"استيقظ وعرفني"، تقول الوالدة فاديا بتأثّر شديد. لم تترك ولدها حسن ناجي ناصر لحظة واحدة، منذ تلك الساعة المشؤومة التي غيّرت حياته برمتها. "الحمد لله. ألف حمد لله"، تضيف، وعيناها تدمعان. وتروي كيف بدأ حسن بالبكاء لحظة رؤية أهله للمرة الأولى منذ التفجير.

الأم فاديا، الأب ناجي، الشقيق والشقيقة، العمات ومعظم أفراد العائلة توزعوا على الكراسي في الطبقة الخامسة (قسم العناية الفائقة) في مستشفى بهمن، في انتظار أي تطوّر للحالة الصحية لحسن، ابن الـ26 عاما الذي اصيب في انفجارَي برج البراجنة. كان وضعه الصحي مستقرا قبل بضعة أيام. لم يكن قد استيقظ بعد، لابقائه تحت تأثير ادوية قوية مسكنة.

 

بعد اخضاعه لعمليات جراحية عدّة في فكّه ورجليه، توقّف الأطباء اخيرا عن إعطائه الأدوية المسكنة. عندما استيقظ "وعرفني"، على قول والدته فاديا، بكى، وبكت معه. والبكاء لم يكن حزناً هذه المرّة، بل بكاء فرح بتحسّن حاله الصحية وزوال الخطر عنه. كأنّ 7 ساعات من البحث عنه في المستشفيات لإيجاده يوم التفجير زالت، واختفى رعب اللحظات الأولى، لأنّ التوق الى التحسّن والأمل جعلا من الفاجعة نقطة ضوء تكبر إذا نظرنا إليها بتمعّن.

في غرفة العناية الفائقة، تحدّثنا مع حسن. "إحكي معو. هوي برد براسو"، تقول أمه. لا زالت بعض آثار العملية في فكّه ظاهرة، وسيعاود الكلام في شكل طبيعي فور تحسّنه، يؤكد الأطباء. يرمش حسن بعينيه، يهز رأسه، ويتفاعل مع كل الكلام الذي قلناه له. إذاً هو ذلك الشاب الذي يعرفه أهله. وأكثر ما يفرحهم هو عدم تأثر دماغه بالتفجير... كأنه عرفهم.
أمسك حسن بالورقة، وكتب عليها بالعربية والإنكليزية: "إنت صورة تركيا لي؟" وقصد بذلك وضع صورته في مقال سابق وهو في تركيا، بدلاً من صورته وهو على سرير المستشفى. هزّ برأسه للدلالة على أنه أحبّ الأمر. بحسب ما عبّر عنه كتابةً وبالإشارات، يشعر بأن لبنان بات ضيقاً عليه. "أريد السفر على أميركا"، كتب على الورقة.

السفر جميل، لكن ليس عندما يفقد الشخص الأمل بوطنه. وحسن لا يريد السفر للسياحة، بل للعمل. أكثر ما يوجعه هو رجلاه المحطمتان. يشير الى إصبعيه، وشكلهما تغيّر. لكن هذا يمكن حلّه، "المهم أنك بخير".

تتصل في هذه الأثناء عمّته فريحة للإطمئنان اليه. "صار حسن كتير منيح. ألف حمد لله". كلامها يطمئن، وكل من حوله لا يكفّ عن الابتسام وملازمته. أمه فاديا تقف عند باب الغرفة، لأنه ممنوع ان يكون شخصان في الوقت عينه في الغرفة. "أنا ما بتركك يا ماما"، وتؤكد له أنها تبقى في المستشفى حتى وهو نائم. "يريدونني أن أبقى في المنزل، وابني في المستشفى. كيف أنام"؟ يُذكر ان المستشفى منعت الأم من النوم في الغرفة عينها مع ابنها، لأن "الأسرّة معقّمة ولا يمكن لغير المريض استخدامها"، كما منعتها من إحضار سريرها الخاص. فالحل الوحيد لفاديا كان النوم على كراسي الانتظار. 

تتذكّر مجددا يوم التفجير، ثم تبتسم لحالة حسن اليوم. كلامها يفسّر بعض مشاعرها نحو ابنها الذي تقول عنه أنه "غير الكل". "جنّيت، ومشيت حافية"، تروي. تعيد رواية الساعات الـ7 من التفتيش عليه، وكيف ذهبت مع ابن أخيها على الدراجة النارية لرؤيته. ويخبرنا الاهل عن نجاته من شظيتين قاضيتين، الاولى وجدت في جيبه، والثانية في حقيبة يده، "ولم تصيباه بجروح، بحماية الله".

يبتسم الوالد ناجي عندما يتذكر يوميات حسن ومدى تعلّقه بأمّه. يوم ذهبت مرّة إلى السعودية، اتصلت به من المطار لتطمئنه الى وصولها بسلامة. وسألها: "متى تعودين الى لبنان؟" يحزن الأب لحال ولده، لكنه سعيد بأنه "هيك، ومش أكثر"، وهي الجملة نفسها التي يرددها معظم الزوّار.

مفعم بالحياة حسن، ولم يعتد البقاء في المنزل يوما واحدا، يخبر الوالد. وهذا يعني ان ملازمة السرير طوال فترة الاستشفاء لن يكون سهلا عليه، خصوصا "انه يحب ان يتنزّه كثيراً". "بس أنا وامو ورفقاتو رح نروح مشاوير بس يتحسّن شوي"، يقول بفرح.

الزيارة تنتهي ببارقة أمل ينقلها أهل حسن عن الوضع في برج البراجنة. المحال عادت لتعمل أفضل من الأوّل، والناس "متل النمل" يتسوّقون هناك. "نسيو يللي حصل، والحياة بدّا تستمر. شو منضل زعلانين؟"