استطاعت موسكو وواشنطن، بعد اجتماع وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، لمدة 3 ساعات في موسكو أمس، من جسر الهوّة بين مواقف البلدين تجاه الأزمة السورية وإعادتها الى طريق الحل، بعدما بدا أنها دخلت في نفق جديد في ظل مقررات مؤتمر الرياض الخميس الماضي. وفتح لقاء موسكو الباب أمام عقد اجتماع جديد للمجموعة الدولية لدعم سوريا في نيويورك الجمعة المقبل، كمقدمة لإصدار قرار من مجلس الأمن بشأن عملية التسوية السورية بناء على «بنود فيينا».
ويبدو أن الكلمة المفتاح كانت إطاحة ما خرج به مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، اذ اعلنت واشنطن وموسكو اتفاقهما على مواصلة العمل على وضع قائمة المعارضة المعتدلة وقائمة الإرهابيين، بالإضافة إلى إعلان كيري أن «الولايات المتحدة والشركاء لا يسعون إلى تغيير النظام في سوريا» حالياً، مع تمسكه بأن الرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن أن يكون زعيماً لسوريا في المستقبل.
واستقبل بوتين وزير الخارجية الأميركي، في موسكو بحضور لافروف لمدة 3 ساعات، بعد أن كان الموعد ساعة واحدة. وقال بوتين لكيري «أنا سعيد جداً بأن أتيحت لي فرصة لقائك والتحدث إليك». وأضاف «لقد أبلغني لافروف الآن اقتراحيك بالتفصيل وعدداً من القضايا التي تتطلب مزيدا من النقاش». وتابع «نحن نبحث معاً عن سبل للخروج من أكثر الأزمات تعقيداً، وأعلم أنه بعد لقائنا في باريس أعدَّ الجانب الأميركي رؤيته لحل مشاكل عدة، بما فيها الأزمة السورية».
وقال كيري، من جهته، إن «روسيا والولايات المتحدة تستطيعان سوية فعل الكثير للتقدم في حل المشكلة السورية، ففيينا 1 و2 بداية جيدة، وتفتح إمكانيات كثيرة. ومن الواضح جداً، أنني ولافروف متفقان بأن البلدين من الممكن أن يعملا الكثير سوية للتقدم» في مسألة تسوية الأزمة السورية.
وقال كيري، الذي كان يجلس قبالة بوتين على طاولة مؤتمرات في أحد صالونات الكرملين، «لقد أتيحت لك فرصة الحديث مع الرئيس (باراك) أوباما في نيويورك، وبعد ذلك في باريس. وقد تعهدت أنت والرئيس أوباما محاولة وضع مقاربة، من خلالي ومن خلال لافروف، لمعالجة الوضع في أوكرانيا وسوريا، ولذلك فإنني أتطلع إلى نقاشنا الآن، واقدّر جدية تخصيصك الوقت والتفكير في هاتين القضيتين». وبعد ذلك طلب من الصحافيين الخروج من القاعة لتبدأ المحادثات المغلقة.

وقال لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك مع كيري، «ندعم عقد مؤتمر حول سوريا في نيويورك هذه الجمعة، ونأمل أن ينتج عنه التوصل لمشروع قرار يُقَدَّم لاحقا إلى مجلس الأمن»، مضيفاً «اتفقنا مع واشنطن على تقديم مشروع قرار بشأن سوريا إلى مجلس الأمن بناء على بنود اتفاق فيينا».
ووصف المحادثات مع كيري بأنها كانت ملموسة وموضوعية، مضيفا أن موسكو وواشنطن أكدتا إصرارهما على القضاء على الإرهاب. وأعلن أن «لقاء المعارضين السوريين في الرياض ما هو إلا خطوة في عملية تشكيل قائمة موحدة للمعارضة للمشاركة في المفاوضات مع الحكومة السورية». وقال «كل الأطراف تعتبر داعش وجبهة النصرة منظمات إرهابية، ولا يمكنها المشاركة في المباحثات حول سوريا»، مضيفاً «تم الاتفاق على مواصلة العمل مع واشنطن لتحديد قائمة المعارضة المعتدلة وقائمة الإرهابيين».
من جهته، أكد كيري أن واشنطن وموسكو قرّبتا مواقفهما إزاء المسائل الصعبة حول سوريا، موضحاً أن الطرفين تبادلا المعلومات حول مواقع إجراء العمليات ضد الإرهابيين في سوريا.
