماً بأمور عديدة بما فيها المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة والتعليم والشؤون الثقافية والطب وغيرها من المجالات، وسيدير المجلس وزيرا الخارجية في البلدين بمشاركة مسؤولين من وزارات ومؤسسات وقطاعات أخرى.

وأوضح الجبير أن المجلس يهدف إلى نقلة نوعية في العلاقات المتينة بين المملكة وتركيا تخدم مصالح البلدين والشعبين، وتسهم في الأمن والاستقرار والرخاء في المنطقة.

ونوه بتطابق الرؤى بين البلدين في مختلف القضايا السياسية والأمنية التي تعيشها المنطقة، مثمناً الموقف التركي الداعم للتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب.

وأشار الجبير إلى أن محادثته مع نظيره التركي تطرقت إلى الأوضاع في سوريا والعراق واليمن وليبيا، بالإضافة إلى عملية السلام وأهمية انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

وأضاف: كما بحثنا سبل التصدي للإرهاب والتطرف في المنطقة، والتصدي للتدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة، إلى جانب بحث التعاون في ما يتعلق بالتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب.

وقال الوزير الجبير إن قتل زهران علوش زعيم جماعة جيش الإسلام السورية في ضربة جوية روسية الأسبوع الماضي لا يخدم عملية السلام في سوريا. وأوضح الجبير «نعتقد أن اغتيال (علوش) أو محاربة زعامات أيدت حلاً سلمياً وتحارب داعش في سوريا لا يخدم العملية السلمية في سوريا.. ولا يخدم محاولة الوصول إلى حل سياسي في سوريا«.

وأضاف «أنا لا أعرف ما يدور في أذهان الروس ولا أعرف السبب الذي جعلهم يقومون بفعل مثل هذا ولكن ما أعرفه أنه إذا أردنا الوصول إلي حل سلمي في سوريا (علينا) أن نتعامل مع كل الفئات السورية التي لم تلطخ أيديها بالإرهاب.. والجماعات الإرهابية معروفة«.

وأكد وزير الخارجية التركي دعم بلاده لجهود المملكة، وتعاملها مع قضايا المنطقة على الصعيدين السياسي والعسكري، مشدداً على مساندة تركيا الدائمة لجهود المملكة في محاربة الظلم باختلاف أشكاله، مشيراً بذلك إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، إلى جانب الإسهام بفعالية كبيرة لإيجاد حل للأزمة السورية، مستشهداً بالاجتماع الموسع لفصائل المعارضة السورية الذي عُقد بالرياض، معرباً عن تأييد بلاده للبيان الذي صدر عن الاجتماع.

وقال: إن البيان يواكب موقف بلاده من الحرب في سوريا، الذي ينبغي أن يتوقف بالاحتكام إلى طاولة المفاوضات للخروج بحلول سلمية لمصلحة مستقبل سوريا، الذي يجب أن يكون خالياً من بشار الأسد.

ولفت أوغلو الانتباه إلى أن تركيا لا تبحث عن التوتر في علاقاتها مع أحد، مؤكداً ترحيب بلاده ومد يدها لروسيا إذا كانت بالفعل تريد محاربة تنظيم داعش والقضاء عليه.

ونوه وزير خارجية تركيا بالتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، الذي وصفه بأنه خطوة جادة وموفقة ضمن العمل الدولي لمواجهة الإرهاب ودحره ومحاربته، في مختلف الدول المتحالفة، مؤكداً أن تركيا تدعم هذه الخطوة، وعازمة على المشاركة فيه بفعالية، بحيث يكون لها دور بارز وكبير، لا سيما وأن هذا التحالف سيكون رادعاً للإرهاب الذي يُعد شكلاً من أشكال الظلم الذي ترفضه تركيا تماماً وتسعى لمحاربته.

وأثنى أوغلو في ختام تصريحه على السعودية ومبادراتها الدائمة على مستوى العمل الإقليمي بشكلٍ عام، وفي سبيل تعزيز العلاقة مع بلاده على وجه الخصوص، مشدداً على حرص حكومة بلاده على إنجاح مشروع مجلس التعاون الاستراتيجي عالي المستوى بين البلدين الشقيقين، بحيث يصبح واقعاً معاشاً، لأن هذا المشروع سيزيد من ترابط البلدين ويوثق ويضاعف العمل المشترك، على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في ما يتعلق بالطاقة، ويعزز التعاون في المجالات الصحية والثقافية والاجتماعية والسياحية.

وكانت وكالة أنباء «الأناضول» التركية ذكرت أن الزيارة «تأتي في إطار تبادل وجهات النظر» حول سلسلة من «الأحداث والمتغيرات الجيوسياسية السريعة التي تمر بها المنطقة». وأوضحت أنه «على رأس الملفات التي سيناقشها قادة البلدين، الأحداث في اليمن» حيث تقود السعودية منذ آذار، تحالفاً عربياً ضد المتمردين الحوثيين وحلفائهم المدعومين من إيران، دعماً للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.

كما سيتطرق الجانبان، بحسب «الأناضول»، الى «تطابق رؤية البلدين في حتمية رحيل نظام بشار الأسد، والتأكيد على الحل السياسي للقضية، مع المحافظة على سيادة ووحدة التراب السوري (...) وتحفظهما على التدخل الروسي المباشر الى جانب نظام الأسد».

وكان الرئيس التركي انتقد ازدواجية المعايير حيال التعامل مع المنظمات الإرهابية، قائلاً «إن التغاضي عن ممارسات التطهير العرقي للمنظمات الإرهابية مثل «حزب الاتحاد الديمقراطي« (الكردي السوري)، و»وحدات حماية الشعب»، والقبول بالمنظمات الإرهابية لمجرد أنها تتصارع مع تنظيم داعش، إنما يعني صب الزيت على النار في المنطقة«.

وأوضح اردوغان قبيل سفره إلى المملكة أن الزيارة تشكل فرصة لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلى التطورات في المنطقة، مبيناً أنه سيتناول خلال الزيارة مع المسؤولين السعوديين مسائل متعلقة بالطاقة توليها تركيا أهمية خاصة، على غرار تنويع مصادر الطاقة، مشيراً إلى أنه سيبحث خلال اللقاءات أيضاً القضايا الحساسة في المنطقة على رأسها التطورات في سوريا والعراق واليمن وليبيا.

وذكر اردوغان أن تركيا والتحالف الدولي اتخذا خطوة في جرابلس (شمال شرقي حلب) خصوصاً من أجل تطهيرها من داعش، مؤكداً أن هذه الخطوة متواصلة وستنجح.

ولفت الرئيس التركي إلى أن الطروحات والمقترحات والتوصيات التي تنبتها تركيا معروفة في ما يتعلق بحل الأزمة السورية، مشدداً أن الخطوات التي ستُتخذ من دون الأخذ في الاعتبار التركيبة الاجتماعية وتاريخ المنطقة ومتغيراتها لن تجلب غير الظلم والدموع.

وتابع قائلاً: «نواصل التضامن والتشاور مع المملكة العربية السعودية في مرحلة تكثفت فيها الجهود من أجل حل سياسي في سوريا، وأؤكد أن هدفنا هو إحلال سلام دائم ومستدام وعادل في كافة مناطق الأزمات وعلى رأسها سوريا«.