أشعرُ بالبردِ كما كلِّ الصباحاتِ التي تلَت غيابَك...هذا الارتعاشُ المربكُ الذي اخترتُه عن سبقِ إصرارٍ منذ أن تركتُ لك رسالةً قصيرةً أقولُ فيها /لنكن أصدقاء/,رحيلاً ارتجلتُه لأني أعرفُك,,عابرٌ يعشقُ الطرقات ..يستدرجُ الرحيلَ لمنابتِ خطواتِهِ,أنا اخترتُ الرحيلَ ,,إذن ,,وأنا أتحملُ تبعاتِ الفراغِ ..وأحملُ حقائبَ وَجَعي متفردةً بالسَّرابِ الذي يقتاتُ عليه جموحي... السادسة صباحاً ,صوتُ الرّيحِ يصنعُ معجزةَ الصَّخب مثل دمعةٍ تتجمدُ قبلَ أن تنزلق..المسافةُ بين السريرِ والمطبخِ تشبهُ ساحةَ ركضٍ لا تنتهي ..خطوة ..خطوتان..وتسحبني أفكاري نحوَ صحراءَ جليديةٍ لا متناهيةٍ...أسيرةِ اللاحدودِ واللاوقتِ..واللافرحٍ..واللاحبٍّ...أسيرةِ اللاتوازن.. أتمايلُ وأنا أعبرُ الفراسخَ كمن يمشي على حدِّ سيفٍ يُدمي باطنَ القلبِ الذي يجهشُ بالتّذكرِ كلما هبّتِ الرّيح.. أيها الخريفُ القابعُ في ركنٍ وحيدٍ..هل أشبهك؟؟تمشي عارياً كما وحدتي على رصيفِ قصيدةٍ غير ِمكتملةٍ..كلُّ نصوصي تشبهُ حالةً مررْتُ بها ذاتَ تكرار..أتمددُ كي أسكنَ قوالبَ الضجرِ..هكذا أَراني..هكذا يَراني العابرونَ لِقصصي الغريبةِ..يتخوفون من نَظَراتي الّتي تُقيّـدُ حَرَكاتِهم..يعلمون أنّ الحبرَ أداةٌ فاحشةٌ تَرسمُ نبضَهم..وأنا الرّسّامةُ التي تعشقُ سلبَهم تفاصيلَهم الخَفيَّة .. لم أصلْ إلى الفنجانِ الذي أتعمدُ أن أخفيه ..ممنوعةٌ أنا من اقترافِ لعنتي الممنوعة..أنا التي لا قيدٌ يحبطُني حينَ يتعلقُ الأمرُ بمتعةٍ ممنوعةٍ.. أتصفحُ البريدَ الفارغ ..لم أعدْ أحتفظُ بخيباتي ..أَعدمُها,كما تفعلُ سيدةٌ حكيمةٌ مع مخلفاتِ مرضٍ بغيضٍ,وبريدي مرضٌ مزمنٌ أعدمُه أولاً بأول..رسالةٌ وحيدةٌ أتركها كطعمٍ كيْلا تفجعُني الصفحةُ الفارغة... من قارئٍ مسلوبٍ ببذخي في تعريةِ النّدوبِ يقولُ إنّ ما أكتبُه يغريه بخوضِ غِمارِ العشقِ من جديد..أكتبُ له رسالةً مقتضبةً وأُذيّلها بتوقيعٍ مبهمٍ مع كلمةٍ أعرفُ أنها تكفي لتحدَّ من أحلامِه الصّبيانية../صديقي/.. ألمحُ في المدى البعيدِ نصاً كان ليكونَ بمثلِ روعةِ الماضي البعيد..لكنّه صار جُملا مُفكّكة ..كلُغمٍ تم تعطيلُه عن عمد..نصوصُه لم تعدْ تحرّضُني كي أكفَّ عن النّحيب وأنتحر,,,/الانتحارُ ليس موتاً ..في الكتابةِ هو الارتماءُ في حُضنِ الحبرِ ..واجترارُ الجمالِ والقبحِ على حدٍّ سواء,,,, -هل يمكنك أن تعودَ بي إلى سنتين سبقتا هذا الترهل؟؟ -لستُ في وضعٍ يسمح لي أن اغازلَ حرفَك أيّتها البعيدة.. -لم يكن طلباً للغزل ,فقط فرصة كي إدركَ ما فاتني من آخر نصٍّ مشترك,, لم أكن يوماً راضيةً عمّا أكتبه في حضورك..حروفي كانت ديوناً تستعبدني,فهلّا تركنا الحبلَ كي تقفزَ خيولُ المعنى في معركةِ الفصلِ بين الحروف؟؟ يقول...لي عاشقةٌ تغارُ من كلِّ قصيدةٍ يتمُّ إقحامي بها ولست على استعدادٍ لأخسرَها من أجل لحظةِ بوح.. ولي أنا أيضا أقولُ له,,عاشقون ينتظرون ميلادَ القصائدِ وإن كانت من عابرٍ لا يعرفونه .,يثقون في حبري أكثرَ مما تثقُ بك عشيقتُك... ويكتبُ النصّ نيابةً عنها,,,,/مجنونة,,كلما شعرت بوعكةٍ عاطفيةٍ تتسلقُ جبلَ الحبر الهُلامي ولا أحدٌ يُنقذها من الشرود تلك إلا لحظةَ عريّ في حضرةِ البردِ اللذيذ.