وأشار إلى أنه «بيّن الموقف الأميركي حول عدم إمكانية المحافظة على الأسد»، لكنه أكد أن «الولايات المتحدة والشركاء لا يسعون إلى تغيير النظام في سوريا» حالياً.
وشدد كيري على ضرورة تفعيل التسوية السياسية في سوريا، موضحاً «لم نركز خلال المباحثات على خلافاتنا، سيما مصير الأسد، بل ركزنا على طرق التقدم في التسوية السياسية بسوريا». وقال «لقد أعلنا أننا لا نعتبر أن الأسد يملك إمكانية ليكون زعيما لسوريا في المستقبل. لكن اليوم ركزنا اهتمامنا ليس على الاختلافات في وجهات نظرنا، وليس على ما يجب فعله فوراً بحق الأسد، بل ركزنا على العملية السياسية التي سيقوم السوريون بأنفسهم في إطارها باتخاذ قرار حول مصير بلادهم».
وأعلن كيري انه نقل لبوتين قلق واشنطن من أن «بعض الضربات الروسية طاولت المعارضة المعتدلة» في سوريا. وقال «قلت بوضوح إننا قلقون لان بعض الغارات الروسية طاولت المعارضة المعتدلة وليس داعش». وأضاف «يسرني أن أقول انه (بوتين) اخذ ذلك في الاعتبار».
وشدّد على أن بلاده لا تمارس سياسة عزل روسيا، مضيفاً «الولايات المتحدة وروسيا تعملان بفعالية معا، وستستمران بالعمل المشترك حول سوريا الجمعة».
وتطرق إلى الأزمة الأوكرانية، مؤكدا أنه كلما تم الإسراع في تنفيذ اتفاقيات مينسك يتم الإسراع في رفع العقوبات عن روسيا.
وسبق اللقاء في الكرملين لقاء بين لافروف وكيري في وزارة الخارجية الروسية. وأهدى لافروف نظيره الأميركي دمية «بابا نويل». وقال لافروف إن كيري، وبعد دخوله مقر الخارجية الروسية، اقترب من شجرة عيد الميلاد في المبنى، وبدأ يقلب الزينة المعلقة على الشجرة، لا سيما دمية «بابا نويل» التي أعجبته، فما كان منه إلا أن انتزع الدمية من الشجرة وقدمها هدية لكيري، شارحا له تقاليد الضيافة الروسية التي تدعو إلى إهداء الضيف ما يحلو له في البيت.
وبعد اللقاء قام كيري بجولة برفقة السفير الأميركي جون تيفت في شارع أربات التجاري وسط موسكو حيث اشترى تذكارات وتبادل التحية مع المارة. واجتمع أيضا مع الناشطة في سبيل حقوق الإنسان ليودميلا الكسييفا.
وفي إطار التقارب بين البلدين، بحث رئيس هيئة الأركان الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف مع نظيره الأميركي جوزيف دانفورد، خلال اتصال هاتفي، التعاون المتبادل بين روسيا والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في سوريا.
وذكرت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، انه «بمبادرة من الجانب الأميركي جرى اتصال هاتفي بين غيراسيموف ودانفورد، تبادلا خلاله وجهات النظر حيال سوريا والجوانب العملية للتعاون المشترك بين القوات الجوية الروسية وطيران التحالف بقيادة الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم داعش».
وقال رئيس إدارة العمليات الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال سيرغي رودسكوي، إن الطيران الروسي قام منذ بداية العملية العسكرية 30 أيلول الماضي بتدمير أكثر من 1200 ناقلة نفط وصهريج، موضحاً أن المقاتلات الروسية نفذت أكثر من 4 آلاف طلعة عسكرية في سوريا، منها حوالي 150 بواسطة القاذفات الإستراتيجية.
وأشار رودسكوي إلى أن «العسكريين الروس على اتصال دائم بالمعارضة السورية المسلحة التي تحارب داعش، ويحصلون منها على إحداثيات مواقع التنظيم الإرهابي لضربها»، مضيفاً أن «جزء من المعارضة بدأ بالتنسيق مع الجيش السوري، ويصل عدد هؤلاء إلى أكثر من 5 آلاف شخص».