لم تكن حادثة إختطاف الصيادين القطريين الأخيرة، وقبله إختطاف عمال البناء الأتراك، حادثتين عابرتين في المعنى والمدلول السياسيين، بل هما تأكيد على تعاظم وتغوّل الميليشيات التي أسستها وشكلتها إيران في العراق، أبان الإحتلال الأميركي وحتى يومنا الحاضر، ولتغدوا هذه الميليشيات وبإشراف من (عرابها) الجنرال قاسم سليماني، قائد فرقة القدس للعمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، القوة المهيمنة والباسطة سيطرتها فعلياً على بغداد وباقي المحافظات العراقية الأخرى، بعدما باتت القوى الأمنية الرسمية عاجزة عن التصدي لها.

وفي هذا السياق، يسعى برلمانيون عراقيون الى طلب تدخل دولي يوقف مسلسل الإغتيالات، والذي إزدادت وتيرته في الفترة الأخيرة، فيما أشار عضو البرلمان خالد المفرجي، الى إرتباط أغلب عمليات الإغتيال الأخيرة بالميليشيات، والأجنحة المسلحة التابعة لأحزاب سياسية مختلفة في البلاد.

وأضاف أن عمليات الإغتيال التي حدثت في بغداد وديالى وكركوك في الآونة الأخيرة، قامت بها جهات ترتدي الزي العسكري، وتستقل سيارات تحمل لوحات تسجيل حكومية، كما أن اللجان التحقيقية الحكومية التي شُكلت لهذا الغرض، لم تكن جدية، ولم تستطع الكشف عن منفذي هذه الجرائم، أو هي أصلاً لا تريد الكشف عن ذلك.

وعلى هذا المنحى، أتهم الشيخ جاسم شيحان الجبوري، رئيس تجمع العشائر ببغداد، الحكومة بالتواطؤ مع الجماعات المسلحة، والتي تشكل تهديداً للتعايش السلمي في العراق، مشدداً على ان الحكومة، تدعم أكثر من 50 ميليشيا، تعمل بشكل علني في البلاد، وتحت غطاء الحشد الشعبي.

والواضح والأكيد أن قاسم سليماني، لعب دوراً كبيراً في عملية التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية العراقية، ومنذ زمن طويل، وقبل ان يسطع نجمه في السنوات الأخيرة، أبان الأحداث المشتعلة في سوريا والعراق.

إذ يقول السياسي الكردي المخضرم، محمود عثمان، (كان الشيعة يتفاخرون بأنهم يمتلكون ثروات العراق النفطية والغازية، ويستطيعون إقامة دول شيعية عصرية ويتخلصون من السنة والأكراد، الذين يعتاشون على نفط الشيعة، لكن اليوم من سيحكم هذه الدولة، وقاسم سليماني أسس 35 ميليشيا مسلحة كل واحدة بركان من النار تتحين الفرصة، لحرق الميليشيا الآخرى، وتقضي عليها، وكل واحدة تقول زعيمها هو الأقوى؟!).

و يستطرد السياسي الكردي، (و اتذكر أن سليماني، جاء الى مسعود البارزاني مطلع عام 2003، وقال له: أميركا عازمة على إسقاط صدام هذه المرة، فما رأيك ببقاء صدام ضعيف، نحن أقوى منه، وأن لا تأتي أميركا؟، قال له مسعود: ودماء ضحايا حلبجة والأنفال والمقابر الجماعية تذهب سدى؟!).

ويضيف عثمان، (قاسم سليماني، رجل مخابرات يعمل لمصلحة قوميته الفارسية وبلده، ولايهتم لضحايا صدام من العراقيين، وحتى من تسبب بسقوط الموصل، رفض قاسم سليماني محاكمتهم، وتم إغلاق القضية)!.

