تتصدّر قضية انتخاب رئيس للجمهورية قائمة القضايا الملحة، كما يراها اللبنانيون، بواقع 40% متقدمة عن سواها من القضايا مثل حلّ أزمة النفايات (24%) والاستقرار الأمني (22%)، كما أظهر استطلاع للرأي أجرته «شركة آراء للبحوث والاستشارات» بين 26 تشرين الثاني و4 كانون الأول 2015 وشمل عينة من 500 شخص موزعين مناطقياً وديموغرافياً بشكل مماثل للتوزيع السكاني في لبنان.
ويمكن القول إن الأولوية التي ترتديها قضية انتخاب رئيس للجمهورية ليست وليدة الساعة مع احتلال موضوع انتخاب الرئيس صدارة الاهتمامات السياسية والإعلامية. إذ حتى في عز توهّج الحراك الشعبي الذي انطلق في شهر آب الماضي، كان انتخاب رئيس للجمهورية يتصدّر الأولويات وقتها متقدّماً على قضية تحرير العسكريين، وحتى على موضوع النفايات نفسه.
والسبب أن الكثير من اللبنانيين يرون في انتخاب الرئيس مدخلاً للحلّ، لتحتلّ بذلك هذه القضية صدارة القضايا الملحّة لدى معظم المناطق والشرائح الاجتماعية والاقتصادية المختلفة وإن تخلل ذلك بعض التفاوت.
المرشح المفضّل للرئاسة
لم يعط 67% من اللبنانيين المستفتين اسماً محدداً لمرشح مفضّل لديهم لرئاسة الجمهورية بصرف النظر عن الأسماء المتداولة. 36% يقولون إن لا أحد مرشحهم للرئاسة، فيما 31% لم يعطوا جواباً على هذا السؤال. ويرى محللو «شركة آراء للبحوث والاستشارات» في هذه الأرقام دلالتين هامتين: الأولى، هي تضاؤل منسوب الانحياز السياسي لدى اللبنانيين، وفي ذلك توكيد لنتائج الاستطلاع الذي أجرته «آراء» في أيلول الماضي وأظهر أن 73% من اللبنانيين لا يؤيدون أياً من الأحزاب والقوى السياسية، وفي ذلك انعكاس إلى كون معظم الأسماء التي قد تستحضرها ذاكرة اللبنانيين هي من الأقطاب الذين يهيمنون على مشهد الساحة السياسية. كما أن منسوب الحماسة لمرشح آخر بعد ثمانية عشر شهراً قد تضاءل، وتضاءل بالتالي الاهتمام بمَن سيصل من المرشحين إلى منصب الرئاسة الأولى.
أما الدلالة الثانية فهي أن اللبنانيين يريدون انتخاب رئيس للجمهورية ويعتبرون ذلك مدخلاً للحل بصرف النظر عن اسم الرئيس تحديداً وتوجّهاته.
أما في موضوع الأسماء، فلعل ذكر المستفتين لاسم معين أو عدمه يتأثر بشكل كبير بحظوظ هذا الاسم للوصول إلى سدة الرئاسة، مما يؤدي إلى تسمية مرشحين مفضلين، حتى لو لم يكونوا مفضلين بشكل مطلق، لكون فرصهم في الوصول أعلى من المرشح المفضل.
وعند الخوض في الأسماء، يأتي اسم سليمان فرنجية (اسمه موضوع الساعة)، في المرتبة الأولى لبنانياً بواقع 13%. ميشال عون 8%. زياد بارود 3%.
أما مسيحياً، فيتصدّر عون بنسبة 11% يليه فرنجية 7% ثم جعجع 4%. وترتفع نسبة الذين لم يعطوا اسماً محدداً للرئاسة إلى 69% مسيحياً (40% يقولون إن لا أحد مرشحهم و29% لم يعطوا جواباً). ولا يفوقهم بذلك إلا الدروز بواقع 81% (42% يقولون لا أحد و39% لم يعطوا جواباً)، مع الإشارة إلى ارتفاع أسهم فرنجية عند الدروز إلى نحو 10% على خلفية دعم وليد جنبلاط له وكونه كان أول من بادر الى طرح الاسم في الإعلام. وترتفع أسهم فرنجية عند أبناء الطائفة الشيعية كرئيس مفضل 29% يليه عون 16%، بينما تنخفض نسبة الذين لم يعطوا اسماً محدّداً عند أبناء الطائفة الشيعية إلى 52% منهم 27% يقولون إن لا أحد مرشحهم، و25% لم يعطوا جواباً على السؤال.
المرشح المتداول.. للرئاسة
وعند إلزام المستفتين بالأسماء المتداولة، وعند حصر الأسماء بتلك التي يتم التداول بها حالياً لملء موقع الرئاسة الأولى الشاغر، فإن الصورة لا تختلف كثيراً على صعيد الترتيب باستثناء اسم سمير جعجع الذي يحلّ ثالثاً بواقع 4.2% مدفوعاً بتفضيل لا بـأس به لدى الطائفة السنية بواقع 10.2% ليحلّ بين عون (3.6%) وفرنجية (16.6%) مما يشير إلى اعتراض سني مبطَّن على دعم الحريري لترشيح فرنجية.
بالإجمال، يظهر هذا الاستطلاع مدى توق اللبنانيين إلى حلول، وهم يرون في انتخاب رئيس للجمهورية مدخلاً لبدء الحلول للأزمات المتفاقمة أكثر مما يرون ذلك هدفاً قائماً بذاته. وما ارتفاع أولوية انتخاب رئيس للجمهورية مقروناً بارتفاع النسبة التي لا تذكر اسماً محدداً سوى إشارة واضحة إلى أن التوق إلى الحلول يتفوق على الميول السياسية بأشواط.
أزمة النفايات: 24% أولوية
وفيما يحتل موضوع انتخاب رئيس للجمهورية صدارة الأولويات في معظم الشرائح الاجتماعية والاقتصادية، فإن إيجاد حلّ لأزمة النفايات يتصدر قائمة الأولويات لدى الذين يتراوح دخلهم الأسري بين 1200 و1800 دولار بواقع 35% ليتقدّم بذلك على قضية انتخاب رئيس للجمهورية (29%) لدى هذه الفئة.
أما لدى فئات الدخل الأسري الأخرى، فإن إيجاد حل لأزمة النفايات ينال تسمية 25% من الفئات الفقيرة التي يقل دخلها الأسري عن 800 دولار، و19% لدى الذين دخلهم الأسري بين 800 و1200 دولار، و31% لدى الذين دخلهم الأسري بين 1800 و2800 دولار. أما الفئة ذات الدخل الأسري بين 2800 و3800 دولار، فإن إيجاد حل لأزمة النفايات هو أولوية لدى 33% من أفرادها، ولدى 22% من الذين يأتون من أسر دخلها بين 3800 و5000 دولار. أما لدى الأغنياء الذين يزيد دخلهم الأسري عن 5000 دولار فإن موضوع النفايات هو أولوية لدى 27% منهم.
طائفياً، وعلى الرغم من احتلال موضوع الرئاسة الأولوية لدى جميع الطوائف، كما أسلفنا، فإن حل أزمة النفايات يشهد ارتفاعاً لدى المسيحيين يصل إلى 31%، بينما يتراوح في حدود الـ20% لدى الطوائف الأخرى.
وترتدي أزمة النفايات التي تحوز على اعتبار جميع الفئات العمرية لكونها بين الأولويات، مكانة خاصة لدى الفئة العمرية من 21 إلى 24 عاماً التي شكلت الجسم الشعبي الأساسي للناشطين في الحراك الشعبي الأخير، بواقع 63% متخطية بذلك قضية انتخاب رئيس للجمهورية (45.6%). أما في الفئات العمرية الأخرى، فإننا نجد حل أزمة النفايات هو من الأولويات الملحّة لدى 31% من الفئة من 18 إلى 20 عاماً، بينما يتراوح بين 17% و21% لدى الفئات العمرية الأخرى.
الاستقرار الأمني: 22%
ويحتل موضوع الاستقرار الأمني مكانة مهمة في ترتيب الأولويات ليأتي ثالثاً بواقع 22% بعد موضوعَي الرئاسة والنفايات. وفيما لا يحوز هذا الموضوع على ذكر كبير لدى المسيحيين (16%)، فإنه يتساوى مع أولوية انتخاب رئيس للجمهورية لدى الطائفة الشيعية بواقع (31%). أما لدى باقي الطوائف، فإن موضوع الاستقرار الأمني يذكره 21% من السنة و22% من الدروز.
الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي: 19%
ويأتي موضوع تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي أيضاً ضمن قائمة الأولويات بواقع 19%. وهذه النسبة ترتفع إلى 29% لدى أهل الجنوب فيما تنخفض إلى 10% في بيروت، وتتراوح بين 15% و20% في المحافظات الباقية. كما ترتفع هذه الأولوية لدى الفئة العمرية من 45 إلى 54 عاماً التي تتحمّل الجزء الأكبر من الهموم الحياتية من النفقات المعيشية وصولاً إلى أكلاف الاستشفاء والتعليم لأولادها لتصل إلى 30%. بينما لا تتخطى عتبة الـ21% لدى الفئات العمرية الأخرى.
تجدر الإشارة إلى أن برغم الأهمية التي ترتديها قضايا أخرى، غير أنها لا تعتبر أولوية أو أمراً ملحاً بالنسبة لغالبية اللبنانيين المستفتين. موضوع الانتخابات النيابية وفق قانون جديد للانتخابات (8%)، تأمين فرص عمل وإنهاء البطالة (7% إجمالاً وترتفع إلى 17% لدى أهل الشمال)، التأمينات والضمانات الاجتماعية والصحية كضمان الشيخوخة والضمانات الصحية والاستشفائية وتأمين الكهرباء والمياه (6%)، كلها قضايا ذات أهمية كبيرة وتمّ ذكرها من قبل المستفتين، لكنها إما ليست أولوية بالنسبة اليهم، أو أنهم يعتبرونها صعبة التحقيق.