يعيش البعض روح عيد الميلاد، فيبتهجون بالزينة وبأجواء العيد، فيما يقف آخرون غيرَ مبالين تماماً بهذه الأجواء. ويبدو أنّ التفاعل مع الأعياد في شهر كانون الأوّل يتعلّق مباشرةً بالدماغ، بحسب ما أفادت دراسة دانماركية. إذا كان البعض يلهَف إلى تحضير شجرة الميلاد وينتظر بشوق احتفالات العيد، فيهتمّ بالزينة وبكلّ المظاهر التي تحيط بهذه المناسبة المجيدة، يبقى آخرون غيرَ مهتمّين في هذه الفترة ولا يَشعرون بشيء مميّز تجاهها. وقد حاوَل العلماء اكتشاف سرّ سِحر عيد الميلاد بالنسبة للبعض.

العيد في رؤوسكم

أجرى علماء دانماركيون أبحاثاً على 20 شخصاً. بدايةً طرَحوا عليهم أسئلة عن طريقة عيشهم لهذا العيد، واطّلعوا على تصرّفاتهم في هذه الفترة من السَنة، كما حاولوا تحديد تفاعلِهم مع أجواء الميلاد. وتبيّنَ للعلماء أنّ 10 مِن الذين شَملتهم الدراسة يحتفلون بالمناسبة المجيدة ويبتهجون بحالة الفرح والزينة، بينما لا يهتمّ العشرة الآخرون بهذه الأجواء.

ودرسَ العلماء ردّات فعل دماغ الأشخاص الذين خضَعوا للدراسة، فعرَضوا عليهم صوَراً، منها عن عيد الميلاد ومنها عن أمور أخرى، وراقَبوا تفاعلَ دماغهم مع الصوَر بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي.

وأظهرَت النتائج أنّ 5 مناطق في الدماغ تفاعلَت بشكل أكبر عند الأشخاص الذين يتأثّرون بالعيد، وذلك لدى رؤيتهم صوَر شجرة الميلاد وصوَر بابا نويل والمغارة والزينة. ويؤكّد العلماء أنّ مناطق الدماغ المتفاعلة عند هؤلاء ترتبط بالإجمال بالاستعداد إلى الروحانية وبعِرفان الفضل وبالتعبير من خلال ملامح الوجه. كما كشفَت الدراسة أنّ ملايين الأشخاص لا يتأثّرون بسِحر العيد.

وأظهرَت هذه الدراسة أنّ روحَ عيد الميلاد موجودة فعلاً في نفوس عدد كبير من الأشخاص، ربّما بسبب انتشار الزينة أو نتيجةً لتربية اجتماعية معيّنة أو حتّى نتيجةً لإيمان بقدسية هذا العيد، ما يَجعل البعض يبتهجون بكلّ مظاهره. ويَعزو البعض أيضاً تأثيرَ روح العيد وسِحره إلى قوّة التسويق لأجوائه.

وتمكّنَت الدراسة من إظهار أنّ روح الميلاد تُحدَّد في دماغ الإنسان، على رغم أنّها ما زالت تتّسِم بالغموض بالنسبة للباحثين الذين يبقى سِحر العيد بالنسبة إليهم ظاهرةً معقّدة لا يمكن تفسيرُها كلّياً.

روح العيد الحقيقية

وفي هذه الفترة من السَنة تتبلوَر فرصة تنمية روح العيد الحقيقية، من خلال تقاسُم اللحظات الجميلة مع الآخرين ودعمِ الروح الإيجابية في داخلنا. فعَيشُ روح العيد على حقيقتها لا يكون فقط بالابتهاج بالشجرة والزينة والهدايا، إنّما أيضاً يتجلّى من خلال الصلاة والتسامح والمحبّة والاهتمام بالآخر أكان قريباً، صديقاً، أو زميلاً... أو حتّى غريباً نلتقي به فنبادله تصرّفاً محبّاً أو نحسن إليه. ويُذكَر أنّ اهتمامنا بالآخر والعمل على عيش الفرح معه قد يساعدنا حتّى في التخلّص من التعب والتعصيب والإجهاد.

الاستمتاع مع العائلة

إلى ذلك، ينطبق عيشُ روح العيد أيضاً على العشاء العائلي الذي غالباً ما يَجمع الأقارب والأحبّاء في هذه الليلة المباركة. ويحبّ عددٌ كبير من الناس حضورَ هذا العشاء وهُم غالباً ما يكونون من الذين يستمتعون بعيش روح العيد، خصوصاً أنّ هذا العشاء جزءٌ منها، في حين هناك من لا يحَبّذون أبداً التواجدَ في هذه الجَمعة العائلية.

ماذا لو حاوَلنا الاستفادة من العيد لتعزيز الروابط العائلية؟

تؤكّد الطبيبة النفسية والمعالجة العائلية الفرنسية جولييت ألي أنّ عيد الميلاد يُحتّم عيشَ السعادة ورسمَ الابتسامة على الوجوه. ففي العيد يجب أن يكون كلّ شيء جميلاً ويجب أن يُظهرَ الناس مشاعرَ الحب للآخرين وأن يقدّموا لهم الهدايا.

كما يجب أن تكون الجَمعة مع العائلة مثالية. وتشير ألي إلى أنّ ذلك يُحتمّ أحياناً إجبارَ أنفسِنا بطريقة لا واعية على ادّعاء محبّة أشخاص لا نحبّهم. فالعديد من العائلات تضمّ قصصَ الخلافات والتشنّجات والنعَرات والمشاكل والكلام غير اللائق. وفي حين تدفَع أجواء الميلاد أفرادَ العائلات إلى الاجتماع وتخطّي الخلافات، يشَكّل ذلك ضغطاً على البعض.

فلا يمكنهم التعبير عن عدم ارتياحهم بهذه الجلسة العائلية، ما «يخنقهم». وقد يؤدّي ذلك إلى بعض «اللطشات المبَطّنة» بين الحاضرين، أو إلى انفعال أحدِهم على آخر دون سبَب، وذلك لارتباطه بتراكمات سابقة.

وتتحدّث الطبيبة النفسية عن شرخٍ كبير يَحدث بين الصورة المثالية التي نسعى إلى ادّعائها وبين ما يدور في داخلنا. فنحن نُظهر الفرحَ برؤية أقربائنا في حين تضجّ نفسيتُنا بجميع الحسابات التي لم تُفَضّ في السابق.

من جهتها، تشير المعالجة العائلية الفرنسية نيكول برييور إلى أنّ عقلَنا الباطني يَحمل نقصَنا والأمنيات التي لم نحصل عليها في الماضي، وفي فترة الأعياد الكبيرة والاجتماعات العائلية تصحو الجروح في داخلنا.

ويشدّد علماء النفس في هذا الإطار على أهمّية إعادة تقييمنا لأنفسِنا، ما يَسمح لنا بالتقدّم وبتخطّي الماضي والجروح والخلافات. ويشكّل العيد وروحُه المنتشرة في الأجواء فرصةً لرؤية الأمور من زاوية جديدة تُحرّرنا من ماضينا وتَسمح لنا بقضاء أوقات ممتعة مع العائلة.