لا شك أن الميليشيات الشيعية أصبحت كياناً وسلطة قائمة في العراق، على الرغم من تعدد أجنجتها ورؤوسها القيادية، كونها إيرانية المنشأ والتشكيل والمرجعية، وبالتالي حالها كحال الجماعات والأحزاب الحاكمة في المنطقة الخضراء ببغداد، وعلى سبيل المثال لا الحصر: حزب الدعوة وحزب الحكيم.

ومن أنشط الميليشيات العاملة في الداخل العراقي، والتي لها أكثر من جناح وتسمية، هي ميليشيا (كتائب حزب الله)، حتى أن الباحث فيليب سميث في جامعة ماريلاند الأميركية، تناولها في دراسة تفصيلية ومهمة، كونه من المراقبين والمتابعين لتحرك الميليشيات الشيعية في المنطقة، وهو يرى أن هذه الكثرة الكاثرة من الميليشيات في العراق، تمثل ستاراً لإيران، يسمح لها بإخفاء نفوذها، ولهذا تدعم طهران أكثر من 50 ميليشيا في العراق، ومثلها في سوريا.

وبحسب ما اورده موقع (راصد الشرق الاوسط)، فإن الكثير من قيادات الميليشيا كانوا اعضاء في ميليشيا (جيش المهدي) التابعة للتيار الصدري، والتي احتضنتهم في لحظة معينة، لينفصلوا عنها فيما بعد، ويلتحقوا بهذا التشكيل، ومنهم مسؤول الكتائب في بغداد / الرصافة الشيخ مؤيد البهادلي، وعدد من مساعديه، الذين شاركوا في العمليات المسلحة التي شهدها العراق بين العامين 2004 و2008، وكذلك الحال بالنسبة لمسؤول الميليشيا في بغداد / الكرخ، المدعو احمد السعدي، وأيضاً المسؤول الاداري والمالي، الشيخ كمال الفرطوسي، الذي هو عنصر سابق في ميليشيا (جيش المهدي)، ويتردد باستمرار على ايران ولبنان.

ومن ابرز قيادات الميليشيا اليوم: جعفر الغانمي الملقب (ابو اسلام)، والذي يتولى مهام الامين العام، جاسم السوداني الملقب (ابو احمد السوداني)، ويشغل عضو مجلس الامناء، جاسم الجزائري، وهو مسؤول المكتب الاعلامي والناطق الرسمي وعضو مجلس الامناء، عدنان المحمداوي عضو مجلس الامناء، والمشرف على مكتب الهيئة الاقتصادية للميليشيا، محمد الصافي، رجل الدين المعمم، وهو المفتي الديني والشرعي (لكتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء)، جعفر الحسيني، وهو الناطق العسكري.

هذا، ويتولى المرجع الشيعي (آية الله محمد السند)، وهو من أصول عراقية، ويقطن حالياً في لبنان، مهام الاشراف العام على هذه الميليشيا.

و أخيراً وليس آخراً، لا يزال المسؤولون الإيرانيون مستمرين في خطابهم العنصري والمعادي للعرب، عبر الرجع البعيد لثاراتهم التاريخية واستذكارها على نحو بغيض، حيث ألقى مستشار الرئيس الإيراني لشؤون القوميات والأقليات الدينية، علي يونسي كلمة تقطر سماً في معاداة العرب، حتى أنه زعم في كلمته هذه، (أن تحرك داعش جاء تلبية لنزعة العرب الرامية إلى التحكم في العالم الإسلامي والتخلص من شعورهم بالدونية تجاه الفرس والأتراك).

مدعياً أن أغلب الأحداث التي نعيشها اليوم هي (محاولة لاستعادة سيطرة العنصر العربي على العالم الإسلامي)، وأضاف مستشار حسن روحاني، الذي كان يخطب في مراسم أقيمت في (حسينية فاطمة الزهراء) بالعاصمة الإيرانية طهران، (تعد إيران منطلق كافة الثورات المعادية للظلم)، ومستذكراً (عندما قتل الإيرانيون شقيق المأمون الأمين-، سحبوا السلطة من العرب إلى الأبد)!.

    المصدر: المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات